الإخوان في ألمانيا.. من التأسيس إلى المواجهة
عقود طويلة من العمل الحر بدون قيود منحت الإخوان الإرهابية فرصة لتأسيس شبكة واسعة من المنظمات والجمعيات في الأراضي الألمانية.
ففي خمسينيات القرن الماضي، بدأت تحركات الإخوان في الأراضي الألمانية مع وصول القيادي المصري سعيد رمضان، صهر مؤسس الجماعة حسن البنا، والقيادي بفرع الجماعة بسوريا، عصام العطار، الأراضي الألمانية، بالتزامن مع تشييد المركز الإسلامي في مدينة ميونخ جنوبي البلاد.
وفي عام 1958، أسست جماعة الإخوان أهم منظمة لها في ألمانيا، وهي منظمة المجتمع الإسلامي على أنقاض لجنة بناء المركز الإسلامي في ميونخ، قبل أن يتحول اسمها في 2018 إلى منظمة الجالية المسلمة الألمانية، في محاولة لإبعاد سمعة الارتباط بالإخوان عنها.
وتناول على إدارة المنظمة التي تعد الأهم والأكبر للإخوان في ألمانيا، قيادات كبرى في الجماعة، مثل سعيد رمضان بين عامي 1958 و1968، والمرشد السابق محمد مهدي عاكف بين عامي 1984 و1987، والذي كان أيضا إماما للمركز الإسلامي بميونيخ.
وحتى اليوم، لا يزال المركز الإسلامي بميونخ يملك روابط بجماعة الإخوان المسلمين، رغم تغيير مقر منظمة المجتمع الإسلامي الألماني من المدينة الواقعة في جنوبي ألمانيا، إلى مدينة كولونيا في الغرب.
كما يتعاون مع منظمة الجالية المسلمة الألمانية في الوقت الحالي 50 منظمة أصغر في كل أنحاء ألمانيا، فضلا عن عشرات المساجد وغرف الصلاة.
وفي عام 1994، أسست منظمة المجتمع الإسلامي الألماني ومنظمات أخرى مرتبطة بها مثل المركز الإسلامي في ميونخ، والمركز الإسلامي في آخن، المجلس المركزي للمسلمين الذي يضم 30 جمعية ومنظمة بينها "اتيب"، وهي منظمة تركية مرتبطة بتنظيم الذئاب الرمادية اليميني المتطرف. ويٌتهم المجلس المركزي للمسلمين على نطاق واسع، بالخضوع لنفوذ المنظمات المرتبطة بالإخوان.
ووفق آخر تقرير لهيئة حماية الدستور على المستوى الفيدرالي، فإن عدد العناصر الأساسية للإخوان الإرهابية في ألمانيا تزايد بشكل كبير وملحوظ في عامين، وبلغ 1450 عنصرا في 2021، مقارنة بـ1040 في 2018.
لكن في يناير/كانون ثاني ٢٠٢٢، حاول المجلس المركزي للمسلمين التنصل من خضوعه لنفوذ الإخوان، عبر طرد منظمة الجالية المسلمة الألمانية من عضويته، لكنه لا يزال يضم منظمات مرتبطة بالجماعة مثل المجلس الإسلامي في آخن.
ومع مرور الوقت، تزايد وعي السلطات الألمانية بخطورة الجماعة، إذ قال بوكهارد فراير، المدير السابق لهيئة حماية الدستور في ولاية شمال الراين ويستفاليا "غرب"، قال في تصريحات صحفية في 2018، إن منظمة الجالية المسلمة الألمانية وشبكة المنظمات المتعاونة معها تسعى إلى تأسيس نظام ديني في ألمانيا".
وأوضح فراير "النفوذ المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين يمثل خطرا أكبر بكثير على الديمقراطية الألمانية، من خطر الأوساط السلفية الراديكالية التي تدعم الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة".
كما أن دراسة ريتا بروير المنشورة على موقع المركز الاتحادي للتعليم السياسي "حكومي" في 2019، فندت مظاهر التهديد الذي تمثله جماعة الإخوان على المجتمع الألماني.
وقالت الدراسة: "من أجل تحقيق أهدافها، تعتمد جماعة الإخوان المسلمين قبل كل شيء على اختراق بطئ للمجتمع عبر نخبة مدربة بشكل مناسب، وخلايا مكونة من عدة أشخاص، على أن يؤدي هذا الاختراق للأسرة والمجتمع والدولة إلى هيمنة الجماعة على المدى الطويل".
وذكرت الدراسة نفسها في موضع آخر: "شبكة المساجد والمؤسسات التعليمية الدينية التابعة للإخوان المسلمين، تتوسع باستمرار وتعكس تكتيك الجماعة لتشكيل نخبة لاختراق المجتمع تدريجيا".
كما شهد ملف الإخوان في ألمانيا نقطة تحول رئيسية في ديسمبر/كانون أول 2021، حين تفجرت قضية شراء شركة أوروبا تراست (ُEurope Trust)، المرتبطة بالإخوان، عقار في برلين وتحوليه إلى مقر لجمعيات معروفة بروابطها بجماعة الإخوان المسلمين.
إذ تبارت تقارير صحفية ألمانية في التحذير من تأسيس "بؤرة متطرفة" في قلب العاصمة الألمانية، ما كان له أثر بالغ في دفع الجماعة إلى أولويات الجدل السياسي في ألمانيا.
ومنذ هذه الواقعة، شهد البرلمان الألماني 28 تحرك مختلف ضد الإسلام السياسي والإخوان، كان بطليها الاتحاد المسيحي "يمين وسط" وحزب البديل لأجل ألمانيا "شعبوي".
وشملت هذه التحركات أحصت هذه الورقة 5 مشاريع قرارات غير ملزمة قدمها حزبا الاتحاد المسيحي والبديل لأجل ألمانيا، ومشروع قانون قدمته الحكومة، و١٢ طلب إحاطة حول الإسلام السياسي بشكل عام، فيما ردت الحكومة الاتحادية بـ5 مذكرات توضع جوانب مختلفة لظاهرة الإسلام السياسي، وعقد البرلمان 5 جلسات ما بين جلسات عامة وجلسات استماع حول الملف أيضا.
تحركات تضع جماعة الإخوان الإرهابية تحت ضغط كبير في ألمانيا، وتبشر بفترة صعبة على الجماعة في المستقبل القريب.
aXA6IDMuMTQ1LjYzLjE0OCA= جزيرة ام اند امز