رسالة مستشار الشرع لإخوان سوريا.. هل تتجرع الجماعة كأس الاندثار أم الانتحار؟

في لحظة تعيد فيها سوريا صياغة بنيتها الداخلية، تبرز دعوة حل «الإخوان» كجزء من مسار إقليمي ودولي يرى في التنظيم «عبئًا سياسيًا وأمنيًا».
فبعد نصف قرن من الغياب عن الساحة السياسية السورية، عاد الإخوان إلى المشهد مُثقلين بفجوة فكرية وعمرية جعلتهم غرباء عن مجتمع تغيّر جذريًا، فيما ظلّوا أسرى خطاب تقليدي يتجاهل موجة رفض عربية وغربية تتسع ضدهم.
غير أن خيارات التنظيم في المرحلة المقبلة تبدو محدودة ومكلفة: فإما الاستجابة لمتطلبات الواقع وحل التنظيم؛ وإما الاستمرار في العناد، وهو سيناريو لا يقود إلا إلى مزيد من التآكل الداخلي والعزلة، فضلا عن «الصدام» مع الدولة السورية.
وكان أحمد موفق زيدان مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، دعا تنظيم الإخوان إلى حل نفسه، أسوة بالفصائل العسكرية والسياسية الأخرى، مشيرًا إلى أن «حل التنظيم اليوم، كما فعلت المكونات الأخرى سيخدم البلد، الذي هو رأسمالنا جميعا، ومقصدنا كلنا».
وأوضح مستشار الرئيس السوري، أن تنظيم الإخوان الذي سبق وحل نفسه، في بعض البلدان، «ومارس العمل السياسي والدعوي بتسميات جديدة كان أفضل حالا ممن أصر على التمسك بسياسة ديناصورية، محكوم عليها بنظر بعض الجيولوجيين بالاندثار، ما دام الديناصور قد عجز عن التأقلم مع الظروف الطبيعية الجديدة، وهو حال تنظيم يرفض أن يتأقلم مع ظروف داخلية وإقليمية ودولية تجاوزته».
فما سر التوقيت؟
يقول عمرو عبدالمنعم الباحث في شؤون الإسلام السياسي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن الدولة السورية «تدرك مدى قدرة وإمكانيات تنظيم الإخوان في زعزعة النظام السوري، وهو ما مارسه عدة سنوات أيام الرئيسين الأسبق حافظ الأسد والسابق بشار الأسد».
وأوضح أن الدعوة السورية، «محاولة استباقية لأي مواجهة قد تحدث بين النظام السوري والإخوان»، متوقعًا «صداما قريبا».
بدوره، قال طارق أبوزينب المحلل السياسي، إن الطلب السوري يعكس إدراكاً للتغيرات في الإقليم، حيث أصبح تنظيم الإخوان مصدراً لعدم الاستقرار وذراعاً لمشاريع خارجية.
وكانت مصادر مطلعة قالت لـ"العين الإخبارية" في فبراير/شباط الماضي، إن الإدارة السورية الجديدة مررت رسالة إلى المراقب العام لجماعة الإخوان تطالبه بتجميد النشاط في الوقت الراهن. إلا أنه يبدو أن التنظيم لم يلتقط تلك الإشارات.
وتوافق قادة التنظيم الدولي خلال اجتماع عقد في دولة إقليمية بارزة تقيم علاقة وثيقة مع الرئيس السوري أحمد الشرع، على طلب وساطتها، لتفادي قرار تجميد نشاط الجماعة في سوريا، بحسب مصادر «العين الإخبارية»، ما يعني أن طلب التنظيم الإخواني، لم يلق قبولا لدى الدولة السورية.
رسائل متعددة
واعتبر عبدالمنعم، الطلب السوري بحل جماعة الإخوان، «مغازلة» للمجتمع الدولي وللدول التي ترى خطورة في وجود الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى خطر التنظيم المتنامي، سواء في فرنسا، أو بريطانيا، أو أمريكا، وكذلك بعض الدول العربية التي لم تتخذ قرارا حتى الآن بإدخالها في قوائم الإرهاب.
فيما قال طارق أبوزينب المحلل السياسي السوري، إن هذه الخطوة ليست مجرد مغازلة، بل محاولة لإغلاق الباب أمام أي مشروع يهدف لاختراق الدولة السورية مستقبلاً.
وأشار إلى أن دولا عربية كثيرة ترى في الإخوان تهديداً للأمن القومي، وبالتالي تسعى دمشق لتأكيد التزامها بخط مكافحة التنظيمات المتطرفة.
ويواجه تنظيم الإخوان وضعا مأزوما في بلدان عدة؛ ففي مصر بات مصنفا إرهابيا، والأردن أصبح محظورا. وبينما نبذه الشارع التونسي والمغربي، بات على مفترق طرق في أمريكا ودول أوروبا، بعد الحراك الأخير في تلك البلدان، والذي قد ينتهي بحظر أو إبعاد للعناصر الإخوانية، مع تجميد نشاط التنظيم، بحسب مراقبين.
ويضيف طارق أبوزينب، أن الطلب السوري رسالة مزدوجة: للداخل السوري وللخارج العربي؛ فدمشق تريد القول إنها لن تسمح بتكرار تجربة التوظيف السياسي للإخوان التي دمّرت دولاً أخرى.
هذه الخطوة تغلق فعلياً أي نافذة لعودة الجماعة، حتى لو حدث انتقال سياسي في المستقبل، لأن المناخ العربي والدولي أصبح معادياً لهم، والدولة السورية ستتمسك بهذا الالتزام كجزء من استراتيجيتها للأمن القومي، بحسب أبوزينب.
وفي السياق نفسه، قال الباحث بالمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات مجاهد الصميدعي، إن طلب مستشار الشرع للإخوان بحل نفسها، يحمل رسائل متعددة؛ من جهة هو موجه للداخل السوري ليؤكد أنه لا مكان للإخوان في سوريا الجديدة، ومن جهة أخرى هو رسالة طمأنة للدول العربية، وخاصة الخليج ومصر، التي ترفض أي نشاط إخواني. بمعنى آخر، هو مغازلة سياسية مقصودة للاقتراب من المزاج العربي العام.
وأوضح أن الطلب هو تأكيد رسمي أنه لا مكان للإخوان في مستقبل سوريا، سواء استمر النظام الحالي أو تغير. كما أنه خطوة استباقية لإغلاق أي ثغرة قد تسمح للتنظيم الدولي باستغلال مرحلة ما بعد الأسد للعودة إلى الداخل السوري.
فهل سيحل تنظيم الإخوان نفسه؟
بحسب عبدالمنعم، فإن «فكرة الحل في الفكر الإخواني مستحيلة»، مشيرًا إلى أن «جماعة الإخوان لا ترتضي حلا، ولا اندماجا، ولا حلا وسطا مع أي من الدول العربية.. فهي فكرة قائمة على أستاذية العالم، وأنهم البديل الحقيقي للخلافة الإسلامية».
وأشار إلى أن «فكرة الحل غير واردة في قاموس ولا أجندة ولا أيديولوجية تنظيم الإخوان الذي يسعى ليكون بديلا لجميع الأنظمة العربية»، على حد قوله.
الأمر نفسه، أشار إليه طارق أبوزينب المحلل السياسي السوري، قائلا إن احتمال حل جماعة الإخوان في سوريا نفسها «ضعيف جداً»، مشيرًا إلى أن «الإخوان تاريخياً لا يحلّون أنفسهم إلا إذا فقدوا كل أدوات التأثير».
وأوضح أنه «حتى الآن، رغم ضعفهم، يراهنون على الفوضى لاستعادة حضورهم»، مشيرًا إلى أن تنظيم الإخوان «حركة عقائدية تقوم على مبدأ التمكين، ولا تقبل التصفية الذاتية طوعاً».
في السياق نفسه، قال الباحث بالمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات مجاهد الصميدعي، إنه «من الصعب أن تبادر الجماعة إلى حل نفسها طوعًا، فالتجربة التاريخية مع الإخوان في مصر والسودان والأردن تؤكد أنهم لا ينهون وجودهم التنظيمي بأنفسهم. قد يعلنون تجميد أو تعليق النشاط، لكن الحل النهائي لن يأتي منهم».
وأوضح أن الجماعة لن تستجيب لنداءات مستشار الرئيس السوري، «بل ستكتفي بمواقف لفظية أو بيانات سياسية لتخفيف الضغط. الإخوان يعتبرون أن حل التنظيم بمثابة انتحار سياسي، ولن يقدموا على ذلك بسهولة».
حال رفضها.. هل ستلجأ سوريا إلى حظر الإخوان؟
وبحسب عبدالمنعم، فإنه حال رفض تنظيم الإخوان في سوريا حل نفسه، فإنه سيكون في صدام مع النظام السوري، مشيرًا إلى أنه ليس أمام الإخوان المسلمين كأفراد إلا «الاندماج داخل النظام السوري الجديد»، مستدلا على ذلك، بانضمام بعض قيادات وعناصر الإخوان إلى حكومة أحمد الشرع، بعد أن حلوا نفسهم من البيعة الإخوانية.
أما الجماعة بكيانها فإنها «إن لم تندمج فستدخل في صدام دام مثل ما حدث مع النظام السوري والإخوان عبر عدة سنوات، كانت بين صدام طردي وعكسي»، يقول عبدالمنعم، مشيرًا إلى أن النظام السوري «يدرك جيدا خبايا الإخوان المسلمين، وجيدا أبعادها وأفكارها ومداخلها، لذلك من الصعب على الإخوان عدم التجاوب في هذه المرحلة بالرفض أو القبول».
إلا أنه طرح سيناريو آخر، وهو ذلك الذي تجيده جماعة الإخوان، عبر «تسكين الأمور حتى حين»، يقول عبدالمنعم، مشيرًا
في السياق نفسه، قال أبوزينب، إنه «ما لم يتم فرض واقع قانوني صارم في سوريا، ستبقى الجماعة تناور تحت واجهات مدنية أو سياسية».
«لكن الضغوط الإقليمية والدولية قد تدفعهم لمناورة شكلية، مثل تجميد النشاط أو تغيير الاسم، دون إنهاء البنية التنظيمية»، يضيف أبوزينب.
وتوقع أبوزينب لجوء سوريا إلى حظر الإخوان، قائلا: هذا السيناريو شبه محسوم. الإخوان مصنّفون في عدة دول عربية كتنظيم إرهابي، وسوريا ستسير في هذا الاتجاه لتعزيز تحالفها مع الدول العربية الكبرى التي تضع مكافحة الإخوان كأولوية.
وأكد أن الحظر سيكون خطوة ضرورية لمنع أي عودة للجماعة عبر أدوات ناعمة، خاصة بعد الحرب.
بدوره، قال الباحث بالمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات مجاهد الصميدعي، إن «الحظر هو السيناريو المرجح. فالنظام السوري سيغلق أي هامش قانوني أو سياسي أمام الجماعة، خاصة إذا توافقت هذه الخطوة مع الموقف العربي الرافض لوجود الإخوان».
ما السيناريوهات التي تنتظر إخوان سوريا؟
يقول أبوزينب، إن هناك 3 سيناريوهات تنتظر الإخوان في سوريا:
- حظر رسمي وتصنيف إرهابي وهو الأكثر ترجيحاً
- تفكك داخلي بسبب غياب الحاضنة الشعبية والضغط الأمني
- محاولة العمل عبر واجهات مدنية أو جمعيات، لكن هذه ستخضع لرقابة صارمة.
وأكد المحلل السياسي السوري، أن الإخوان في سوريا أمام طريق مسدود، وستنحصر خياراتهم في التلاشي أو الاندماج الفردي دون إطار تنظيمي.
بدوره، طرح الباحث بالمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات مجاهد الصميدعي ثلاثة احتمالات أخرى، وهي:
- أولًا: الاندثار التدريجي مع غياب الحاضنة الشعبية.
- ثانيًا: العودة للعمل السري كما حدث في الثمانينيات.
- ثالثًا: اندماج بعض الأفراد في أحزاب أو تيارات أخرى للحفاظ على وجود سياسي غير مباشر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMiA=
جزيرة ام اند امز