الحضور والغياب بـ"ميونخ للأمن".. حرب مؤكدة تنتظر ضبط مؤشر حرارتها
يدخل مؤتمر ميونخ للأمن يومه الثاني، السبت، بعد عدة مفارقات ورسائل في جلساته الأولى تصب معظمها في الأزمة الأوكرانية المشتعلة حاليا.
أولى هذه المفارقات كان غياب التمثيل الروسي لأول مرة منذ عام ١٩٩١، وهو أمر غير معتاد في هذه المؤتمرات الدولية وفي ضوء سخونة الملفات الدولية في الوقت الراهن.
وخلال جلسات المؤتمر أمس، كانت أول ملاحظة هي غياب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، عن المقعد الروسي، لأول مرة منذ ثلاثة عقود.
فمن المعتاد أن يمثل لافروف بلاده في مؤتمر ميونخ للأمن، فيما قال رئيس المؤتمر، فولفغانغ إيشينغر، إن غياب مسؤولين من الحكومة الروسية عن المؤتمر "خطأ"، وإن المئات من صناع القرار المشاركين في المؤتمر "يأسفون بشدة لأن روسيا لم تمثل نفسها فيه".
وكان الكرملين قال الأسبوع الماضي إن غياب روسيا رسميا عن مؤتمر ميونخ يعكس "المستوى الذي وصل إليه تدهور العلاقات بين الشرق والغرب".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن المؤتمر أصبح "متحيزا للغرب وفقد طابع الشمولية والموضوعية".
حديث الحرب الباردة
وفي ظل التصريحات من واشنطن وموسكو وعواصم العالم الأوروبي، كانت روسيا الغائب الحاضر مع بداية الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمته ،إن حشد القوات الروسية حول أوكرانيا يزيد التوتر وإمكانية نشوب صراع في أوروبا.
لكن الأمين العام للأمم المتحدة الذي حذر بشدة من التوتر الراهن، أعرب عن اعتقاده بأن الوضع لن يتطور إلى حرب.
وتابع: "كثيرا ما يسألونني عما إذا كنا في حرب باردة جديدة. جوابي هو أن تهديد الأمن العالمي أصبح الآن أكثر تعقيدا وربما أكبر مما كان عليه في ذلك الوقت".
فيما قالت زيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في كلمتها أمام المؤتمر، إن روسيا تهدد أوكرانيا وهيكل الأمن في أوروبا وهو "أمر غير مقبول".
وأضافت وزيرة الخارجية الألمانية: "لا نريد أن نخوض حربا مع روسيا، ولكن نسعى لحوار جدي عن السلام والأمن للحد من التصعيد".
ومضت قائلة: "نحن نعيش واحدا من أخطر الأوقات، وسنسعى بكل جهودنا للتوصل إلى حل دبلوماسي وسنقاتل من أجل السلام".
وتابعت: "نرغب في أدلة تثبت انسحاب قوات روسية من حدود أوكرانيا".
وقبل إلقاء كلمتها، استدعت بيربوك فترة الحرب الباردة، وقالت للصحفيين أيضا، "عن طريق حشد قواتها الذي لا سابق له على الحدود مع أوكرانيا وتقديم مطالب الحرب الباردة، تعرض روسيا للشك المبادئ الرئيسية للنظام الأوروبي القائم".
"استفزازات كاذبة"
أما وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، فقال في كلمة أمام مؤتمر ميونخ للأمن في دورته الـ58 "نرى قوات روسية إضافية تتجه إلى حدود أوكرانيا على عكس ادعاءات روسيا بالانسحاب".
وأوضح "ما يحدث في شرق أوكرانيا يتبع سيناريو معروفا: إنهم يخلقون استفزازات كاذبة"، مضيفا "لم يحدث الانسحاب المعلن للقوات، بل على العكس من ذلك ربما تحاول روسيا إضفاء الشرعية على هجوم".
وتابع "نبذل ما في وسعنا للتأكيد على وجود مسار دبلوماسي لحل الأزمة الأوكرانية، لكنه ليس المسار الذي تعمل عليه روسيا".
حديث بلينكن أمام مؤتمر بلينكن مهد لخطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن بالبيت الأبيض، مساء أمس، والذي قال فيه إن "أي إيحاء بأن أوكرانيا تستفز روسيا "يتحدى المنطق الأساسي"، مضيفا أن موسكو تحاول تصوير أوكرانيا على أنها المعتدي في الصراع الحالي".
تداعيات الغياب الروسي
ووفق مراقبين، فإن غياب روسيا عن مؤتمر ميونخ للأمن ووصفها إياه بأنه "معبرا عن الغرب"، أعاد للأذهان فترة التحزب والانقسام بين ما يعرف بين الكتلتين الشرقية والغربية في فترة الحرب الباردة، والتي لم يشارك فيها الاتحاد السوفيتي في المؤتمر الأمني البارز.
كما أن غياب روسيا "ضيع فرصة كبيرة لإجراء محادثات عن قرب بين الغرب وروسيا وممثلي أوكرانيا"، انطلاقا من أن مؤتمر ميونخ يعتبر طوال تاريخه، منصة أساسية للمحادثات والدبلوماسية السرية، وفق المراقبين.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب الألماني باتريك ديكمان في تصريحات صحفية، "يلقي الصراع مع روسيا بظلاله على المؤتمر الأمني في ميونيخ. ففي المؤتمر، يعمل الأطراف من حيث المبدأ على نزع فتيل الأزمات الدولية من خلال المحادثات السرية والعلنية، لكنها فشلت هذا العام حتى قبل بداية المؤتمر بسبب الغياب الروسي".
وتابع "أنها أخبار سيئة للسلام عندما يتغيب ممثلو الحكومة الروسية، من بين جميع الناس، عن المؤتمر الأمني"، مضيفا "يفضل الرئيس فلاديمير بوتين دعوة رؤساء الدول والحكومات بشكل فردي إلى موسكو بدلاً من الاضطرار إلى مواجهتهم معًا في ميونيخ... الوضع الحالي يهدد بأن يصبح مؤتمر ميونخ جولة محادثات داخلية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)".
بدورها، أعربت وزيرة الخارجية الألمانية عن أسفها لعدم إجراء محادثات مع الممثلين الروس في ميونخ، لافتة إلى أن ذلك فوت فرصة إجراء محادثات مباشرة حول الأزمة الأوكرانية.
ولم يتوقف الأمر عند الوفد الرسمي، إذ إن الخبراء والباحثين الروس الذين حاولوا حضور مؤتمر ميونخ بشكل مستقل عن موقف الحكومة الروسية، اصطدموا بواقع قيود كورونا.
ووفق وسائل إعلام ألمانية، لم يتمكن عدد من الخبراء الروس من حضور المؤتمر لأن الجانب الألماني لا يعترف بلقاح سبوتنيك الروسي الذي تلقاه هؤلاء، بما في ذلك خبير السياسة الخارجية أندريه كورتنوف.
حضور الرئيس الأوكراني
ومثل الغياب الروسي، مثل الحضور الأوكراني الرفيع أزمة أيضا في مؤتمر ميونخ للأمن، وحرك انتقادات من جانب الإدارة الأمريكية.
واعتبر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في بيان أمس، أن قرار نظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، مغادرة بلاده إلى ميونخ، وسط التوتر مع روسيا "قد لا يكون حكيما".
وقال بايدن "إن لديه (زيلينسكي) الحق في اتخاذ قراره. ربما ذلك لن يكون قرارا حكيما، إلا أنه خيار له".
وأمس الجمعة أيضا، نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مصادر خاصة أن الرئاسة الأمريكية أعربت عن قلقها لكييف من إمكانية مغادرة زيلينسكي بلاده وسط التوتر مع روسيا، معتبرة أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "قد يستغل غيابه" عن أوكرانيا.
وانطلقت أعمال مؤتمر ميونخ للأمن في دورته الـ٥٨، ظهر أمس، ويستمر ٣ أيام، في مدينة ميونخ جنوبي ألمانيا، وسط تشديدات أمنية وصحية كبيرة.