أفرز كورونا مخاوف من أقصى المسكونة إلى أقصاها، واختلفت ألسنة المسؤولين، وكيف تحدث كل منهم، وبأي لغة عبر عن واقع الحال المؤلم
تظهر النوازل والملمات معادن الرجال بشكل عام، وتبرز القادة الاستثنائيين من التقليديين بنوع خاص، وليس أدق على صدقية هذا الحديث من تصريحات الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي منذ ساعات، حين وجّه كلماته التي تبث الشجاعة والعزم في القلوب لجميع الإماراتيين، وكذلك للمقيمين على أرض الإمارات العربية المتحدة، هذا البلد الذي أضحى رسالة بأكثر منه دولة، رسالة من التسامح والتصالح، ومن المودات المتصلة غير المنفصلة حتى في أوج أوقات المحنة.
ليس من فراغ باتت الإمارات العربية المتحدة دولة محبوبة ومرغوبة، لا من الشباب العربي فحسب، بل من الأجيال الصاعدة من الشرق والغرب، من آسيا كما هي من أوروبا وأمريكا، ومرد ذلك أنها باتت تمتلك أعظم ما ينقص عالمنا المعاصر؛ تجربة الأمل، ومشاعر التواصل الإنساني
أفرز كورونا مخاوف من أقصى المسكونة إلى أقصاها، واختلفت ألسنة المسؤولين، وكيف تحدث كل منهم وبأي لغة عبّر عن واقع الحال المؤلم.
بَشّر ولا تنفر، يَسّر ولا تعثر، هذه فلسفة أبوخالد، الرجل القابض على صفات الشجاعة والإقدام بأسنانه، متصديا بكل قوة لإرهاصات المرجفين "لا تشلون هم.. الدواء والغذاء خط أحمر".
طمأنة تملأ القلوب بالثقة، وتبث الأمل في النفوس، وتفشي السلام في العقول، مع التطلع إلى تجاوز المحنة، لا سيما حين يشعر المرء بأن وراءه حكومة ذات خصائص إنسانوية، وقد حدثنا علماء النفس في الأيام القليلة الماضية بأن الخوف يقتطع سبل المناعة الصحية لأي إنسان، وعليه إذا عكسنا القراءة تكون الشجاعة والأمل الممزوجان بالعمل الصادق والبناء مسارا لتقوية المناعة الصحية، ناهيك عن تقوية الركب المخلعة في أوقات الأزمات.
حين يتابع المرء تصريحات الشيخ محمد بن زايد عن سلامة الناس على أرض دولة الإمارات كأولوية قصوى بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، واعتباره أنها أمانة، وتأكيده على أن القائمين على الدولة -وفي ظل توجيهات سمو الشيخ خليفة بن زايد حفظه الله- لن يترددوا في اتخاذ أي تدابير وقائية وصحية إضافية إذا اقتضت الضرورة ذلك خلال الفترة المقبلة، يسترجع المرء حديث كبير الفلاسفة أرسطو عن الشجاعة واعتبارها الفضيلة الأولى، مرجعا ذلك إلى أنها تجعل كل الفضائل الأخرى ممكنة، وبالإضافة إلى كونها الفضيلة الإنسانية الأكثر أهمية، فهي أيضا أهم الفضائل في عالم المال والأعمال.
والشاهد أن الناظر لتبعات فيروس كورونا الاقتصادية على مستوى العالم يصاب بخيبة أمل كبيرة لجهة مآلات الاقتصاد العالمي، ناهيك عن الحالة السوداوية التي تشمل غالبية المتعاملين مع أسواق البورصات والبنوك.
يمكن للمرء أن يقدر وجهة نظر هؤلاء، غير أن هذا ديدن التفكير التقليدي، فيما المبدعون والسائرون على دروب الإبداع -مثل أبوخالد- يرون أن في عمق المحنة توجد المنحة، أولئك المبدعون الذين وصفهم المفكر الأمريكي الكبير ديل كارنيجي بأنهم القادرون على تحويل الليمون اللاذع إالى شراب لذيذ الطعم.
أبوخالد يؤكد أن السلطات الإماراتية تخطط لتحفيز القطاعات الاستثمارية الاستراتيجية، وأن لجنة جديدة برئاسة دائرة المالية وعضوية البنوك المحلية ستقوم بمتابعة برامج الاقتراض للشركات المحلية في أبوظبي في ظل الظروف الراهنة، ومعتبرا أن برامج التحفيز في أبوظبي تمثل دعامة وضمانة للاستقرار الاقتصادي والمالي في الدولة.
ما هذه الأريحية التي تنشر أضواء تبدد عتمة القلق في النهار والأرق في الليل، ويكتمل الأمر حين يضيف "وجّهت باستمرار جميع المشاريع الرأسمالية حسب الخطط المعتمدة، وعدم إلغاء أو تأجيل أي مشروع في إطار الأجندة التنموية لأبوظبي، وأخذ تدابير إضافية للحفظ على المكتسبات الاقتصادية في الإمارة، وإعطاء الأولوية للشركات الناشئة في ضوء التحديات الحالية".
أي فارق في التفكير بين ولي عهد أبوظبي وتصريحات مسؤول من أكبر الدول الأوروبية، والتي كانت إمبراطورية ذات يوم لا تغيب عنها الشمس، حين خاطب شعبه بأن عليهم الاستعداد لتوديع أحبائهم، تلك المفردات التي تقطع الطريق على الرجاء، وتملأ الدروب بظلال الموت الأسود المخيف والمريع.
ليس من فراغ باتت الإمارات العربية المتحدة دولة محبوبة ومرغوبة، لا من الشباب العربي فحسب، بل من الأجيال الصاعدة من الشرق والغرب، من آسيا كما هي من أوروبا وأمريكا، ومرد ذلك أنها باتت تمتلك أعظم ما ينقص عالمنا المعاصر؛ تجربة الأمل، ومشاعر التواصل الإنساني، فقد قفزت على أفكار العولمة التي تسعى في طريق تسليع الإنسان، ومضت في أطر الأخوة الإنسانية؛ حيث البشر بنيان مرصوص يشد أزر بعضه بعضا في أوقات النوائب والمصائب الجلل.
شجاعة القيادة الإماراتية في زمن الكورونا -وفي المقدمة الشيخ محمد بن زايد- لا تعني غياب الخوف الصحي الطبيعي، فالأشخاص الشجعان يشعرون بالخوف كجزء من الطبيعة البشرية، لكنهم ومع ذلك قادرون على إدارة خوفهم والتغلب عليه حتى لا يشلهم ويمنعهم من التحرك، وغالبا ما يستخدم هؤلاء الأشخاص الخوف للتأكد من أنهم لا يفرطون بثقتهم في أنفسهم، وأنهم يستطيعون اتخاذ إجراءات مناسبة في الوقت المناسب.
أبوخالد يعلمنا من خلال تصريحاته الأخيرة أن الخوف لا يمنع الموت، ولكنه يمنع الحياة، وفي كلماته دعوة للانتصار وللقفز على كورونا.
إنها الإمارات ومن جديد.. المدينة فوق جبل.. والتي تنير في الإقليم المضطرب، بل في العالم برمته بأضواء الشجاعة التي تخلق شعورا بالراحة، انطلاقا من المقدرة الإيجابية على السيطرة على حياتنا والتحكم فيها من غير خجل أو وجل، وبدون اندفاعات عاطفية هيستيرية ذات أكلاف عالية في الحال والاستقبال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة