أزمة ما بعد التقاعد.. صدام مفتوح بين ميركل وحكومة شولتز
"صدام مفتوح أم صدام محدود".. جدل ثائر يتركز ظاهريا حول التوصيف، لكنه يطول المضمون والإرث السياسي بشكل لا يصدق.
فخلال أيام مضت، وأيام قادمة منتظرة، تتحول قضية نفقات مكتب المستشارة السابقة، إلى قضية سياسية، تفتح جراح حديثة وأخرى قديمة مرتبطة بإرث المرأة الحديدية التي تحظى بشعبية كبيرة حول العالم.
ولم يكن أحد يتخيل لوقت قريب أن تتحول المستشارة السابقة إلى مادة للانتقاد والهجوم، وأن يتحول إرثها فجأة من التصنيف الإيجابي، إلى السلبي، لكن هذا هو واقع السياسة، وتغيرات الحكم بعد كل اقتراع أو أزمة مدوية.
البداية كانت بخبر منشور قبل أيام في صحف ألمانية عدة تحدث عن مطالبة المستشارية الاتحادية، المستشارة السابقة التي باتت تحمل حاليا لقب أستاذ دكتور استنادا لسجلها الأكاديمي، بتقليل نفقات مكتبها الذي يكفله لها القانون بعد التقاعد.
هذه المطالبة الرسمية، أثارت جدلا حول سؤال أكبر: ما مدى سخاء الدولة عندما يتعلق الأمر بتوظيف وتجهيز مكاتب رؤساء الحكومات السابقين؟، لكن هذا جدل ممتد منذ أزمة علاقة المستشار الأسبق جيرهارد شرودر، بروسيا، وتجريد الأخير في النهاية من بعض امتيازات رؤساء الحكومات السابقين.
جدل شرودر والاتهامات التي وجهت له باستخدام مكتبه وموقعه للتربح من أمور أخرى، وعلاقته بروسيا وشركات النفط الروسية، وضع كثيرا من الضوء على قضية امتيازات رؤساء الحكومات السابقين، والتي تتعلق عادة بمكتب خاص وفريق موظفين تدفع رواتبهم الدولة، وتمويل رحلات خارجية، فضلا عن راتب تقاعد.
لكن ميركل، كما ورد أعلاه، تعرضت للوم، أو النصيحة بتقليل نفقات مكتبها خلال الأيام الماضية، ما أعاد فتح جراح قضية شرودر، وقضية امتيازات رؤساء الحكومات السابقين.
وردا على هذا اللوم، قالت المتحدثة باسم ميركل، بيت بومان، في تصريحات لصحيفة تاغس شبيجل اليومية، الأربعاء، "المستشارة السابقة، الأستاذة الدكتور أنجيلا ميركل، ومكتبها، كانا ولا يزالان على دراية بالظروف العامة والإمكانات المتاحة، والمحددات الموضوعة على مكاتب رؤساء الحكومات السابقين".
وكانت مجلة دير شبيجل ذائعة الصيت، ذكرت قبل أيام أن الحكومة الحالية طالبت المستشارة السابقة بأن تكون أكثر انضباطًا عند التعامل مع نفقات مكتبها.
وفقًا لتقرير وجهته وزارة المالية إلى لجنة الميزانية في البوندستاج (البرلمان)، كانت هناك محادثات بين مكتب المستشار أولاف شولتز، وإدارة مكتب ميركل، في الفترة الماضية، "تتعلق أيضا بالتوظيف على أساس الحاجة" في مكتب المستشارة السابقة.
بيد أن المتحدثة باسم ميركل لم ترد الرد على هذه المحادثات وطبيعتها، وقالت "بشكل عام، لا نقدم أي معلومات حول العمليات الداخلية، وهذا ينطبق على اتصالاتنا المستمرة مع المستشارية الاتحادية".
وتتعلق أزمة التوظيف في مكتب ميركل، بـ9 وظائف يشملها المكتب، ويشغلها موظفون بالكامل في الوقت الحالي، وفق صحيفة تاغس شبيجل، لكن هذا العدد الكبير من الموظفين تسبب في انتقادات كبيرة للمستشارة السابقة.
هذه الانتقادات تعود إلى أن عدد الوظائف يخالف قرارا سابقا للبرلمان. فبناءً على طلب من الاتحاد المسيحي (تكتل ميركل) والحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر، قررت لجنة الميزانية بالبرلمان في عام 2019، تقليص حجم مكاتب المستشارين السابقين.
وبناءً على ذلك، ينبغي أن تمول الدولة ما لا يزيد على مدير مكتب واحد، ومتحدثين اثنين، وكاتب واحد وسائق رئيسي واحد، على أن تتوقف الدولة عن تمويل واحدة من هذه الوظائف بعد 5 سنوات من خروج المستشار السابق من السلطة.
ورغم رفض مكتب ميركل التعليق على فحوى المناقشات مع المستشارية الاتحادية، توصلت دير شبيجل لمعلومات تفيد بأن ميركل أوضحت للمستشارية الاتحادية، أن الغرض من مكتبها ليس "متعلقًا بالوضع" ولكن تم إنشاؤه "للوفاء بمهام ما بعد الصفة الرسمية، والالتزامات المستمرة للمستشارة السابقة".
كما استبعد مكتب ميركل في هذه المحادثات، "على وجه الخصوص، استخدام المكتب للأغراض الخاصة ولإدرار دخل إضافي".
بالإضافة إلى ذلك، تناولت المحادثات أيضًا سداد نفقات السفر، وتوصلت لاتفاق يفيد بسداد الدولة نفقات سفر مكتب أو موظفيها، إذا كانت تسافر باسم جمهورية ألمانيا الاتحادية ولصالحها.
في هذا الإطار، قالت بومان في تصريحاتها اليوم، إن الحجوزات والتكاليف الخاصة برحلات ميركل نيابة عن أو لصالح الحكومة الفيدرالية، ورحلات العمل التي يقوم بها الموظفون سيتم تنسيقها مع المستشارية الاتحادية.
لكن مجلة دير شبيجل لفتت إلى الاهتمام المتزايد بالفصل بين الواجبات الرسمية والمسائل الخاصة، وعلى سبيل المثال، تحمل زوج ميركل، يواكيم سوير تكاليف رحلته عندما زارت المستشارة السابقة، أمستردام في يوليو/تموز الماضي، فيما تحمل الجانب الهولندي التكاليف الأخرى.
بومان رفضت أيضا أي انتقادات حول بذخ تجهيزات مكتب المستشارة السابقة، وقالت إن تجديد مكتب ميركل، ارتبط أيضًا بجهود وتكلفة في حدود الممكن، وأوضحت "جرى فتح باب بين غرفتين، وطلاء الجدران، وتنظيف النوافذ الزجاجية والستائر وتصليحها".
ورغم الطبيعة المالية البحتة للتداولات والانتقادات الجارية بين مكتب ميركل والحكومة الحالية، فإن الأزمة أخذت منحنى آخر، وطالت إرث المستشارة السابقة، وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
وقال عالم السياسة توماس ياجر في تغريدة على حسابه بـ"تويتر"، تابعتها "العين الإخبارية"، "في حين أن جميع المواطنين يتحملون التكاليف الباهظة المترتبة على سياسة ميركل الفاشلة في ملفي روسيا والطاقة، حذرت المستشارية الاتحادية، (المستشارة السابقة)، من نفقات مكتبها واستخدامه".
فيما كتب الناشط ألكسندر شفاندت، "لماذا تحتاج ميركل إلى مكتب به 9 موظفين، رواتبهم كلها مدفوعة من قبل دافعي الضرائب؟"، مضيفا "بالطبع. أولئك الذين لم يعودوا في مناصبهم يجب أن يتفضلوا بدفع ثمن أعمالهم بأنفسهم.. معاش ميركل مرتفع بما فيه الكفاية، مرتفع للغاية".
وكتب حساب باسم "لا مزيد من الديكتاتورية"، يقول إنه ينشط ضد كل أشكال التطرف، فكتب "يعمل الموظفون حاليًا في مكتب ميركل (بتمويل حكومي).. هذه السيدة لا تزال تؤذينا رغم أنها لم تعد في المنصب".
في المقابل، رد حساب باسم ماتياس، وكتب أن "من الخطأ الاعتقاد بأن الوضع الحالي نتاج سياسة السيدة ميركل تجاه روسيا، والتي لم تكن خاطئة بأي حال من الأحوال".
وتابع أن "الوضعية الحالية نتاج سياسة مقاطعة روسيا والعقوبات المجنونة ضدها، والتسليم المستمر للأسلحة إلى أوكرانيا وبرنامج إعادة تسليح الجيش الألماني"، وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
وهكذا تحول الجدل حول نفقات مكتب المستشارة السابقة، إلى جدل أكبر حول إرثها السياسي، وهل كان خطها في التعاطي مع ملف روسيا الأفضل، أم الأسوأ، وهل هي من أدت إلى الأزمة الراهنة، أو سياسيات الحكومة الحالية؟
aXA6IDE4LjExOS4xNjEuMjE2IA==
جزيرة ام اند امز