أسوأ التقديرات لأي مراقب أو محلل أو مؤرخ أن يقوم بتقييم أي حاكم بظروف اليوم، وليس بنفس الظروف التي عايشها ذلك الحاكم حينما اتخذ قراره
أثارت وفاة الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، رحمه الله، عن عمر يناهز 92 عاماً، من وجهة نظري، قضية جوهرية، وسؤالاً حاكماً يتعين علينا في مصر والعالم العربي أن نطرحه بشجاعة وموضوعية وشفافية على عقولنا وضمائرنا: ما مقياس الحكم على الحاكم في أي زمان أو مكان؟ ما زلنا، حتى كتابة هذه السطور، نحكم على الحكام تاريخياً بشكل انطباعي، عاطفي شخصاني، ودون أن نضع "قواعد حاكمة" ومؤشرات علمية يمكن على أساسها إعطاء تقييم أقرب إلى الإنصاف للحاكم سلباً أو إيجاباً.
أسوأ التقديرات لأي مراقب أو محلل أو مؤرخ أن يقوم بتقييم أي حاكم بظروف اليوم، وليس بنفس الظروف التي عايشها ذلك الحاكم حينما اتخذ قراره
هناك مجموعة من المؤشرات استقرت وتراكمت على مر الزمن أصبحت بمثابة مرجع يمكن استخدامه في تقييم أداء الحكام:
1 - كيف وصل إلى السلطة؟
2 - هل حكم رغماً عن غالبية الشعب أم برضاء أغلبهم؟
3 - يوم تسلم السلطة، كيف كان حال الاقتصاد: الديون، ميزان التجارة، الاحتياطي النقدي، توافر السلع الأساسية، معدل السياحة، حجم الواردات، حجم الصادرات، معدل البطالة، معدل التضخم؟
4 - حينما تولى الحكم، كيف كانت الخارطة الطبقية الاجتماعية، حجم الطبقة الوسطى، معدل رضاء الناس عن حياتهم؟
5 - حينما تولى الحكم، كيف كانت طبيعة الخدمات العامة: صحة، تعليم، نقل، طرق، توافر سلع أساسية؟
6 - حينما تولى الحكم، كيف كان حال الاستقرار الأمني، حجم الإرهاب التكفيري، الجريمة المنظمة، الأمن العام، السلاح غير الشرعي، عدد المعتقلين السياسيين؟
7 - عندما تولى الحكم، ما علاقة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وحجم احترام القانون والدستور واستقلال القضاء؟
8 - عندما تولى الحكم، كيف كان مؤشر الحريات العامة والخاصة ومساحات حرية التعبير والحوار وحقوق الإنسان؟
9 - حينما تولى الحكم، كيف كانت سلامة أراضيه، وحدوده الجغرافية وحجم استقرار محيطه الجغرافي، ووضعه الإقليمي؟
10 - يوم تولى الحكم، كيف كان شكل القوى الحاكمة في العالم، وسياستها المتبعة تجاه المنطقة وطبيعة علاقاتها مع بلاده؟
11 - حينما تولى الحكم، كيف كان مستوى الأداء العسكري لجيشه مقارنة بجيوش المنطقة وجيوش العالم؟
بعد ذلك كله، وعندما نوفر قاعدة بيانات دقيقة لا تعرف "شيطنة" أو "تقديساً"، لا تعرف عشقاً سياسياً أو "كراهية ثأر تاريخي" يمكن مقارنتها بقاعدة بيانات دقيقة يوم ترك الحكم ومقارنة كيف تسلم مقاليد السلطة وكيف تركها؟
هذا من ناحية مقاربة ومقارنة المؤشرات والإحصاءات الدقيقة، ولكن يتعين أيضاً الفهم الدقيق للظروف والعناصر المحيطة بالحاكم يوم اتخذ قراره وليس بمنظور اليوم.
أسوأ التقديرات لأي مراقب أو محلل أو مؤرخ أن يقوم بتقييم أي حاكم بظروف اليوم، وليس بنفس الظروف التي عايشها ذلك الحاكم حينما اتخذ قراره.
من السهل أن نقوم بالتنظير والفلسفة والجدل حول "الينبغيات"، يعني ينبغي أن، وينبغي أن، وينبغي أن، دون أن نراعي الظروف التاريخية التي أحاطت بالقرار وصاحبه.
الكلام سهل، والفعل صعب، والانتقاد دون ضمير أصبح مباحاً، والتقييم الموضوعي أصبح نادراً، والانطباع والعاطفة والشخصانية هي المسيطرة على أحكام معظم الناس.
حتى الآن، ما زلنا نكره معاوية لما فعله مع آل البيت، وما زلنا نحب ونكره صدام حسين لأسباب طائفية، ونؤيد ونعارض "القذافي" لأسباب مناطقية، ونعشق ونمقت جمال عبدالناصر لأسباب طبقية، ونحترم ونكره ياسر عرفات لأسباب "فصائلية" فلسطينية، ونقدس أو نلفظ بشير الجميل لأسباب مذهبية وعائلية مسيحية.
الحكم على صُناع القرار، وقراراتهم في عالمنا العربي يفتقر تماماً إلى الموضوعية، أو اللجوء للأدوات والمؤشرات والمرجعيات العلمية والعالمية.
غداً نتوقف بموضوعية، قدر الإمكان، حول تجربة الرئيس الراحل حسني مبارك، رحمه الله، وطيّب ثراه. (يتبع).
نقلاً عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة