ألمانيا و«الخطر الإلكتروني».. آليات مواجهة «وجوه الإخوان» الجديدة
وجوه جديدة للإخوان الإرهابية خرجت من الهامش الافتراضي للشوارع في ألمانيا، رافعة شعارات متطرفة، لتثير القلق وتحرك جدل المكافحة بآن واحد.
وفي الأشهر الأخيرة، دخلت جماعات مثل "مسلم إنتراكتيف" و"جيل الإسلام" المجال العام بمواقف إسلاموية متشددة، مستغلين التصعيد في الشرق الأوسط لإثارة الرأي العام والإشادة بالخلافة كحل لجميع المشاكل.
ومن خلال الملصقات الاستفزازية والشعارات البليغة والسلوكيات العسكرية، حظيت المسيرات التي نظمتها الجماعات ذات الهوية الإسلاموية، التي تنشط بالأساس في الفضاء الإلكتروني، بتغطية إعلامية ضخمة في الأشهر الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، لفتت هذه المسيرات الانتباه إلى حركة إسلاموية أساسية نشطة عالميًا هي "حزب التحرير" الذي انبثق عن الإخوان.
"غطاء"
ونتيجةً لحظر حزب التحرير في ألمانيا والتضييق على الإخوان، ظهر عدد من المنظمات في الواجهة، منذ عام 2014 فصاعدًا، ولكل منها تركيز إقليمي ووظيفي مختلف، وتتبادل الأدوار بشكل منظم ومحكم.
وتجلى هذا النشاط في حملات متقنة على الإنترنت، بما في ذلك ضد الحظر المزعوم للحجاب، وضد سياسات الهجرة وحرق المصاحف، ونشطت في هذا الإطار منظمات "مسلم إنتراكتيف"، و"جيل الإسلام"؛ الوجوه الجديدة للإخوان الإرهابية.
وبعد حرب غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ، خرجت هذه المجموعات إلى الشوارع بشكل متزايد.
وفي بداية شهر نوفمبر/تشرين الأول الماضي، تظاهر 3000 شخص في مدينة إيسن وسط ألمانيا، ضد الحرب على غزة وتأييدًا للخلافة كحل لجميع المشاكل.
وكان النمط الموحد لنشاط الدعوة إلى الخلافة، واضحًا في مظاهرات مدن إيسن وهامبورغ، والتي شهدت استفزاز مستهدف، وتنظيم محكم، ومظهر موحد، وبرنامج سياسي واضح، مدعومًا بحضور مكثف على الإنترنت.
واللافت في هذا الظهور، سواء على الإنترنت أو خارجه، هو الترويج لسردية الضحية، إذ طالبت اللافتات التي تم إنتاجها وتوزيعها بشكل مركزي بـ "تنوع الرأي" و"الحرية لغزة" و"لا للنظام الاستعماري"، مصحوبة دائمًا بعبارة "الخلافة هي الحل".
وفي الخطاب المستخدم في المظاهرات، يتم تقليد الخطابات الشعبية والتقدمية (المفترضة) وتوظيفها عاطفياً واستغلالها واختزالها في رسائل بسيطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ما هي "مسلم إنتراكتيف"؟
يرتدي عناصر المجموعة عادة زيا موحدا؛ قبعات سوداء ذات نقش مميز، وقميصا يحمل نفس الرمز واسم الحركة، وكلها باللون الأسود.
وبدأت المجموعة الجديدة تنظيم نفسها في 2020، وأنتجت مقاطع فيديو شديدة الاحترافية، تستغل من خلالها مشاهد ووقائع ضد المسلمين، لحشد التأييد وجذب أعضاء جدد.
كما لعبت الحركة على وتر تزايد الهجمات والعنصرية ضد المسلمين في أوروبا على وجه التحديد.
وينسب مكتب حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في هامبورغ، المجموعة الجديدة إلى حزب التحرير المحظور في ألمانيا منذ عام 2003، والمنبثق عن جماعة الإخوان.
وبحسب المصدر ذاته، فإن حزب التحرير يرمي إلى استخدام القوة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، وفق قرار الحظر الصادر بحقه، ويهدد فكرة التفاهم الدولي.
وعلى الإنترنت، يصف ممثلو منظمة "مسلم إنتراكتيف"، أنفسهم بأنهم "نشطاء سياسيون"، ويهاجمون من يصفهم بـ"الإسلاميين" أو "المتطرفين"، ويقولون إن هذه الأوصاف "ليست حقيقية"، مثل أي تنظيم أو مجموعة إسلامية أو منبثقة عن الإخوان في ألمانيا؛ إذ لا توجد أي مجموعة تربط نفسها صراحة بالإخوان، وتفضل الروابط السرية.
زعيم المجموعة هو جو أدادي بواتينغ، الذي يطلق على نفسه اسم رحيم بواتينج، وفق معلومات "العين الإخبارية".
أما منظمة "جيل الإسلام"، فهي مجموعة نشطة بالأساس على الإنترنت، منبثقة عن حزب التحرير المرتبط بالإخوان، وتعمل على خلق انقسام اجتماعي في ألمانيا.
وتثبت تحركات هذه المجموعة أنها صورة طبق الأصل من منظمة "جيل الهوية" اليمينية المتطرفة. وتركز على استقطاب الشباب الألماني المسلم.
استراتيجية المواجهة
وفي هذا الإطار، كتب الخبير الألماني البارز، أندرياس جاكوب، في ورقة تقييم موقف، أن هذه المجموعات هي "غطاء لحركة وأيديولوجية معادية للدستور ليس فقط في ألمانيا، بل في العديد من الدول الإسلامية".
وتابع "رفض النظام الدستوري والمشاركة الاجتماعية، ومعاداة السامية الصريحة، والدعوة إلى تغيير النظام، والعنف المقنع، يجعل من هذه المنظمات، تهديدًا للديمقراطية والتماسك الاجتماعي".
وحول سبل المواجهة، قال جاكوب، "ليس السخط والمناقشات التفصيلية هي التي تعد بالعلاج، بل العمل الإداري، مصحوبًا باستراتيجية احتواء واسعة النطاق".
وأضاف "يعد حظر الجمعيات والمظاهرات عناصر لا مفر منها في مثل هذه الاستراتيجية. ومع ذلك، لا يمكن حظر الشبكات غير الرسمية والسرديات المنتشرة. فما يتم حظره اليوم تحت اسم "مسلم ‘إنتراكتيف" و"جيل الإسلام" سيظهر غدًا تحت اسم مختلف".
واعتبر إن فهم الخلفيات الأيديولوجية والسياقات والصلات الشخصية بين هذه المجموعات،مهم للعاية في مكافحتها، وقال إن "المزيد من البحث، والمزيد من التعاون الدولي والمزيد من الإجراءات العقابية والتنفيذية التي تتخذها الدولة ضد هذه المنظمات والأفراد هي الطريقة الصحيحة لمكافحة حركات الخلافة في ألمانيا".