ضربة باراغواي لـ"الإخوان".. خطوة لتجفيف منابع تمويل الإرهاب بأمريكا اللاتينية
في خطوة جديدة نحو تجفيف منابع تمويل الإخوان الإرهابية، وافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على اعتبار "الإخوان" جماعة إرهابية.
والخميس، وافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على اعتبار الإخوان "تنظيما إرهابيا يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكا خطيرا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة".
جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكون من 45 عضوا.
وفي استعراض لموجبات الموافقة على القرار، قال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني واطلعت عليه "العين الإخبارية"، إن "جماعة الإخوان التي تأسست في 1928 بمصر، تقدم المساعدة الأيديولوجية لمن يستخدم العنف ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب".
وتنبع أهمية هذه الخطوة من كونها البداية الحقيقية لوقف أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية في أمريكا اللاتينية، عبر إصدار تشريعات تجرِّم عملها في القارة وفي باراغواي على وجه الخصوص، وفق مراقبين.
وفي يوليو/تموز 2019، صنّفت الأرجنتين حزب الله منظمة إرهابية وحذَت باراغواي حذوها بعد شهرين فقط. واليوم صنفت باراغواي الإخوان جماعة إرهابية، ومن المتوقع أن تحذو باقي دول أمريكا اللاتينية حذوها.
فجوة التشريعات
ظلت دول أمريكا الجنوبية نقطة ضعف في عالم يكافح من أجل القضاء على الإرهاب والتطرف، ونظرَا لغياب التشريعات التي تتعقب أعضاء الجماعات الإرهابية، وتراقب حركة أموالها، إضافة للتسامح مع أعضاء تلك الجماعات والسماح لهم بتأسيس شركات وهمية، تشكلت بؤرة اقتصادية أصبحت الباب الخلفي لدعم قدرات الجماعات الإرهابية والمتطرفة وعلى رأسهم جماعة الإخوان.
باراغواي بلد متعدد الإثنيات، يشمل مجموعة من السكان الأصليين المتأثرين على نحو قوي بالثقافة الإسبانية، وأدى التمازج الكثيف بين الأجناس إلى تشكل أصول قومية جديدة تتميز بثنائية اللغة وامتزاج الثقافتين، وخلق حالة من التسامح مع الغرباء.
ومع تزايد المدين اليساري والشيوعي، تكونت عاطفة نحو الجماعات الإسلاموية تأثرا بدعاية "الاضطهاد"، وتصوير هذه الجماعات أنفسها كـ"ضحايا" في باراغواي، كسائر دول أمريكا اللاتينية.
ومع تباطؤ التجارة والسياحة خلال فترة الثمانينيات، أصبحت مناطق الحدود بين دول القارة ملاذًا آمنًا للمنظمات الإجرامية والإرهابية التي تنشط في الاتجار غير المشروع -في المخدرات والأسلحة وحتى البشر.
هذه الفترة، شهدت نشاطا للجماعات الإسلاموية، وتأسيس هذه الجماعات وجودها في المجتمعات اللاتينية عبر التوغل في الأنشطة الاجتماعية والسياسية.
تأسيس الوجود
شهدت أمريكا اللاتينية بداية وجود الإخوان الإرهابية عقب وصول الإخواني اللبناني الأصل أحمد على الصيفي الحاصل على الجنسية البرازيلية.
وبدأت قصة الصيفي، بإلقاء السلطات السورية القبض عليه بعد اتصاله بجماعة الإخوان السورية وانخراطه في عملياتها عام 1964، وتم تسليمه إلى لبنان.
وبعد مفاوضات، هاجر الصيفي من لبنان إلى البرازيل التي وصلها في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 1965، حيث توجد جالية لبنانيّة ضخمة واستقر هناك.
وبعد خمس سنوات من وصوله أسس في مطلع السبعينيات جمعية "أبوبكر الصديق الخيرية الإسلامية"، التي كانت ستارًا لتحركات الإخوان التنظيمية في البرازيل.
ورغم البداية المتواضعة اقتصادياً إلا أنه تمكن بأموال تنظيم الإخوان من شراء مصنع كان يمتلكه 46 شريكاً إيطالياً وأبقى على اسمه "القديسة تيريزا" بناءً على طلبهم.
ثم بدأ تحركاته في أوساط المجتمع البرازيلي تتسع، فترأس "هيئة الإغاثة الإسلاميّة العالميّة البرازيليّة" و"مركز الدعوة الإسلاميّة في البرازيل".
واستغل الصيفى إمكانات المركز (الدعوة الإسلامية) الذى أسسه بنفسه عام ١٩٨٧ فى البرازيل، للترويج لأفكار الجماعة، عبر سلسلة طويلة من الأنشطة، التى مكنته من التوغل فى أعماق المجتمعات بتلك الدول، والسيطرة على المسلمين هناك.
واعتمد في ذلك على ابنه علي الذي يعمل مديرا تنفيذيا لـ"سيديال حلال" التي تحتكر إصدار شهادات الذبح الحلال للذبائح، والتي درت ملايين الدولارات على الإخوان في أمريكا اللاتينية
ويقوم مركز الدعوة الإسلامية بإقامة المخيمات الترفيهية، وإصدار المطبوعات والمشاركة فى معارض الكتاب، وعقد مؤتمر سنوي للمسلمين في أمريكا اللاتينية، وهي أنشطة تساعده على استقطاب الكثير من الشباب، ونشر الفكر المتطرف والإرهابي.
التمدد والانتشار
ومع منتصف الثمانينيات وسع الصيفي نشاطه إلى باقي دول أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي، فاستغل علاقته بمنظمات إسلاموية عالمية، وتمكن من استقطاب العديد من الشباب للعمل كدعاة في دول أمريكا الجنوبية.
كما كون وفدًا من أمين الكرم، وأحمد محايري، وذهب وفد إلى مدينة أسونسيون في باراغواي لإقامة عمل إسلامي منظّم.
كما عقد اجتماع في أكتوبر/تشرين الأول 1987، في مدينة بورتو ستروسنر (تغير اسمها فيما بعد)، وتمكن من تأسيس المركز الإسلامي بسدادي دل إيستي عام 1987، ثم المركز الإسلامي بمدينة أسنسيون عاصمة باراغواي عام 1989.
خطوة نحو تجفيف التمويل
الإخوان جماعة تعتمد على الانتهازية والعمل في خفاء والخداع والعنف والإرهاب، وتعمل لصالح أجهزة مخابرات دول أجنبية، وفق مراقبين.
وفي سبيل قيامها بدورها الوظيفي، صنعت الإخوان شبكة مالية كبيرة ومعقدة، وخلطت أموالها بأموال أعضاء الجماعة للتمويه على مسارات التمويل وطبيعة استثماراتها؛ ما أدى إلى صعوبة التفريق في معاملات الإخوان بين الممتلكات الشخصية وثروة الجماعة.
وبالإضافة إلى شركات "الأوف شور"، التي استغلتها الإخوان في مهام غسل الأموال بعيدًا عن الأنظار، وقع اختيارها على دول أمريكا اللاتينية كمنصة نشاط اقتصادي، لغياب التشريعات التي تتعقب تمويل الجماعة.
وأكد تقرير صادر عن الاستخبارات الإسبانية فى سبتمبر/أيلول 2017، أن "التنظيم الدولي للإخوان يحاول بهدوء نقل الكثير من الأصول التي يملكها، في فرنسا خصوصًا، إلى دول أمريكا اللاتينية بعد ممارسة الحكومة الفرنسية ضغوطا كبيرة على قادة التنظيم".
وحسب خبراء، فإن أجهزة رقابية رصدت مؤسسات ومنظمات دولية ترسل أموالا لكيانات تابعة للإخوان حيث تمتد شبكة الإخوان المالية، إلى بنما وليبيريا وجزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان وسويسرا وقبرص ونيجيريا والبرازيل والأرجنتين وباراغواي.
قرار باراغواي
قام الأزهر الشريف بزيارات مكوكية لدول مختلفة حول العام ومؤسسات المجتمع المدني، لكشف حقيقة الجماعة، ما أسفر عن اقتناع العديد من دوائر اتخاذ القرار في العالم بخطورة الإخوان.
وفي أوروبا توقفت دول عديدة كانت تفتح أبوابها لعناصر الإخوان، من مساندة الجماعة الإرهابية مثل ألمانيا والنمسا وإسبانيا وفرنسا، وتنضم باراغواي اليوم، إذ أدرك العالم خطورة الجماعات الإرهابية ولم تعد تنطلي عليهم أكذوبة وجود جماعة إسلاموية معتدلة ووسيطة.
وكثيرا ما زعم الإخوان اعتدالهم مقابل تطرف القاعدة و"داعش"، ثم تبين لاحقًا أن جميع الجماعات الإسلاموية تعمل في ظل منظومة تكاملية يساند بعضها بعضًا.
هذا القرار له ما بعده، وستتأثر به جماعة الإخوان الإرهابية للغاية، فدول أمريكا اللاتينية تضم العديد من الشركات الوهمية التي تتبع الإخوان وتقوم بغسل الأموال وتساهم في تمويل كافة أنشطة الجماعات الإرهابية.
ومن المتوقع أن يتبع هذا القرار سلسلة من التشريعات التي ستمنع أي شخص له صلة بالإخوان أو متهم بالإرهاب من إنشاء شركة أو مؤسسات اقتصادية، كما سيتيح لحكومة باراغواي التحفظ على أموال كل المتورطين بالإرهاب أو على أقل تقدير ستتم مراقبة أموالهم وتحركاتها المشبوهة، وهذا في حد ذاته بداية لكشف الأخطبوط المالي للإخوان.