لقاء ميركل وترامب.. ألمانيا تخشى الاختلاف الجوهري والمفاجآت
اجتماع دونالد ترامب وأنجيلا ميركل يمثل لقاء قطبين متنافرين تماما على طاولة مليئة بالقضايا الشائكة مثل روسيا والهجرة والتجارة.
قال شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الإثنين، إنها تتطلع لتبادل مفصل لوجهات النظر بشأن مجموعة من القضايا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما يجتمعان في واشنطن غدا الثلاثاء.
وأضاف زايبرت أن الزعيمين سيجتمعان لأكثر من ساعتين ونصف، وسيكملان مشاوراتهما بعد ذلك خلال غداء عمل، مشيرا إلى أن "المستشارة تتطلع لفرصة لتبادل وجهات النظر بشكل مفصل مع الرئيس الأمريكي".
وأكد المتحدث في مؤتمر صحفي ببرلين، أن "ألمانيا والولايات المتحدة شريكان.. وقائمة مصالحنا المشتركة طويلة جدا".
وتابع أن الحكومة الألمانية تعتقد أن سياسات الحماية الاقتصادية غير مفيدة لنمو الاقتصاد العالمي. وقال: "مازلنا نعتقد أن التجارة الحرة تفيد جميع الأطراف. ولا نؤمن بنظام اقتصادي عالمي يستند إلى سياسات الحماية الاقتصادية".
اختلاف جوهري
ويمثل اجتماع ترامب وميركل لقاء قطبين متنافرين تماما، فهي متخصصة في العلوم الفيزيائية ومن صفاتها ضبط النفس والتحفظ، ولا تحب التعجل في أخذ القرارات، ولم تستسغ قط الاهتمام الذي يأتي به شغل منصب أقوى زعماء أوروبا، أما هو ثري من أباطرة العقارات في نيويورك متسرع في إبداء آرائه ويستمتع بالأضواء.
ومن الصعب تخيل اثنين أكثر اختلافا سواء من حيث الأسلوب أو من حيث الجوهر من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.
ويلتقي الاثنان غدا الثلاثاء للمرة الأولى في لقاء شديد الأهمية تتابعه الحكومات في مختلف أنحاء العالم بحثا عن خيوط تكشف مستقبل التحالف الأوروبي الأمريكي الذي ساهم في تشكيل النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، ويهدد ترامب بوضع نهاية له.
وقال تشارلز كابتشان الذي كان مستشارا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في السياسة الأوروبية بوصفه عضوا في مجلس الأمن القومي: "هل أعتقد أن الصداقة ستتوطد بينهما؟ لا على الأرجح. فهما شخصيتان في غاية الاختلاف.. لكني أعتقد أنهما يهتمان بقوة على المستويين السياسي والاستراتيجي باكتساب كيفية العمل معا. ربما كان هذا هو أهم اجتماع مع زعيم أجنبي في رئاسة ترامب".
ويقول مسؤولون ألمان، إن ميركل (62 عاما) التي تميل للتدقيق في التفاصيل ثابرت على الإعداد بكل اجتهاد لرحلتها إلى واشنطن.
ويضيفون أنها شاهدت خطب ترامب ودققت في مقابلاته الإعلامية بما في ذلك حديث مطول مع مجلة "بلاي بوي" عام 1990، يطرح فيه الكثير من الآراء الجدلية التي يحاول الآن وهو رئيس وضعها موضع التنفيذ.
وقال المسؤولون، إن بعض المقربين منها عكفوا على تحليل لقاءات ترامب مع قادة آخرين بمن فيهم رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، وشينزو آبي رئيس وزراء اليابان، وجاستن ترودو رئيس وزراء كندا، وتبادلوا الرسائل مع بعض نظرائهم حول كيفية التعامل مع ترامب نجم تلفزيون الواقع السابق الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
وقال مسؤول ألماني كبير: "علينا أن نكون مستعدين لعدم ميله للإنصات لفترة طويلة وأنه يفضل المواقف الواضحة ولا يريد الخوض في التفاصيل".
روسيا والهجرة والتجارة
والهوة بين الزعيمين شاسعة في الاقتصاد وفي السياسة الخارجية، حيث وصف ترامب (70 عاما) قرار ميركل السماح لمئات الألوف من اللاجئين بدخول ألمانيا بأنه "خطأ كارثي".
كما هدد بفرض رسوم على شركات السيارات الألمانية التي تورد سياراتها إلى السوق الأمريكية، وانتقد برلين لعدم زيادة إنفاقها على الدفاع مكررا شكوى أمريكية قديمة وعدت ميركل بالعمل على حلها.
ومن مصادر التوتر الأخرى، الفائض التجاري الألماني البالغ 50 مليار يورو في التجارة مع الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، اتهم بيتر نافارو مستشار ترامب ألمانيا باكتساب مزايا تجارية غير عادلة من خلال ضعف اليورو، فيما أشارت ميركل ووزراؤها إلى أن البنك المركزي الأوروبي لا برلين هو المتحكم في مصير العملة الأوروبية الموحدة.
وستكون روسيا أيضا من الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال، وقال مسؤولون في البيت الأبيض، إن ترامب سيسعى للاستماع إلى نصيحة ميركل فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومن جانبها، انتقدت ميركل حظر السفر الذي فرضه ترامب على مواطني عدة دول غالبية سكانها من المسلمين، وفي مكالمة هاتفية في يناير/كانون الثاني الماضي شرحت ميركل لترامب أن اتفاقية جنيف تلزم الموقعين عليها بمن فيهم الولايات المتحدة باستقبال اللاجئين بسبب الحروب لأسباب إنسانية.
وكذلك تشعر ميركل بالقلق خشية أن يواصل ترامب، الذي أشاد مرارا بقرار بريطانيا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، العمل على إضعاف الاتحاد بهذا الخطاب، في وقت يمر فيه التكتل بأزمة عميقة ناجمة عن صعود الأحزاب الشعبوية المناوئة للوحدة.
وقال انتوني جاردنر، الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي حتى يناير/كانون الثاني: "أوروبا في حالة هشة متزعزعة وألمانيا تحاول ضمان تماسك مشروع التكامل الأوروبي.. أحسب أن المستشارة ستبغي توضيح ذلك للرئيس"، مضيفا "هذه فرصة لرسم إطار لمجالات الاهتمام المشترك وتحديد جدول أعمال إيجابي. لكن اجتماعا واحدا لن يغير الجو السائد وحده".
احتمال ظهور مفاجآت
ترامب هو ثالث رئيس أمريكي تتعامل معه ميركل أقدم زعماء أوروبا، حيث أقامت علاقة طيبة مع جورج بوش الذي كان حريصا على إصلاح العلاقات مع ألمانيا، بعد الصدام الذي وقع بينه وبين جيرهارد شرودر المستشار الألماني السابق بسبب حرب العراق.
ورغم أن العلاقات مع أوباما بدأت بداية صعبة عندما رفضت ميركل طلبه إلقاء خطاب عند بوابة براندنبورج خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2008، فقد توطدت الأواصر بينهما بمرور الوقت وتعاونا في فرض العقوبات على روسيا وبدء مفاوضات التجارة الحرة بين أوروبا والولايات المتحدة.
وعندما زار أوباما برلين في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أسبوع من فوز ترامب في الانتخابات اعترفت ميركل بأن "الفراق صعب علي".
وستحرص الزعيمة الألمانية أشد الحرص في تصرفاتها في واشنطن، ففي ضوء انتخابات المستشارية التي تترقبها ألمانيا في سبتمبر/أيلول، يتعين عليها أن تتجنب تزويد خصومها السياسيين بالذخيرة من خلال التقرب من ترامب، كما أنها لا يمكنها أن تتحمل مواجهة قد تضر بالمصالح الألمانية.
ومن أكبر المخاوف في معسكر المستشارة قبل الزيارة احتمال حدوث مفاجآت ليست في الحسبان.
فقد كان لرئيس الوزراء الياباني مصافحة محرجة استمرت 19 ثانية مع ترامب، بينما تعرضت رئيسة وزراء بريطانيا لانتقادات في بعض وسائل الإعلام البريطانية بسبب تشابك يدها مع يد ترامب خلال تجولهما معا في البيت الأبيض.
وعندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بترامب الشهر الماضي، أمضى هو وفريقه اليوم السابق في دراسة تصورات لا نهاية لها وبحث الأسئلة التي يمكن أن تطرح لضمان استعداد الجانب الإسرائيلي لأي احتمال.
ومع ذلك فقد بوغتوا عندما تحدث ترامب على غير المتوقع في مؤتمر صحفي عن قضايا المستوطنات والدولة الفلسطينية المستقبلية.
واعترفت ميركل بأنها لم تكن ترتاح للمفاجآت أثناء طفولتها، حتى أنها كانت تضع قائمة أمنياتها لعيد الميلاد قبله بشهور لتفادي وضع تفاجأ فيه بهدية غير متوقعة.
أما في لقائها مع ترامب فربما يتعين عليها أن تتوقع أي شيء.
aXA6IDE4LjExNi44Ni4xNjAg جزيرة ام اند امز