مذابح الأرمن.. سجل دموي يلاحق تركيا العثمانية
العثمانيون أبادوا أكثر من مليون ونصف أرميني في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين من حيث دمويتها
بالذبح والحرق وترك الأوبئة تنهش الأجساد والسحل، أباد العثمانيون أكثر من مليون ونصف أرميني، في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين، من حيث دمويتها التي تضاهي مذابح النازيين.
- "النواب الأمريكي" يدعم بأغلبية قرارا يعترف بمذابح الأتراك ضد الأرمن
- يريفان تشكر واشنطن على الاعتراف بمذابح الأتراك بحق الأرمن
نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية كتبها العثمانيون بدماء الأرمن الأبرياء، ومن ثم أنكروا جرائم خططوا من خلالها لإزالة أرمينيا من الوجود بإفراغها من سكانها، وربط دولتهم بأذربيجان وبقية المكونات ذات الأصل التركي من منغوليا حتى القوقاز.
سياسات عنصرية بغيضة لطالما آمنت بفكرة نقاء العنصر التركي وأحقيته المطلقة في السلطة، تفضحها الشهادات والتاريخ، وتعود إلى الذاكرة الجماعية للبشرية في كل مرة يطفو فيها الموضوع إلى السطح من جديد، رغم محاولات تركيا الجاهدة لقبره.
والثلاثاء أيد مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة قرارا يعترف بـ"الإبادة الجمعية" للأرمن من عام 1915 إلى 1923، في تصويت رمزي لكنه تاريخي ويعيد الاعتبار لشعب تعرض إلى عمليات قتل جماعية وممنهجة.
وبأغلبية 405 أصوات مقابل 11 وافق المجلس الذي يهيمن عليه الديمقراطيون على القرار الذي أثار حفيظة أنقرة التي لم تتأخر - كعادتها - في الرد سريعا، معربة عن استنكارها وتنديدها، في مسار تطبق عليه روائح توتر جديد في أفق العلاقات التركية الأمريكية.
الحقد.. سرطان ينهش العثمانيين
عشية الحرب العالمية الأولى "1914- 1918" بلغت الدولة العثمانية مرحلة الانهيار الوشيك، في وقت سطع فيه نجم شعوب خاضعة لها، بينهم الأرمن، إذ يقول محمد رفعت الإمام في كتابه "القضية الأرمنية والدولة العثمانية" إنهم بلغوا بالقرن 19 درجات متقدمة من الازدهار على جميع الأصعدة، حتى إنه قال متندرا إن العثمانيين كانون يتحدثون باللغة التركية ويفكرون بالأرمينية.
بزوغ شمس الأرمن فجر الحقد بنفوس العثمانيين ممن كانوا مسكونين بعقد التفوق العرقي، ولم يتمكنوا من استيعاب حقيقة أن آخر أقلية مسيحية تحت سلطتهم تفوقت عليهم، فقرر وزير الدفاع حينها أنور باشا التعجيل بتنفيذ ما يعرف بـ"المخطط الطوراني"، للإفلات من حرج هزائمه المتكررة.
استغل أنور باشا تحالف الأرمن مع جيش القيصر واتهمهم بالخيانة العظمى، في مسار يشبه إلى حد كبير مخطط السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، الذي اتهمهم بدوره بإثارة الفتنة الطائفية، قبل أن يبدأ بقطف رؤوسهم على مراحل.
وبالفعل صدرت أوامر إبادة الأرمن من أجل الاستيلاء على أراضيهم، لتبدأ واحدة من أبشع جرائم التاريخ.
الصحفي البريطاني البارز روبرت فيسك قال في مقال نشرته صحيفة "الإندبندنت" المحلية في يوليو/تموز الماضي، استنادا لدراسة حديثة للمؤرخ التركي تانر أكتشام الذي يعيش بمنفاه الاختياري بالولايات المتحدة هربا من مطاردة نظام رجب طيب أردوغان، ذكر أن قرار استهداف الأرمن تم اتخاذه بعد 31 يوما من دخول الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1914.
وأشار فيسك إلى أن المذابح الأولية استهدفت الرجال الأرمن فقط في مقاطعتي فان وبيتليس، قبل أن تمتد لتطال النساء والأطفال.
الإبادة الكبرى
في فبراير/شباط 1915 جرّد أنور باشا الجنود الأرمن من أسلحتهم ورتبهم العسكرية ثم كلفهم بمهام مد الجسور وبناء الطرقات، وحين انتهوا أمر بقتلهم جميعا.
ومن الجيش، مر إلى نخبة الأرمن، ليأمر باعتقالهم قبل أن يوجه إليهم تهما مفبركة تمس بأمن الدولة، وأصدر بحقهم أحكاما بالإعدام، فيما تم تهجير وترحيل عدد كبير منهم إلى صحراء سوريا والعراق، حيث قضوا عطشا.
واستكمالا للمخطط نفسه، كان لا بد من دعمه بفتوى تبيح هدر دماء الأرمن، وبذلك صدرت فتوى جاء فيها أن "الأرمن كفرة وخونة، وقتلهم جهاد وفرض على كل مسلم"، لتتشكل إثر ذلك بأمر مباشر من السلطان العثماني مليشيات عسكرية أطلق عليها اسم "الجيش الخمسيني"، لينطلق مسلسل الرعب الحقيقي في حياة الأرمن.
ووفق المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، كان الجنود العثمانيون يقيدون الأرمن ويأخذونهم خارج المدينة حفاة وشبه عراة، وحال تسنح لهم الفرصة يعمدون إلى ذبحهم ثم يختطفون نساءهم وأطفالهم ويجهزون عليهم سحلا أو حرقا أو عبر تركهم لأشهر بلا أكل حتى تنهشهم الأوبئة والأمراض، فيقضون جراء ذلك.
وبحسب المصدر نفسه، تعرضت 3 مدن لإبادة جماعية كاملة هي "بدليس" و"فان" و"ساسون"، فيما جرى ترحيل الأطفال والنساء ممن ظلوا أحياء ببقية المدن الأخرى، غير أنهم لم يسلموا من التعذيب الوحشي الذي كانوا يلاقونه كلما مرت بهم مليشيات "الجيش الخمسيني" حتى إن الرجال وأسرا بأكملها كانت تتمنى الموت من شدة التعذيب ووحشية ما يتعرضون له من ممارسات.
سحلوا الرجال وأحرقوهم أحياء واغتصبوا النساء واتخذوا الجميلات منهم سبايا، أما الأطفال فقد كانوا يلقون بهم في الصحراء حتى ينال منهم العطش فيموتون وتطمرهم الكثبان.