مراجعة المفاهيم.. استراتيجية مغربية لمواجهة الإرهاب

المغرب يعلن مشاريع إصلاحية كبرى تهدف إلى توفير الأمن الروحي للأمة وتحصينها، ومواجهة التحديات الإرهابية
وعياً منه بمخاطر التطرف، أولى المغرب أهمية كبرى بالحقل الديني، خاصة بعد انفجارات الدار البيضاء الإرهابية، في 16 مايو 2003، وجعل تأهيله من المشاريع الإصلاحية الكبرى، التي ترمي إلى توفير الأمن الروحي للأمة وتحصينها، وأيضاً مواكبة الحاضر الاجتماعي ومواجهة التحديات والمخاطر الآنية والمستقبلية.
ويشير مراقبون إلى أن المغرب المعروف بتصوفه ومذهبه المالكي وإسلامه السمح الذي يشجع على الوسطية ويدعو إلى نبذ العنف وإعلاء قيم التعايش وعدم التمييز على أسس دينية أو مذهبية؛ قد تبنّى استراتيجية متعددة الأبعاد لمكافحة ومواجهة قوى التطرف عبر توسيع البرامج التعليمية التي تشجع على الاعتدال والنسبية الثقافية والتفكير الناقد، وإعادة تنظيم كيانات الدولة الدينية من أجل حماية المواطنين من أشكال التطرف والإرهاب.
ويركز هذا البرنامج على دور العلماء في تنوير العقول ومسح الغبار عن أي مغالطات دينية، حيث يقوم 150 عالماً، أو من هم في حكمهم، بتأهيل أئمة المساجد، الذين يعادل عددهم 50 ألفاً، باعتبارهم المدفعية الناعمة في وجه الغلو والتطرف بكل أشكاله.
أما الفتاوى، فكل فتوى لا تصدر عن المجلس العلمي الأعلى، الهيئة الوحيدة المخولة بإصدار فتاوى تحت رئاسة الملك محمد السادس، لا تعدو كونها مجرد "رأي"، لتفادي فوضى الفتاوى وهرج الادعاءات، ولا تقف المقاربة المغربية لمواجهة التطرف عند التسويق لاعتدال المذهب المالكي، أو لسماحة الطرق الصوفية، بل تمتد إلى قطع الطريق أمام توظيف الدين في الحسابات السياسية.
وفي هذا الصدد، أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس، في يوليو/تموز 2014، مرسوماً ملكياً يحظر على المشتغلين في المجال الديني "اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي". كما أمر بمراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية في مختلف المستويات التعليمية.
وجاء هذا القرار الملكي على خلفية تزايد الأصوات التي تحذر من أن طريقة تدريس التربية الدينية في المدارس المغربية قد تؤدي إلى "نزعات متطرفة" وقد "تشجع على الإرهاب".
واعتبر المحلل السياسي المغربي محمد بن حمو، أن قرارات العاهل المغربي تعد "تاريخية"، مؤكداً أن مراجعة مناهج التربية الدينية، يدعم استراتيجية المغرب في مواجهة التطرف.
وأشار إلى أن المغرب بهذه القرارات يملأ الفراغات التي قد تستغلها جهات تسعى إلى إبعاد الدين الإسلامي عن أهدافه السمحة من أجل خدمة لأجندات سياسية، موضحاً أن قرار العاهل المغربي يهدف بالأساس إلى "تأمين وضمان الأمن الروحي للمغاربة"، استكمالاً لسلسلة القرارات التي اتخذها جلالته وشدد فيها على ضرورة الالتزام بأصول المذهب المالكي، وعلى منع توظيف الدين في قضايا سياسية، والإخلال بالطمأنينة والتسامح.
ورداً على تبرير الجماعات الإرهابية للقتل وإرهاب العالم، أوصى الملك محمد السادس، عبر وزارة الأوقاف، الأئمة والخطباء والوعاظ والمقيمين الدينيين، بشرح حقيقة مصطلح "الجهاد" للمغاربة. وأوصت الوزارة القيمين الدينيين من خطباء ووعاظ وأئمة، بالتأكيد على أن كل أنواع العنف والإكراه ليست من منهج الدين والدعوة في شيء.
في السياق ذاته، أصدر المجلس العلمي الأعلى، فتوى في موضوع الجهاد توضح الفرق بينه وبين الإرهاب والعدوان وترويع للآمنين وإزهاق لأرواحهم البريئة، وهو "محرم تحريماً قطعياً في الإسلام". واستشهدت الفتوى على هذا التحريم بقول الله تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، وقوله سبحانه: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا".
وأوضحت الفتوى أن الجهاد الشرعي أنواع؛ أهمها جهاد النفس بتكوينها وتهذيبها وتزكيتها وتأهيلها لتحمل المسؤولية، يليه الجهاد بالفكر، ويكون بترويض العقل وصقله واستخدامه في ما يفيد البشرية. ثم الجهاد بالقلم ويكون بتأليف الكتب النافعة وتحرير المقالات المنورة للفكر، ورد الشبه والتهم الملصقة زوراً بالإسلام والمسلمين، ثم الجهاد بالمال ويكون بالإنفاق بسخاء في أبواب الخير والإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأما الجهاد بالسلاح، حسب المجلس، فإن المسلمين لا يلتجئوا إليه إلا في حالة الضرورة القصوى عندما يعتدي عليهم أعداؤهم، وتفشل كل الوسائل السلمية، فالجهاد في هذه الحالة شبيه بـ"الكيّ" الذي هو آخر الدواء. وارتباطاً، أيضا، باستراتيجية المغرب في مواجهة الإرهاب.
وأصدر علماء دين مغاربة، مؤخراً، 7 كتب، تم نشرها عبر شبكة الإنترنت، تهدف لإظهار زيف المفاهيم التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، وتتضمن هذه الدراسات السبعة عناوين: "دراسة في تفكيك خطاب التطرف"، و"في تفكيك مفهوم الجزية"، و"في تفكيك مفهوم الجهاد" للدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، و"مفهوم الحاكمية: من أجل تجاوز إشكالات المفهوم والتوظيف الأيديولوجي"، ودراسة "في حقيقة القتال في سبيل الله ونصرة المستضعفين" للدكتور محمد الناصري، و"من الخلافة إلى الدولة: قراءة في السياق وتفكيك المفهوم"، للدكتور عبد السلام طويل. ودراسة "الدولة الإسلامية" قراءة في الشروط وبيان تهافت خطاب التطرف" للدكتور خالد ميارة.
وقال الدكتور أحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، إن الرابطة أصدرت هذه المجموعة من الكتب كمبادرة لمحاربة التطرف وإظهار زيف المفاهيم التي تستخدمها الجماعات المتشددة، مؤكداً أن "هذه الكتب تعمل على تفكيك عدد من المفاهيم ذات الصبغة الشرعية التي تستند إليها الجماعات المتطرفة، ويحرفها دعاة التطرف والإرهاب، ويبنون عليها خطابات المفاصلة والكراهية والعنف".
وأوضح العالم ذاته في الدين، أن الدراسات السبعة تأتي لتفكيك خطاب التطرف "الذي يشبه كتلة مفاهيمية متداخلة ويؤدي وقعها إلى الحيرة والالتباس"، مشدداً على أن التوقف عند هذه الكتلة المفاهيمية المسيطرة والعمل على تفكيكيها يصب في "إظهار زيف الانزلاقات المفاهيمية التي تستخدم من قبل الجماعات المتطرفة في استعمالات مغرضة"، لافتاً إلى أهمية رد تلك المصطلحات الدينية إلى محاضنها التداولية في القرآن والسنة "للنظر إليها بطريقة سليمة خالية من الشحن الذي يوظفه المتطرفون للاستقطاب".
وإلى جانب إصلاح الحقل الديني، فإن استراتيجية المغرب لمكافحة التطرف تتضمن أيضاً مجموعة من الإصلاحات السياسية التي نصت عليها التعديلات الدستورية لسنة 2011، ومشروع "الجهوية المتقدمة"، فضلاً عن الخطوات الرامية إلى زيادة احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، ومساعي التنمية الهادفة إلى تفادي تهميش الأفراد والمجتمعات المحلية.
وفي هذا السياق، أكد محمد صلاح التامك، المندوب العام لـ"إدارة السجون وإعادة الإدماج"، أن في السجون المغربية تم اجتثاث التطرف عبر الإشراف الديني الذي تولته الجهات المسؤولة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وكذلك أعضاء من المجالس الدينية المحلية والإقليمية. وأوضح التامك أن من بين العناصر الجوهرية لإلغاء التطرف بين السجناء هو إعادة دمجهم في المجتمع بنجاح. ومن هذا المنطلق، يمنح المساجين المغاربة فرصة متابعة تحصيلهم العلمي لكي ينالوا شهادات جامعية. فضلاً عن ذلك، تقيم الحكومة شراكات مع المؤسسات الخاصة لتوفير فرص العمل والتدريب والتوظيف في النهاية لهؤلاء السجناء بعد الإفراج عنهم، حسب تعبير المسؤول المغربي ذاته.
aXA6IDMuMTQ0LjEwNy4zNiA= جزيرة ام اند امز