بحثا عن جُحر "سياسي".. هل تخرج "الإخوان" من حضن أردوغان بعد "السعادة"؟
بعد تحالف استمر لنحو 8 سنوات، يبدو أن "شهر العسل" قد انتهى بين الإخوان ونظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ظل تودد الأخير لمصر، ومحاولة الجماعة المصنفة إرهابية التحرك بعيدا عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، عبر اجتماعها بحزب السعادة المعارض.
خطوة اعتبرها مراقبون أنها تأتي متسقة مع مساعي الإخوان في "فتح مسارات بديلة" تحسبا لإتمام المصالحة بين أنقرة والقاهرة، خاصة بعد التضييق الرسمي على التنظيم وأبواقه الإعلامية في أنقرة.
ما سبق دفع تنظيم الإخوان في تركيا إلى اللجوء إلى أساليبه المفضلة، وهي اللعب على الحبال، والدوران مع المصالح الشخصية حيث كانت، فطرق باب حزب السعادة التركي المعارض لأردوغان حليف الثماني سنوات، بحثا عن حضن بديل.
ومنذ خطوات تركيا الأخيرة ضد الإخوان تقربا من مصر، بدت ردة فعل قادة التنظيم في خرجاتهم الإعلامية مرتبكة، تقفز بقوة على حبل الود بين الجماعة ونظام أردوغان، وجاءت خطوة لقاء حزب السعادة لتقطع هذا الحبل.
وكان حزب السعادة أعلن قبل أيام استقبال رئيس الحزب تمل كرم الله أوغلو، وفدا من أعضاء تنظيم الإخوان الذين تحتضنهم أنقرة، ويضم مسؤول الجماعة في تركيا همام علي يوسف، وقيادات في التنظيم بينهم مدحت الحداد، ومحمود حسين.
للخلف در
وكان إعلان الحزب عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر" عن استقبال رئيس حزب السعادة، لمسؤول الإخوان همام علي يوسف، "ووفد مرافق له"، القطرة التي أفاضت كأس علاقة الجماعة مع أردوغان وحزبه الحاكم.
لذلك سارع الإخوان لـ"إنقاذ ما يمكن إنقاذه" من العلاقات مع النظام التركي التي وصلت على ما يبدو لطريق مسدود، عبر إصدار بيان على لسان ما يعرف بـ"القائم بأعمال المرشد العام" للجماعة إبراهيم منير.
وحمل البيان عنوان "الشكر والتقدير" والتأكيد على "الوفاء الكامل" لأردوغان، وتجديد الالتزام بالواجبات واحترام كل القوانين والنظم والأعراف وعدم المساس باستقرار وأمن تركيا، في استدارة للخلف تحاول محو لقاء حزب "السعادة".
وحاولت الجماعة الإرهابية تبرير أسباب لقاء قياداتها بحزب السعادة، مدعية أن الأمر يتعلق بزيارة للالتقاء ببعض المؤسسات المجتمعية لتوضيح أحوال ومتطلبات المصريين "اللاجئين" في تركيا.
إغلاق الحضن
وفي قراءته لمآل خطوة الإخوان الأخيرة، قال مصدر سياسي تركي -فضل عدم كشف هويته- إن "تنظيم الإخوان يسعى إلى إيجاد حلول بديلة، بعد أن فقدوا التواصل مع الحزب الحاكم في تركيا، عقب رفض الأخير أكثر من طلب تقدم به التنظيم في وقت سابق بعقد لقاء مع مسؤولين أتراك".
وأكد المصدر السياسي في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "التنظيم الإخواني يسعى إلى فتح مسارات بديلة، بعد انتهاء سنوات التقارب بينه وبين النظام التركي".
ورأى المصدر أن أقصى ما يطمح إليه الإخوان هو "الخروج من المرحلة الحالية بأقل الخسائر الممكنة، ومحاولة البقاء في تركيا، وعدم الترحيل لبلد ثالث".
ونبه بأن عودة التنظيم لحزب السعادة، وفشله في التواصل مع حزب العدالة والتنمية الحاكم "يعكس موقف الجماعة الصعب في الوقت الحالي بالداخل التركي".
ماذا يريد الإخوان من السعادة؟
الدكتورة دلال محمود، الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ذهبت إلى أكثر من ذلك، حيث رأت في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" أن "الجماعة تسعى إلى محاولة تحييد أردوغان، في ظل تقاربه الأخير مع مصر، وفي نفس الوقت محاولة البحث عن بديل آخر في تركيا".
وأوضحت دلال محمود -وهي أيضا مديرة برنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة (خاص)- أن "ما يمكن أن يقدمه حزب السعادة للإخوان هو الدعم الإعلامي، وتوفير غطاء التواصل مع أحزاب أخرى في الداخل التركي، لكن الحزب الذي لجأوا إليه لا يملك التأثير الفعلي على أرض الواقع".
إسفين الانقسام
وحول تداعيات لقاء وفد الإخوان بحزب السعادة المعارض وبيان إبراهيم منير الذي تلاه، قالت دلال إن "تلك التحركات ستؤدي إلى المزيد من الانقسام داخل التنظيم، خاصة أن الجزء الأكبر من عناصره سوف يظل على ولائه لحزب العدالة والتنمية وأردوغان شخصيا".
ولفتت أستاذ العلوم السياسية إلى وجود انقسام كبير داخل الجماعة حول شخص إبراهيم منير نفسه، وصلاحيته ليكون قائما بأعمال المرشد، وقد يبرز فريق داخل الإخوان يسعى للتقارب الشديد مع حزب العدالة والتنمية بكل السبل وولائه للنظام التركي.
وأبرزت الخبيرة المصرية أن قيادات الإخوان في تركيا وفي مقدمتهم عاصم عبدالماجد ترى أن لقاء وفد الإخوان بحزب السعادة سوف يشوه العلاقات مع أردوغان، ويعمق الانقسام بين صفوف التنظيم.
تغيير في السياسة فقط
وإذ أشارت إلى أن أردوغان يريد بشكل حقيقي تسوية الخلافات مع القاهرة، قالت مديرة برنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات إن ما يحدث هو تغيير في السياسة فقط وليس القناعات.
وفي هذا الصدد، أكدت أن التقارب مع القاهرة لا يعني تخلي أردوغان عن الإخوان بنسبة 100%، لحاجته إلى التنظيم في العديد من الملفات بينها الليبي.
بيد أن دلال لم تستبعد احتمال قيام نظام أردوغان بتسليم عناصر إخوانية إلى مصر، لا سيما من عناصر الصف الثاني والثالث على سبيل المثال.
ووفقا لمراقبين بات التقارب التركي للقاهرة يمثل خطرا على التنظيم، الذي تخشى قياداته من الطرد والتلاشي أو التسليم لمصر.
وتأتي تحركات تنظيم الإخوان، بعد أيام من إعلان تركيا تطورات في مسار عودة العلاقات مع مصر، والإعلان عن زيارة وفد دبلوماسي للقاهرة الشهر الجاري، وبالتزامن أيضا مع إقرار البرلمان التركي مؤخرا مذكرة حول تشكيل لجنة صداقة برلمانية بين القاهرة وأنقرة.
ومنذ 8 أعوام، تشهد العلاقات بين مصر وتركيا ما يشبه القطيعة بسبب ملفات عدة، أبرزها سياسة أنقرة في المتوسط ودعم الإخوان، والتدخل في عدة دول عربية.
aXA6IDMuMTQ0LjguNjgg جزيرة ام اند امز