أنجيلا ميركل.. هل تنتهي حقبة المرأة الحديدية في 2020؟
قبل أشهر، أعلنت ميركل استقالتها من رئاسة حزبها، وأنها ستعتزل السياسة نهائيا بعد نهاية الفترة التشريعية الحالية في 2021
احتفظ عام 2019 بأيام ثقيلة على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إثر صعوبات صحية وسلسلة أزمات ضربت ائتلافها الحاكم، وفتحت الباب أمام توقعات بتقاعدها في 2020.
ويعني تقاعد ميركل المنحدرة من الاتحاد المسيحي (يمين وسط)، في عام 2020، أنها ستنهي مشوارها قبل عام من نهاية الفترة التشريعية الحالية وخروجها الطبيعي من الحياة السياسية.
ووفق المسار الطبيعي، فإن حقبة ميركل من المقرر أن تنتهي بنهاية ولاية حكومتها الحالية في 2021، أي بعد 16 عاماً في السلطة، و4 فترات حكومية، لأن المستشارة المعروفة بـ"المرأة الحديدية" في الأوساط الألمانية و"ماما ميركل" بين اللاجئين العرب، أعلنت العام الماضي أنها لن تخوض الانتخابات التشريعية المقررة في نهاية العام المقبل.
ففي مايو/أيار الماضي، قالت المستشارة الألمانية: "كما قلت وقت انسحابي من رئاسة الحزب (أواخر 2018): أنا لست متاحة لأي منصب سياسي جديد"، ما يعني أن رئاستها للحكومة الحالية ستكون نهاية عهدها بالسياسة.
ومنذ صعودها لقمة السلطة في 2005، أظهرت ميركل الحاملة لدكتوراه في الفيزياء وعاشت معظم حياتها في ألمانيا الشرقية السابقة، قدراً كبيراً من القوة والإلمام بالسياسة، جعلاها تهيمن على مقاليد الحكم في برلين.
إلا أن عام 2019 كان عصيبا على المستشارة البالغة من العمر 65 عاما، حيث تعرضت فيه للارتجاف 3 مرات متتالية أمام عدسات الكاميرات، ما أجبرها على حضور استقبالات عامة جالسة على مقعد، وهي السيدة التي لم تظهر أي لحظات ضعف طوال وجودها في السلطة.
ذلك الارتجاف الذي يظهر السيدة القوية تصارع ضعفا شديدا، فتح باب القلق حول صحتها، ومدى قدرتها على أداء مهام منصبها بكفاءة.
ويضيف الارتجاف المتكرر والقلق والضبابية المحيطان بالحالة الصحية لـ"أنجيلا" التي لطالما قالت إنها بإمكانها العمل طويلا وتخزين النوم مثلما يخزن الجمل المياه إلى الصعوبات السياسية التي تواجهها في فترتها الرابعة على رأس أكبر اقتصاد أوروبي.
وفي الأشهر الأخيرة، تعرض الائتلاف الحاكم الذي تقوده ميركل المنحدرة من الاتحاد المسيحي، بمشاركة الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط)، إلى هزات سياسية عنيفة، في ضوء الخلافات بين طرفيه حول عدة قضايا؛ أبرزها قضايا المناخ والرقمنة وميزانية الدفاع والحد الأدنى للأجور.
وقبل أيام، هددت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ثاني أكبر أحزاب ألمانيا، بالانسحاب من الائتلاف الحاكم، إذا رفض الاتحاد المسيحي إعادة التفاوض على برنامج الحكومة.
جاء ذلك بعد أيام من انتخاب نوربرت فالتر بوريانس وساسكيا إسكن للرئاسة المشتركة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهما من الجناح اليساري المتشدد في الحزب، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويطالب يوريانس وإسكن بإعادة التفاوض مع الاتحاد المسيحي حول برنامج الحكومة، لتضمينه حدا أدنى للأجور يقدر بـ12 يورو في الساعة، وتخصيص استثمارات لسياسات حماية المناخ، وهو ما يرفضه الاتحاد بشكل قاطع، ما يضع مستقبل الائتلاف الحاكم على المحك.
ويمثل انسحاب الاشتراكي الديمقراطي من الائتلاف الحاكم، حال حدوثه، ضربة كبيرة لميركل، وطموحها في البقاء في السلطة حتى نهاية الدورة التشريعية، لأنه سيعني إجراء انتخابات مبكرة لن تخوضها المستشارة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعرض الحزب الديمقراطي المسيحي لهزة كبيرة، بعد تلقيه خسارة قاسية في الانتخابات المحلية في ولاية تورينجن "وسط"، فتحت الباب أمام انتقادات كبيرة لنهج المستشارة السياسي، ومطالبات بتنحيها.
ووفق صحيفة بيلد الألمانية، فإن الفوضى ضربت الحزب بعد هذه الهزيمة، ووجه عدد من قياداته انتقادات لاذعة لميركل. ونقلت الصحيفة عن القيادي بالحزب فريدرش ميرتس قوله: "المشكلة تكمن في ميركل نفسها.. هذا ثمن الأداء السيئ للحكومة".
ومضى قائلا: "هناك استياء شعبي من أداء الحكومة ومن الحزب الديمقراطي المسيحي"، لافتا إلى ضرورة تغيير قيادة الحكومة.
وفي يوليو/تموز الماضي، توقع وزير المالية الألماني نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولف شولتز انهيار ائتلاف ميركل، خلال أشهر، مضيفا أن "الضغوط التي تمارس على حزبه للانسحاب من الائتلاف كبيرة للغاية".
وخلال يوليو/تموز الماضي أيضاً، وقعت أزمة كبيرة داخل الائتلاف بعد أن صوّت الاشتراكي الديمقراطي ضد تولي أرسولا فون دير لاين، المنحدرة من الاتحاد المسيحي، رئاسة المفوضية الأوروبية، في البرلمان الأوروبي، ما أشعل خلافا بين طرفي الحكومة.
وفي ضوء الخلافات المتكررة بين طرفي الائتلاف الحاكم، قال نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر (يمين وسط- معارض) مايكل توير، في تصريحات صحفية قبل أيام، إن "الحزب الاشتراكي الديمقراطي في قبضة جناحه اليساري، والانسحاب من الائتلاف الحاكم بدأ بالفعل".
كما قال رئيس الحزب الديمقراطي الحر كريتسان ليندر، في تصريحات لصحيفة بيلد الألمانية، الأسبوع الماضي: "لا يجب أن يعيد الاتحاد المسيحي التفاوض حول برنامج الحكومة".
ليندر طالب صراحة بإنهاء الائتلاف الحاكم الحالي، قائلا: "نهاية مرعبة أفضل بكثير من رعب بلا نهاية".
فيما قال يورغ مويتن، رئيس حزب البديل لأجل ألمانيا، حزب المعارضة الرئيسي وثالث أكبر كتلة برلمانية في البلاد، إن "الائتلاف الحاكم سينتهي قريبا.. إجراء انتخابات مبكرة في 2020 بات الاحتمال الأكبر".
وقبل أشهر، أعلنت ميركل استقالتها من رئاسة حزبها، وأنها ستعتزل السياسة نهائيا بعد نهاية الفترة التشريعية الحالية في 2021، لكن الوقت لم يمنحها الفرصة لاستكمال ولايتها دون قلاقل، وتتابعت المشاكل السياسية تارة والصحية تارة على المستشارة.
وتحظى ميركل المعروفة بحبها للموسيقى الكلاسيكية ومواظبتها على حضور حفلات الأوبرا بحب واحترام الجاليات العربية في ألمانيا، وأطلق عليها السوريون "ماما ميركل" بسبب قرارها فتح الأبواب أمام مليون لاجئ لدخول بلادها في 2015، معظمهم من سوريا والعراق، وتحملها تكلفة سياسية ألقت بظلال على شعبيتها في سبيل هذا القرار.