تركيا والإخوان.. أنقرة تبحث عن "مخرج لائق" و"ورقة تفاوض"
رغم حديث التودد، يبدو أن تركيا ليست مستعدة لتسليم قيادات الإخوان الإرهابية لمصر في الوقت الراهن، لاستغلال الجماعة كورقة تفاوض.
ووسط محاولات تركية للتقارب مع مصر، وأحاديث تهيمن على المشهد ببدء "مرحلة جديدة" من العلاقات، تبرز على السطح تقارير عن تسليم السلطات التركية بعض قيادات وأعضاء تنظيم الإخوان للقاهرة، أو ترحيلهم لدول أخرى.
لكن خبراء ومصادر سياسية استبعدت في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" تسليم قيادات الإخوان من الصف الأول للقاهرة خلال الفترة الحالية؛ حتى لا يصنف الأمر كـ"انقلاب" تركي على التنظيم، في ظل رغبة الأخيرة في استخدام التنظيم كورقة للتفاوض حتى آخر لحظة.
وفي المقابل، رجح هؤلاء الخبراء في الوقت ذاته أن تطالب تركيا بعض قيادات الجماعة بمغادرة البلاد خلال فترة التفاوض الحالية، لدول أوروبية، كـ"مخرج لائق من مأزق التسليم".
وشهدت الفترة الماضية محاولات تركية لرأب الصدع في علاقاتها مع مصر التي وصلت حد المقاطعة عقب ثورة 30 يونيو حزيران 2013، والإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية التي دعمتها أنقرة واستضافت عناصرها.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل أيام إن "مرحلة جديدة بدأت في العلاقات مع مصر وقد تكون هناك زيارات ومباحثات متبادلة في هذا الإطار".
وأضاف جاويش أوغلو أن "اجتماعا تركيا مصريا مرتقب على مستوى مساعدي وزيري الخارجية، والعمل جار لتحديد الموعد".
وسبق أن عقبت القاهرة على الاتصال الذي تلقاه شكري من نظيره التركي وقالت إنه يؤخذ في إطار "إشارات ضرورية تصويب المسار".
مخرج لائق
ورجح الباحث المصري، أحمد كامل البحيري، الخبير بالوحدة الأمنية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "حكومي"، أن "تطلب السلطات التركية من قيادات وأعضاء تنظيم الإخوان المطلوبين على ذمة قضايا في مصر، لاسيما من الصف الأول للجماعة، مغادرة البلاد "كمخرج لائق بديل عن حرج تسليمهم لمصر".
وفي إطار إبداء حسن النوايا، لم يستبعد البحيري مغادرة قيادات تنظيم الإخوان أنقرة، لكن على دفعات ترتبط بقيمة وقوة كل عضو بالتنظيم.
وقال البحيري: "قيادات الصف الأول للتنظيم ستكون وجهتهم على الأرجح إلى أوروبا، وخاصة العاصمة البريطانية لندن، أما الصف الثاني وأعضاء التنظيم فستكون الوجهة للولايات المتحدة وكندا، وماليزيا وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا".
مسار التفاوض
ونوه الباحث المصري إلى أن توقيت خروج قيادات الإخوان من تركيا سيختلف من مرحلة لأخرى، إذ أن قيادات الصف الأول المطلوبين للقاهرة، سيغادرون البلاد خلال المرحلة الحالية في المفاوضات بين البلدين.
ويرى أن خروج المجموعات الأخرى سيتوقف على مسار التفاوض بين البلدين، وخصوصا فيما يتعلق بمسألة ترسيم الحدود البحرية، وشرق المتوسط.
ووفق البحيري، فإن أبرز قيادات الإخوان والمتحالفين مع الجماعة المتوقع مغادرتهم تركيا في الوقت الراهن؛ هم: محمود حسين، الأمين العام للجماعة، وعمرو دراج وزير التعاون الدولي فترة حكم الإخوان، وصلاح عبدالمقصود، وزير الإعلام السابق، ومحمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط السابق، ومجدى سالم القيادي بحزب البناء والتنمية، وخالد الشريف، المتحدث باسم البناء والتنمية، ومراد غراب قيادي بحزب الفضيلة.
واستبعد أي إمكانية لتسليم أنقرة بعض قيادات تنظيم الإخوان إلى القاهرة في الوقت الحالي، قائلا: "من الصعب جدا حدوث ذلك، لأنه سيعد بمثابة انقلاب تركي على التنظيم والدخول في عداء معه".
بدورها، قالت تقي النجار، الباحثة في وحدة الإرهاب بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة إن "أنقره تحاول في الوقت الحالي التركيز على شرق المتوسط والملف الليبي من أجل التوصل إلى تفاهمات، مع استمرار الإخوان كورقة للتفاوض".
وحول إمكانية تسليم بعض قيادات الإخوان، قالت النجار: "بالرغم من وجود تقارير تشير إلى مطالب مصرية بتسليمهم وتعهد تركي بترحيل بعضهم، إلا أن القنوات الرسمية في كلا البلدين لم تؤكد ذلك الطرح".
وأشارت النجار إلى منح عدد من أعضاء تنظيم الإخوان المقيمين الجنسية التركية، الأمر الذي يمثل حائلا دون تسليم بعضهم.
وترى أن إقدام تركيا على خطوة تسليم المطلوبين من التنظيم؛ يرتبط بمتغيرين أساسيين؛ الأول يتعلق بتطوير علاقاتها مع مصر، وإدراكها ثانيا وبشكل كامل أن تنظيم الإخوان فشل كتنظيم وظيفي في تحقيق مصالحها.
لكنها رأت أن "أنقرة لن تتخلى بسهولة عن الإخوان في الوقت الحالي بتسليم قياداته للقاهرة، وستظل تستخدم التنظيم كورقة في التفاوض"، متابعة :"تسليم قيادات التنظيم سيكون الورقة الأخيرة".
وكان مصدر سياسي تركي أكد في حديث سابق لـ"العين الإخبارية" أن تحركات أنقرة الأخيرة للتودد للقاهرة جاءت بعد أن أدركت أن تنظيم الإخوان الإرهابي أصبح عبئا ثقيلا عليها، وعائقاً أمام طموحاتها"
غير أن المصدر استبعد في الوقت ذاته لجوء تركيا إلى تسليم قيادات الإخوان المطلوبين لديها للقاهرة في الفترة الحالية.
البديل الآمن
وحول البدائل المتاحة للإخوان، أشارت الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إلى أن التنظيم يبحث عن بدائل آمنه لأنقرة لاسيما مع تردي الأوضاع المعيشية للشباب هناك.
وارتباطا بهذا الطرح، تحدثت عن وجهات محتملة لشباب الإخوان، خاصة دول جنوب شرق آسيا.
كما نوهت إلى أنه من المرجح لجوء قيادات تنظيم الإخوان إلى المنصات الإلكترونية كبدائل عن غلق البرامج التلفزيونية.
وتابعت أن "جميع هذه المعطيات تمثل تحديا إضافيا يضاف إلى ما تعانيه الجماعة من واقع ضاغط عليها وتكشف بوضوح حقيقة أنها لا تملك قرارها بل يملك تلك المهمة الراعي الرسمي لها"، في إشارة إلى أنقرة حتى الآن.
7 آلاف إخواني
وحول تقديرات أعداد إخوان مصر في تركيا، قالت النجار: "لا يوجد رقم دقيق محدد لعدد إخوان مصر في تركيا، لكن هناك تقارير تفيد بأن أعدادهم تتراوح ما بين 5 – 7 آلاف عضو".
وأبرزت أن مستقبل الإخوان يرتبط بتطور العلاقة بين القاهرة وأنقرة، وانعكست محاولات التودد التركي للقاهرة بشكل مباشر على قنوات الإعلام الإخواني التي تبث من تركيا.
وأوضحت الباحثة المصرية: "عقب سلسلة اجتماعات عقدها مسؤولون أتراك مع إدارة هذه القنوات تم التوصل إلى ضرورة تغيير الخطاب السياسي الذي تتبناه، والابتعاد عن مهاجمة الدولة المصرية ومؤسساتها؛ الأمر الذي تطور لاحقا إلى توقف البرنامجين السياسيين الرئيسيين في قناتي الشرق ومكملين".
وتحدثت تركيا مؤخرا عن وجود اتصالات استخبارية ودبلوماسية مع مصر، في المقابل تحدثت تقارير إعلامية عن تعثر هذه المحادثات، وتعليقها بشكل مؤقت.
وقبل نحو شهر، كررت تركيا محاولات التودد إلى مصر، أكثر من مرة، برسائل مغازلة وجهها مسؤولون أتراك بهدف إعادة العلاقات بين البلدين.
لكن مصر قابلت هذه المحاولات بشروط حددها وزير الخارجية سامح شكري في كلمته في وقت سابق خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، قائلا إن "الأقوال وحدها لا تكفي" وإنما ترتبط بالأفعال والسياسات، والأفعال هي التي تعيد العلاقات إلى وضعها الطبيعي.
ومنذ 8 أعوام، تشهد العلاقات بين مصر وتركيا ما يشبه القطيعة بسبب ملفات عدة، أبرزها سياسة أنقرة في المتوسط ودعم الإخوان والتدخل في ليبيا.
aXA6IDMuMTQ0LjM4LjE4NCA= جزيرة ام اند امز