سر «الغرفة 117».. 40 عاما لم تحل لغز مقتل سفير أمريكا بأفغانستان

في صباح يوم 14 فبراير/شباط 1979، شهدت أفغانستان أحد من أكثر الحوادث غموضًا وإثارة للجدل في تاريخ العلاقات الدولية.
فعلى الرغم من مرور أربعة عقود على اختطاف السفير الأمريكي في كابول، أدولف دوبس، واحتجازه كرهينة داخل فندق بالعاصمة، ومقتله في عملية إنقاذ فاشلة، لا تزال العديد من التفاصيل مجهولة، وسط اتهامات متبادلة بين واشنطن، وموسكو، وكابول حول المسؤول الحقيقي عن مقتله.
فبينما تشير بعض الروايات إلى تورط الاستخبارات السوفياتية، تؤكد أخرى أن الحكومة الأفغانية كانت وراء العملية، بينما زعمت مصادر سوفياتية أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) كان لها يد في الحادث.
وقعت هذه المأساة في وقت حساس من الحرب الباردة، حيث كانت أفغانستان تتحول إلى ساحة صراع بين القوى العظمى.
وشكلت وفاة دوبس نقطة تحول في العلاقات بين واشنطن وكابول، وكانت مقدمة لدخول الولايات المتحدة في دعم أفغان ضد النظام الشيوعي المدعوم من السوفيات.
في حوالي الساعة التاسعة صباحًا، استقل السفير الأمريكي لدى أفغانستان، أدولف دوبس، سيارته من مقر إقامته متوجهًا إلى مبنى السفارة الأمريكية في كابول.
وبعد مرور عشر دقائق، أوقف أربعة رجال، كان أحدهم يرتدي زي الشرطة الأفغانية، السيارة الدبلوماسية الأمريكية بالقرب من المركز الثقافي الأمريكي. ادعى الرجل الذي يرتدي الزي الشرطي أنه يريد تفتيش السيارة، ولم يعترض السفير.
فُتحت أبواب السيارة، واندفع إلى داخلها الشرطي المزيف والثلاثة الآخرون، وسارعوا إلى تهديد السفير وسائقه بمسدسات، وأمروا بالتوجه إلى فندق «كابل سيلينت» بوسط المدينة.
عند وصول سيارة السفير الأمريكي إلى مدخل الفندق، طلب الخاطفون من السائق إبلاغ البعثة الدبلوماسية الأمريكية بما جرى، بينما اقتادوا السفير دوبس إلى الغرفة رقم 117 الواقعة في الطابق الأرضي، وأغلقوا الباب خلفهم.
تبين لاحقًا أن الخاطفين ينتمون إلى مجموعة متمردة معارضة للحكومة الأفغانية في ذلك الوقت تُعرف باسم «ستم ملي»، والتي تأسست عام 1968.
طالب الخاطفون بالإفراج عن زعيم الجماعة، بدر الدين بايس، لكنهم لم يكونوا على علم بأنه قد أُعدم بالفعل قبل ذلك.
كما طالبوا بمنحهم فرصة للإدلاء بتصريحات سياسية أمام وسائل الإعلام الأجنبية، دون أن يوجهوا أي مطالب للحكومة الأمريكية نفسها.
رفضت الحكومة الأفغانية بقيادة الرئيس نور محمد تراقي التفاوض مع الخاطفين، في حين دعت السفارة الأمريكية السلطات الأفغانية إلى التريث وعدم اللجوء إلى القوة.
لكن الأجهزة الأمنية الأفغانية تجاهلت المطالب الأمريكية، ونفذت عملية اقتحام للغرفة 117 حيث يُحتجز السفير الأمريكي.
بعد انتهاء العملية، عُثر على السفير أدولف دوبس مقتولًا برصاصات في الرأس، كما قُتل اثنان من الخاطفين، فيما اعتقل اثنان آخران، لكنهما أُعدما بالرصاص بعد فترة وجيزة، وعُرضت جثتاهما على الدبلوماسيين الأمريكيين.
الخلاف بين واشنطن وكابول وموسكو
احتجت واشنطن بشدة على كابول، مشيرةً إلى أن القوات الأفغانية اقتحمت الفندق رغم تحذيرات السفارة الأمريكية «بأشد العبارات الممكنة» بعدم الهجوم أثناء المفاوضات للإفراج عن السفير.
وفي عام 1980، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا عن تحقيق استمر عامًا في مقتل دوبس، وألقت باللوم على السلطات الأفغانية، وكذلك على المستشارين السوفيات الذين كانوا يساعدونهم. وذكر التقرير أن ثلاثة مستشارين سوفيات على الأقل لعبوا «دورًا عملياتيًا» أثناء اقتحام الفندق.
ورغم اعتراف موسكو بوجود مستشاريها في كابول، نفت التدخل المباشر في قرار اقتحام الغرفة 117. في المقابل، نفت الحكومة الأفغانية وجود أي مستشارين سوفيات خلال العملية. وخلص التقرير الأمريكي إلى أن دوبس قُتل بعشر طلقات نارية على الأقل من أسلحة صغيرة، مشيرًا إلى أن الأدلة المادية من الغرفة، بما في ذلك الأسلحة، قد اختفت.
قدمت الحكومة الأفغانية للجانب الأمريكي جثة مسلح ثالث، زاعمةً أنه كان محتجزًا لدى الشرطة، كما ادعت أن المسلح الرابع قُتل، لكن المسؤولين الأمريكيين لم يروا جثته في الفندق. ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان دوبس قد قُتل على يد خاطفيه، أو منفذي عملية الإنقاذ، أو كليهما معًا.
وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الرواية الرسمية للحكومة الأفغانية عن الحادث بأنها «غير مكتملة، ومضللة، وغير دقيقة»، مشيرة إلى أنها لم تذكر تورط السوفيات في الحادث، وخلص التقرير الأمريكي إلى أن هناك «أدلة كافية على التلاعب بالحقيقة أو قمعها من قبل الحكومة الأفغانية».
من يقف وراء الاغتيال؟
لم يتم الكشف عن هوية الخاطفين بشكل واضح، فيما تباينت الروايات بين واشنطن وموسكو وكابول حول الحادث. مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر، زبغنيو بريجنسكي، ألقى باللوم على «الإهمال السوفياتي أو تواطؤهم»، واصفًا تعامل الحكومة الأفغانية مع القضية بأنه «غير كفء».
وفي كتاب «أفغانستان: الغزو السوفياتي في المنظور»، كتب المؤلف أنتوني أرنولد أن المستفيد الوحيد من اغتيال دوبس كان الاتحاد السوفياتي، لأنه أدى إلى توتر العلاقات الأمريكية الأفغانية، مما منح موسكو سيطرة أكبر على الحكومة في كابول.
بعد وفاة دوبس، قامت إدارة الرئيس جيمي كارتر بتخفيض الوجود الدبلوماسي الأمريكي في أفغانستان بشكل كبير، وأوقفت جميع المساعدات الاقتصادية والإنسانية لكابول، مما مهّد لاحقًا لدعم الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان في صراعهم ضد النظام الشيوعي المدعوم من السوفيات.
في المقابل، ألقى الإعلام السوفياتي باللوم على وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، زاعمًا أن الحادث كان ذريعة لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان. أما الحكومة الأفغانية، فقد ادعت أن الخاطفين كانوا أعضاءً في مجموعة ماوية صغيرة، كما أشارت في روايات أخرى إلى أنهم مرتبطون بالمتطرفين.
ويُقال إن الخاطفين طالبوا بالإفراج عن «شخصيات دينية» كانوا يعتقدون أن الحكومة الأفغانية تحتجزهم.
وفي كتابه «أفغانستان: تاريخ من 1260 إلى اليوم»، يكتب المؤرخ جوناثان لي أن المسؤولين الأمريكيين اشتبهوا في أن الحكومة الشيوعية في كابول كانت وراء الحادث، إما في محاولة لتشويه سمعة المقاومة الإسلامية، أو لإجبار الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على فك ارتباطهما بأفغانستان.
ورغم كل هذه الفرضيات، لا تزال الأسئلة تحيط بسر «الغرفة 117» حتى اليوم، ليبقى هذا الحادث أحد أكثر الألغاز غموضًا في تاريخ الحرب الباردة.
aXA6IDE4LjExNy45OC4xOTgg جزيرة ام اند امز