"مروحية الأموال".. حسابات المكسب والخسارة في معركة كورونا
يبدو أن نظرية مال المروحيات (Helicopter money) ستعود مجددا للتطبيق داخل الولايات المتحدة.
كان عالم المال والأعمال قد نسى "مال المروحيات" على خلفية هدوء دولي غير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن حتى إنها لم تظهر خلال أزمة المال في عام 2008، والتداعيات الخطيرة التي جاءت على خلفية تلك الأزمة، لتلوح في الأفق خلال تداعيات تفشى فيروس كورونا المستجد.
ويبدو أن نظرية مال المروحيات (Helicopter money) ستعود مجدداً للتطبيق داخل الولايات المتحدة، لكن في ظروف تختلف عن السبب الذي ظهرت لأجله قبل عقود.
مال المروحيات (Helicopter money) الذي قد يكون جديداً على مسامع وأذهان الكثيرين، هو مصطلح اقتصادي قديم يشير إلى فكرة التوزيع العشوائية للمال المجاني بين المستهلكين، في محاولة لتحفيز زيادة الصرف وبالتالي تحفيز الإنتاج والتوظيف.
ففي عام 1969، كانت الولايات المتحدة تشهد حالة ركود هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، حينها خرج رجل الاقتصاد الشهير في ذلك الوقت "ميلتون بريدمان" واقترح بشكل صريح "نثر الأموال من طائرة، وبالتالي يلتقط الأفراد الأموال ليصرفوها، ما قد يرفع معدل التضخم المنكمش في ذلك الوقت".
اليوم وبعد 51 عاماً تعود الفكرة مجدداً للتداول من خلال اقتراح وجهه مستشاران اقتصاديان للرئيس دونالد ترامب عبر تقديم مبلغ 1000 دولار لكل مواطن داخل الولايات المتحدة، كإحدى أدوات توفير السيولة وتوفير الاقتصاد والاستهلاك المحليين، بعد تباطؤ حاد بسبب فيروس كورونا المستجد.
كما ستكون مروحية المال هذه عبارة عن بريد يصل إلى كل فرد، بداخله شيك نقدي يصرف مباشرة بقيمة 1000 دولار، في خطوة ستكلف الخزينة الأمريكية قرابة 350 مليار دولار.
القرار الذي لم يعلن رسمياً بعد، يعني أن تطبيقه سيدفع الولايات المتحدة لطباعة الحد الأقصى المسموح لها من الدولار بنسبة 1% سنوياً من إجمالي المعروض النقدي العالمي من العملة الأمريكية، واستغلال المبلغ لتطبيق نظرية "مروحية الأموال".
ويعني ذلك أيضاً أن السلطات المالية الأمريكية ستطلب من السلطات النقدية طباعة النقد والحصول عليه على شكل ديون، إلى جانب طرح سندات وأذونات يشتريها الأجانب، كمصدر آخر للسيولة المالية، لتحفيز الاقتصاد الأمريكي المتراجع.
مسألة طباعة الدولار ستكون تبعاتها باختصار كأي سلعة أخرى إذا زاد معروضها فإن قيمتها ستتراجع تماماً كما يحصل اليوم مع أسعار النفط المتراجعة، بسبب تخمة المعروض حول العالم.
ولا يبدو أن الدولار المطبوع سيبقى داخل الولايات المتحدة، بل سينتقل تدريجياً إلى السوق العالمية، لعدم انفصالهما، ما يعني ضعفاً مرتقباً في سعر الدولار أمام النقد الأجنبي، كما يقول الخبير في الاقتصاد الدولي نصر عبدالكريم.
في مقابلة مع "العين الإخبارية"، أضاف عبدالكريم أن ضعف الدولار يعني أن الولايات المتحدة عليها وقف صعود التضخم، "هذه النظرية تستخدم بالتحديد لتحفيز التضخم على الصعود، وتجاوز الانكماش والركود الاقتصادي".
"هذا ما يريده الرئيس الأمريكي، الذي يطالب دوماً بدولار ضعيف لتحفيز صادرات بلاده، ما يعني زيادة الإنتاج وزيادة التوظيف.. لكن في المقابل، سيكون هناك خاسرون دوليون من الخطوة الأمريكية إن تمت وأضعفت الدولار".
يعتبر حاملو سندات اليوروبوندز (السندات المقومة بالدولار الأمريكي) ومستثمرون السندات والأذونات الأمريكية من أكبر الخاسرين من تراجع الدولار، ما يعني أن الثروات بالنسبة للدول والأفراد المستثمرين ستتراجع.
تشير بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، إلى أن إجمالي استثمارات دول العالم في السندات والأذونات الأمريكية يبلغ قرابة 6857 مليار دولار حتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، بصدارة من اليابان التي تستثمر 1211.7 مليار دولار.
بينما جاءت الصين ثانياً كأكبر مستثمر في السندات والأذونات الأمريكية بقيمة 1078.6 مليار دولار حتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، مقارنة مع 1069.9 مليار دولار في ديسمبر 2019.
بينما يقول الخبير الاقتصادي والمالي محمد سلامة (أردني مقيم في السعودية)، إن ضعف الدولار هو خسارة للاقتصادات الأخرى، خاصة تلك الأسواق المنافسة للبضائع الأمريكية.
واستدرك أن سبب خفض الدولار هو الذي يعطي طمأنة أو تخوفاً عالمياً "في ظل ما يدور حالياً حول طباعة مزيد من الدولار وضخ سيولة مجانية على الأمريكيين، فهذا حل أحادي الجانب، ستكون خسائره عالمية، مقابل استفادة أمريكية مؤقتة".
واختتم: "الدولار لم يعد منذ عقود عملة أمريكية.. هي عملة عالمية على جميع اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد العالمي أن يكون لهم قرار في جزئية طباعة النقد أو سحبه من الأسواق".
aXA6IDMuMTQ0LjQ2LjkwIA== جزيرة ام اند امز