«فأر» يطيح بغاري لينيكر.. المذيع الأعلى أجرًا في «بي بي سي»

أعلن غاري لينيكر، الوجه التلفزيوني البارز والأكثر تلميعًا على شاشة "بي بي سي"، مغادرته غير المجدولة من القناة.
في واقعة تجسد كيف يمكن لمنشور إلكتروني أن يُنهي مسيرة إعلامية طويلة، أعلن غاري لينيكر 2025، مغادرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، بعد موجة انتقادات شديدة تعرض لها بسبب إعادة نشره لمحتوى اعتُبر مسيئًا لليهود ويحمل إيحاءات معادية للسامية.
بداية الأزمة كانت يوم الثلاثاء، عندما أعاد لينيكر نشر قصة على تطبيق “إنستغرام” مصدرها حساب جماعة ضغط فلسطينية، مرفقة بصورة لفأر تحت عنوان: "الصهيونية مُفسّرة في دقيقتين".
الصورة أثارت انتقادات حادة، إذ ارتبطت صور الفئران تاريخيًا بالدعاية النازية المعادية لليهود في ثلاثينيات القرن العشرين، حين كانت تُستخدم رمزيًا لنقل مفاهيم المرض والانحطاط.
ردود الفعل لم تتأخر، وتوالت المطالبات بمحاسبته، لا سيما من قبل "حملة مكافحة معاداة السامية"، التي دعت إلى طرده، مؤكدة أن تأثيره الإعلامي الكبير لا يمكن فصله عن مسؤولياته كمقدم برامج واسع الانتشار.
وقال متحدث باسم الحملة: "غاري لينيكر ليس فقط المذيع الأعلى أجرًا في بي بي سي، بل أيضًا شريك مؤسس في شركة بودكاست شهيرة تُنتج محتوى سياسيًا ورياضيًا مؤثرًا. من غير المقبول استمرار ارتباطه بالمؤسسة في ظل هذا السلوك".
وبالفعل، أصدرت هيئة الإذاعة البريطانية بيانًا يوم الإثنين أعلنت فيه أن لينيكر سيغادر الشبكة بالكامل بعد الحلقة الأخيرة من برنامجه الرياضي الشهير "ماتش أوف ذا داي" الأسبوع المقبل، معلنة أن القرار جاء بعد اتفاق متبادل بين الطرفين.
قال المدير العام لـ"بي بي سي"، تيم ديفي: "اعترف غاري بالخطأ الذي ارتكبه، وبناء عليه اتفقنا على أن يبتعد عن تقديم البرامج بعد هذا الموسم".
لينيكر، البالغ من العمر 64 عامًا، ظل لسنوات الوجه الأبرز في تغطية الأحداث الرياضية داخل “بي بي سي”، ويتقاضى 1.3 مليون جنيه إسترليني سنويًا (نحو 1.7 مليون دولار)، مما يجعله الأعلى أجرًا بين مذيعيها.
وكان من المقرر أن يغادر برنامجه مع نهاية الموسم الحالي، مع الاستمرار في تقديم تغطيات أخرى، من بينها كأس العالم المقبلة. لكن الأزمة استعجلت الوداع، وبدلاً من احتفال رسمي، جاء الخروج وسط عاصفة.
وكان لينيكر قد قدم اعتذارًا علنيًا يوم الأربعاء الذي سبق بيان المؤسسة، قال فيه إنه لم يكن على دراية بخلفية الصورة ودلالتها، وأنه حذف المنشور فور تنبّهه لما أثاره من غضب.
وقال:"أتحمل كامل المسؤولية عمّا حدث. لم ولن أشارك أي محتوى معادٍ للسامية عن قصد. هذا يتعارض تمامًا مع قيمي ومعتقداتي".
وأضاف:"أنا مؤمن بأهمية الحديث عن القضايا الإنسانية، بما في ذلك ما يحدث في غزة، لكنني أدرك أيضًا أن طريقة التعبير عن ذلك لها أهميتها".
القضية لم تأتِ من فراغ، بل تندرج ضمن سياق أوسع من الجدل المستمر حول تغطية “بي بي سي” للأحداث في غزة، حيث واجهت المؤسسة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية انتقادات متزايدة من أطراف تعتبر أن التغطية تنطوي على تحيّز ضد إسرائيل.
وفي فبراير/شباط الماضي، اضطرت القناة إلى تقديم اعتذار رسمي بعد أن تولى نجل أحد القادة السابقين في حركة “حماس” التعليق الصوتي لفيلم وثائقي بعنوان "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب؟"، وهو ما اعتُبر إخلالًا بالمعايير التحريرية.
رئيس الهيئة، سمير شاه، وصف الحادثة حينها بأنها "طعنة في قلب الحياد التحريري"، متعهدًا باتخاذ "إجراءات مناسبة".
اللافت أن لينيكر نفسه كان من بين 500 شخصية عامة وقّعت في فبراير/شباط على رسالة مفتوحة طالبت بإعادة عرض الفيلم الوثائقي على منصة "آي بلاير" التابعة لـ"بي بي سي"، ما يزيد من تعقيد الصورة حول موقفه الشخصي تجاه القضية الفلسطينية.
تواجه “بي بي سي” كذلك ضغوطًا بسبب رفضها المتكرر لوصف حركة "حماس" بأنها "إرهابية"، رغم أن جناحها العسكري مدرج رسميًا ضمن قائمة المنظمات المحظورة في المملكة المتحدة، وبعد توثيق هجمات استهدفت مدنيين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في النهاية، لم يكن الخلاف حول تحليلات رياضية أو خطأ في قراءة مباراة، بل حول صورة في منشور على منصة رقمية، أطاحت بمذيع اعتُبر لعقود أحد أعمدة الشاشة البريطانية. ولم يمنح غاري فرصة "إعادة التأهيل الإعلامي". فقد صدر القرار، وتم التوقيع، واستعدت القناة لتوديع نجمها الكروي والإعلامي بحلقة أخيرة… بلا فأر.