هدف مبابي في شباك «التطرف».. هل منح ماكرون طوق النجاة؟
«لا لخلط السياسة بالرياضة» شعار لطالما طالب به «الفيفا» دون جدوى، إلا أن رياضيين قفزوا عليه حينما سنحت لهم فرصة تقديم دعم لقضية ما يؤمنون بها، مما أوقع بعضهم في شرك العقوبات بينما نجا آخرون.
آخر هؤلاء الرياضيين كان نجم منتخب فرنسا كيليان مبابي، الذي تعيش بلاده أزمة سياسية، بعد أيام على حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعية الوطنية بشكل مفاجئ، مما وضع اليمين المتطرف في موقع قوة.
وأمام تلك التوترات حاول مبابي حث الجماهير الفرنسية على تجنب التصويت لصالح اليمين المتطرف، في الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة دورتها الأولى في 30 يونيو/حزيران الجاري.
دعوة مبابي، التي قال فيها، إنه على الجمهور «تجنب التصويت لصالح التطرف في الانتخابات الفرنسية المقبلة»، أثارت غضب بعض القطاعات، والصحافة في باريس، التي طالبت بضرورة عدم خلط كرة القدم بالسياسة.
هدية لماكرون؟
إلا أن اللاعب الفرنسي رد على تلك التصريحات، قائلا: أريد أن أكون فخوراً بتمثيل فرنسا، لا أريد أن أمثل دولة لا تتوافق مع قيمي أو قيمنا، يقول الناس لا تخلط بين كرة القدم والسياسة، لكننا هنا نتحدث عن موقف مهم حقا، وأكثر أهمية من اللعبة. الوضع في بلادنا رهيب وعلينا أن نتحرك.
وعلى الرغم من أن مبابي لم يذكر حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان باعتباره الحزب «المتطرف» الخطير، فإنه تم الافتراض على الفور أن هذا هو ما كان يقصده.
وفي اليوم السابق، كان زميل مبابي في الفريق ماركوس تورام، نجل الفائز بكأس العالم ليليان تورام، أكثر وضوحا، ففي مؤتمر صحفي قبل المباراة، قال إن فرنسا تواجه «واقعا حزينا، وإنه يتعين عليه كمواطن أن يقاتل حتى لا يمرر الجيش الملكي»، مضيفا أنه يأمل أن يشارك زملاؤه في الفريق وجهات نظره.
وبحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن مبابي وزميله دفعا ثمن تصريحاتهما، عندما تعرضا لهجوم إعلامي شامل هدد بإلقاء ظلاله على مباراتهما الافتتاحية ضد النمسا يوم الإثنين.
كيف انعكست تصريحات مبابي عليه؟
في الأيام التي تلت إدلائهما بتصريحاتهما، اتُهم كلاهما في بعض الصحافة اليمينية بعدم إظهار الموقف الصحيح تجاه كرة القدم، أو تجاه فرنسا بالفعل، وكما كان متوقعاً شن جوردان بارديلا، رئيس حزب الجبهة الوطنية البالغ من العمر 28 عاماً، هجوما عليهما، قائلاً إنه يكن لهما الاحترام كرياضيين، لكنهما من أصحاب الملايين وليس من حقهما أن يمليا على الفقراء كيفية التصويت.
في المقابل، دافع المدير الفني الفرنسي ديدييه ديشان عن لاعبيه، مؤكدا أنهما كمواطنين لديهما كل الحق في التعبير عن آرائهما بشأن بلديهما.
ولم يكن فيليب ديالو، رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، أقل ثقة بشأن هذا الأمر، فبعد أن أدلى تورام بتصريحه الأول، أرسل ديالو بيانا صحفيا ذكر فيه أنه «يجب تجنب جميع أشكال الضغط السياسي مع الفريق الفرنسي».
انزعج مبابي من ذلك، كما كان زميله أنطوان جريزمان، وأبلغوا ديالو بآرائهم، بعد بيان مبابي يوم الأحد، والذي كان من الواضح أنه كان يهدف إلى استفزاز ديالو، لم يكن أمام الرئيس القوي أي خيار سوى التراجع.
ولم يرغب في إثارة غضب لاعبيه أكثر، فأصدر بيانا قال فيه إنهم «شباب لديهم وجهات نظر معينة حول المجتمع، وليس من صلاحياتي كبح جماح آرائهم بشأن ما يتعلق بجيلهم». وشدد مع ذلك على أنه «ليس رئيسا لحزب سياسي وأن جبهة القوى الليبرالية تحافظ على الحياد في جميع المسائل السياسية».
مشهد مضطرب
ووسط صرخات اليأس العالية في فرنسا من أداء المنتخب الوطني في بعض المباريات، فإن الواقع السياسي لم يكن مختلفا عن نظيره الرياضي، فأجواء من الذعر وعدم اليقين سادت بعد قرار إيمانويل ماكرون الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة قد تؤدي إلى وصول حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف إلى السلطة.
ويقول أغلب الأشخاص الذين تحدثت إليهم «الغارديان»، منذ أعلن ماكرون الانتخابات، إنهم لم يشهدوا مثل هذا الاضطراب السياسي طول حياتهم.
«لم نر شيئا كهذا من قبل»، يقول آلان، مدرس متقاعد في الستينيات من عمره، مضيفا أنه صوت للاشتراكيين طوال حياته، لكنه يشعر الآن بأنه محاصر أو خدعه ماكرون.
آلان من مشجعي كرة القدم ومؤيد للمنتخب الفرنسي، لكنه يكافح من أجل الحفاظ على اهتمامه ببطولة اليورو، وأضاف «كرة القدم فقدت نكهتها، من الصعب مشاهدة الرياضة عندما تكون هناك لعبة أكبر وأكثر خطورة في البلاد».
فهل كانت المرة الأولى التي يدلي فيها رياضيون بآراء سياسية؟
هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها لاعبو المنتخب الوطني مواقف سياسية ويتحدون سلطة الهيئة الحاكمة للعبة الفرنسية، ففي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1978، التي أقيمت في الأرجنتين، أدان الجناح دومينيك روشيتو، بتحريض من الفيلسوف برنارد هنري ليفي، علناً انتهاكات حقوق الإنسان من جانب المجلس العسكري الأرجنتيني الحاكم، الأمر الذي أحرج الاتحاد الفرنسي لكرة القدم والحكومة الفرنسية.
وفي عام 2002، تحدث زين الدين زيدان ضد الجبهة الوطنية، سلف حزب الجبهة الوطنية بقيادة جان ماري لوبان، حيث كانوا يتطلعون إلى تحقيق مكاسب انتخابية، قائلاً إنهم «لا يمثلون قيم فرنسا».
وكان ليليان تورام أكثر نشاطا على الجبهة السياسية، حيث جادل خلال فترة وجوده كلاعب وبعد ذلك بأن على فرنسا أن تواجه ماضيها الاستعماري، وليس من قبيل الصدفة أن يتم تسمية ابنه ماركوس على اسم ماركوس غارفي، الناشط السياسي الجامايكي العظيم.