مذيع الذكاء الاصطناعي يؤسس لتحول كبير في صناعة الإعلام والترفيه
مذيع الذكاء الاصطناعي الملقب بـ"المذيع التراكبي" يقوم بقراءة الأخبار بطريقة التأثير التي يوفرها المذيع البشري.
أولئك الذين يثقون بقدرة الذكاء الاصطناعي في تغيير وجه الإعلام، لم تفاجئهم إطلالة أول مذيع أخبار آلي في العالم يعتمد التقنية ذاتها، والذي قدمته مؤخرًا وكالة أنباء "شينخوا" الصينية بالتعاون مع شركة "سوغو" في أول تجربة منجزة لدمج التسجيل الصوتي والفيديو في الوقت الحقيقي مع شخصية افتراضية.
وقام مذيع الذكاء الاصطناعي الملقب بـ"المذيع التراكبي"، بقراءة الأخبار بطريقة التأثير نفسها التي يوفرها المذيع البشري، حيث عرّف بداية عن نفسه بأنه "مذيع اصطناعي باللغة الإنجليزية" ليواصل بعدها قائلًا: "هذا هو يومي الأول مع شبكة شينخوا، شكلي وصوتي مصممان على نحو يحاكي "جان جاو" المذيع الحقيقي في شينخوا".
وأضاف: "التطور في مجال الإعلام يتطلب الابتكارات الدائمة، ومحاكاة حقيقية مع التقدم التكنولوجي الدولي"، مشيرًا إلى أنه سيعمل بلا توقف، إذ سيتم كتابة النصوص في برنامجه الداخلي من دون مقاطعة.
وفي الختام عبر "المذيع التراكبي" عن تطلعه لتقديم التجربة الإخبارية الجديدة في الوكالة الصينية، التي أعلنت بدورها أن مذيع الذكاء الاصطناعي أصبح عضواً رسمياً ضمن فريق إعداد تقارير الوكالة، على أن ينضم له مذيعون آخرون يعتمدون التقنية ذاتها، لتزويد المشاهدين بمعلومات إخبارية موثوقة باللغتين الصينية والإنجليزية.
ظهور المذيع بتقنية الذكاء الاصطناعي، يبدو إيذاناً بنقطة تحول كبيرة في عالم الإعلام، وتجربة رائدة بالغالب لن يمض وقت طويل قبل أن تنتشر في العديد من دول العالم، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي أطلقت في أكتوبر 2017 "استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي(AI)" ، ووضعت في مقدمة أهدافها استثمار الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعاتها الحيوية وشتى ميادين العمل، ومنها الإعلام بطبيعة الحال.
ومع انتشار هذا الشكل من المذيعين، سيكون الإعلام التقليدي قد دخل نفقًا مظلمًا جديدًا، بعد ثورة الصحافة الرقمية التي تؤكد سيادتها يومًا بعد يوم وتمددها على حساب الصحافة الورقية، الأمر الذي يتطلب سرعة تحرك حقيقية لتطوير الإعلام التقليدي القائم على العنصر البشري، قبل أن ننعيه هو أيضًا.
لقد أخطأ الإعلام الورقي حين استخف بنظيره الرقمي وبقدرته على الانتشار السريع بين الناس، إذ لم ينبته إلى التزايد الدراماتيكي في أعداد المواقع الإلكترونية، منذ قام الفيزيائي البريطاني تيم بيرنرز لي في 6 أغسطس/آب 1991 بنشر أول موقع في العالم، لتتزايد بعدها عدد المواقع فيبلغ بعد 4 سنوات "1995" 23500 موقع إلكتروني، ويصل عددها في يوليو/تموز 2007 إلى 125 مليون موقع، قبل أن يحدث الانفجار الحقيقي في هذا العدد ويبلغ بعد 11 عامًا في يونيو/حزيران عام 2018 نحو 1.89 مليار موقع في العالم يستخدمها 3.95 مليار مستخدم للإنترنت.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار، إضافة إلى هذا العدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذي قُدر عددهم في الفترة ذاتها من عام 2018 بنحو 2.62 مليار مستخدم، وبالنظر إلى ما تعكسه هذه الأرقام بمجملها من تزايد في سلطة الإنترنت وما ترافق معها من تغير في أنماط التفكير والقراءة، لابد أن نخلص إلى أنه لا مفر من وقت نشهد فيه نهاية الصحافة الورقية.
اليوم تبدو الصحافة التلفزيونية مطالبة أيضًا بالتدقيق في الأرقام السابقة، وألا يكتفي المذيعون فيها بالهلع من المذيع التراكبي القادم ليحل مكانهم، فالمتحكمون بأنظمة الإنترنت يعملون على تسجيل بيانات كل مستخدم للشبكة العنكبوتية، وتقنية الذكاء الاصطناعي باتت جاهزة على نحو كامل لتحليل تلك البيانات المسجلة، تمهيدًا لاستشفاف نتائج منها، ستوظف حتمًا في إطلاق مشروعات جديدة تستهدف الناس، وبينها مشروعات قد تعصف بالإعلام التلفزيوني.
وبالتالي على هذه الأخيرة المسارعة بتطوير أدواتها للتكيف مع تحولات العصر الرقمي قبل أن تصبح هي الأخرى جزءًا من الماضي الجميل، وذلك عبر توفير بيئة صديقة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تتيح بدورها للإعلام التلفزيوني سرعة وكفاءة في عمليات صناعة المحتوى وتحديد أنماط تفكير المشاهدين واتجاهاتهم وسلوكهم.
وليس التلفزيون وحده من عليه أن يتكيف مع التسارع الرقمي واشتراطاته وإنما صناع الترفيه كلهم، إذ على هؤلاء مواكبة تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت الأساس في خوض تجارب واقعية وأكثر ثراء في وسائل الإعلام والترفيه، أبسطها تلك التي باتت تعلن نفسها في صناعة ألعاب الفيديو، عبر ما تقدمه من رسوم متحركة شديدة الواقعية، فضلًا عن تفاعلها من اللاعبين وتكيفها مع سلوكه.
وبينما أعلن في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية الدولي لعام 2018 "CES" في لاس فيجاس عن نية "فيراري أمريكا الشمالية" استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة جمهور مسابقاتها، ومساعدة المذيعين في توفير تفاصيل أكثر وأعمق وأدق لهم، كانت منتجات الذكاء الاصطناعي تنجح في إثبات كفاءتها في الإنتاج الدرامي، في مراحل ما قبل التصوير وما بعده، وذلك من خلال أتمتة العمليات الإنتاجية والفنية، مثل تصنيع اللقطات ومزامنتها وتجميعها، وجدولة عمليات التصوير، ووضع الميزانيات وسواها.
إلا أن التحول الحقيقي الذي أحدثته تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة الترفيه، ظهر حين نجح فريق من الباحثين من جامعة واشنطن، وجامعة إلينوي في إربانا-شامبين، ومعهد ألين للذكاء الاصطناعي في صناعة مقاطع جديدة من سلسلة الرسوم المتحركة "Flintstones"، بعد تزويد "الذكاء الاصطناعي" بـ25 ألف مقطع من السلسلة الكوميدية الأمريكية، تستغرق كل منها 3 ثوانٍ، مصحوبة بأوصاف الشخصيات وحركاتها وخلفياتها ويومياتها.
جودة المقاطع الجديدة من "Flintstones" بدت علامة أن صناعة الرسوم المتحركة لن تتأخر في استخدام الذكاء الاصطناعي لصناعة مشاهدها بشكل أسرع وأفضل، ولعلها كانت مؤشرًا على قرب اعتماد التقنية ذاتها على نطاق واسع في صناعة الترفيه.
ومن يدري، فربما بعد إطلاق مذيع الذكاء الاصطناعي الصيني، نرى أيقونة السينما الأمريكية الراحلة مارلين مونرو، تعود إلى استديوهات هوليوود عبر ممثلة ذكاء اصطناعي تحاكيها بالشكل والصوت، وربما نعود إلى المسارح لنستمع مجددًا إلى صوت الراحلة أم كلثوم، وربما يصير الممثلون أنفسهم عاطلين عن العمل مع ظهور موجة ممثلين آليين، لن يأخذوا وقتًا طويلًا، كالبشر، في تجسيد شخصياتهم التمثيلية أمام الكاميرا بعد تزويد برامجهم الداخلية بالحوار المطلوب وتوجيهات مخرجه، وكل ذلك قد يصبح حقيقة في وقت قريب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التطور الكبير والمتسارع في أدوات الذكاء الاصطناعي وأنظمة الحوسبة ومساحات تخزينها، حتى لو بدا الآن مجرد خيال.
aXA6IDMuMTM4LjExOC4xOTQg جزيرة ام اند امز