أن تحدث أزمات اقتصادية أو سياسية في دولة ما ويكون تأثيرها في حال المواطن داخل البلد، فهو أمر وارد، ويتحمله الجميع نتيجة للظرف العام..
لكن أن تقرع بلدان على بعد آلاف الأميال طبول الحرب وينعكس صداها علينا فهو كارثة لا تفهمها الشعوب بسهولة ويكون وقعها أصعب عندما يشارك فيها عملاء الداخل.
الأزمة مؤقتة، فقد يكون تأثيرها ليس كبيرا، لكن أن يطول أمدها وأن تختلق القوى الكبرى أزمات أخرى، كمحاولات أمريكا أحيانا ابتزاز الصين عبر الزيارات السياسية لتايوان فأقل ما يوصف به الأمر أنه "استفزاز واستهتار" بحياة ملايين البشر حول العالم، يدفعون ثمن مثل هذه الأخطاء غير المبررة، التي قد تقود لتوترات أخرى وتداعيات اقتصادية أكثر إيلامًا.
فمع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية قبل خمسة أشهر، ارتفعت أسعار كل شيء، المستورد والمحلي، الأول قد أعلم سببه لكن الأخير عادة يكون من جشع توارثه غالبية التجار جيلا بعد جيل، عبر عمليات احتكار وأفعال أقل ما توصف به أنها "مُخلّة بالشرف" وأخلاقيات سوق منعدمة.
الأمر ليس في مصر وحدها، ولكن في دول العالم كافة -وإن اختلف مستوى أخلاقيات التجار في كل بلد على حدة- حيث دخل الاقتصاد العالمي في أزمة تضخم كبرى، خاصة أن الحرب جاءت بعد جائحة كورونا وتداعياتها، وكذلك أزمة سلاسل الإمداد في الصين وجنوب شرق آسيا، وهو الأمر الذي أثر في العمليات التصنيعية لكثير من دول العالم.
في الدول الغنية -خاصة المنتجة للنفط- تأثير الأزمة يكاد ينعدم، حيث يمكنها مواجهة زيادة أسعار السلع والخدمات من خلال إما تقديم الدعم المباشر لأسعار السلع والخدمات، أو تقديم الدعم للمواطن، أو توجيه القطاعين العام والخاص بزيادة الرواتب بما يناسب معدلات التضخم، فغالبيتنا فقد قيمة نصف راتبه فعليا أمام حالة توحش الأسعار.
لكن الأثر أشد وطأة بالتأكيد على الدول غير النفطية، أو تلك التي تعاني من أزمات مالية، حيث ستكون في مواجهة مع أوقات صعبة، إذ إنها أمام معادلة عسيرة لكبح ارتفاع الأسعار، خاصة للمواد المستوردة، فلن تستطيع حكومات هذه الدول تحمل تقديم الدعم المباشر للمواطنين.
ففي مصر، التضخم يكاد ينفجر في وجه المواطنين، فحتى الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع الذي تسببت فيه جائحة كورونا ومن بعدها حرب أوكرانيا وقبلهما حكومة مصطفى مدبولي التي سمحت لتجار الأزمات بالتوحش والتهام ما تبقى من فتات في جيوب المصريين التي لم تعد تمثل أهمية في ظل نزيف قيمة العملة.
وليس هناك أكثر من هؤلاء الذين تكتمل مشاعر سعادتهم وساعات حظهم كلما اشتدت الأزمات، فهؤلاء التجار لا فرق بينهم وبين الخلايا الإرهابية لا يهتز لهم جفن ولا يتأرق لهم ضمير عندما يعاني غيرهم، بل يدعون ليلا ونهارا بالمزيد من التوترات لطالما كانت لهم منفعة وضربة حظ وفرصة لن تعوض للاستغلال.
غياب الرقابة الحكومية يكون بمثابة صك للتاجر الجشع بأن ينهش جيوب المواطنين الكادحين بالأساس، فمتى تعتبر الحكومة عقوبة حجب السلع قضية أمن دولة عليا بل وضرورة وضع تشريع بإداراجهم في قوائم سوداء، فمع القبض علي بعض الذين يخفون السلع ويخزنونها لمضاعفة أسعارها سيكون أكبر رداع لهؤلاء.. فهل تستجيب قبل أن تأتي أزمة جديدة أو حرب جديدة تزيد معاناة المصريين؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة