جورجي أمادو.. ساحر الأدب البرازيلي بخفة السامبا ومتعة تذوق الشوكولاتة
جورجي أمادو دي فاريا ولد في باهيا 10 أغسطس 1912, وخلدها طوال أكثر من 80 عاما عاشها يتحرك بخفة بين النضال السياسي والكتابة الإبداعية.
يفخر البرازيليون بكرة القدم وبجورجي أمادو (Jorge Amado) الكاتب الذي جعل للأدب البرازيلي سوقا في العالم.
قبل شهرة أمادو كان الأدب البرازيلي حبيس للغة البرتغالية التي لم تعط لهذا الأدب ما أعطته اللغة الأسبانية للأدب المكتوب في أماكن أخرى من قارة أمريكا اللاتينية، وعندما جاء أمادو كان على العالم أن يستمع لهذا الصوت السردي الفريد الذي عبر عن بلاده وهمومها وحمل أساطيرها إلى العالم.
جورجي أمادو دي فاريا ولد في باهيا 10 أغسطس 1912، وخلدها طوال أكثر من 80 عاما عاشها يتحرك بخفة بين النضال السياسي والكتابة الإبداعية إلى أن توفي 6 أغسطس 2001.
وإذا كان الأدب البرازيلي يدين في حداثته لماشادو دي اسيس الذي عرف كيف يعيد الأسطورة لأدب الحياة اليومية ويعبر عن تناقضات مجتمعه بسخرية وجرأة، فإن أمادو واصل في الطريق ذاته لكن بطريقة أكثر شعبية وسعى لتكوين تيار أدبي بحيث لا يبقى صوتا وحيدا، وألف مع عدد من أصدقائه في مسقط رأسه "جماعة الحداثة".
وبدأ يعرف طعم النجاح في مؤلفاته الروائية التي توالت عقب تخرجه من كلية الحقوق، ومنها "بلاد الكرنفال" (1931) ، و"كاكاو" (1933) ، و"عَرَق" (1934)، ثم أتبعها بـ"بحر ميت" (1936) و"قباطنة الرمال" (1937)، والأخيرتان هما الجوهرتان في أعماله.
وفي أعماله كلها بدأ الأكثر قدرة من بين معاصريه على تمثيل الروح البرازيلية، وصاغ أدبا بخفة رقصة السامبا ومتعة تذوق الشوكولاتة وربما بنكهة البن المنعشة وأدرك ولع مواطنين بالحياة الصاخبة.
وفي كتاباته دائما هناك أشياء لا يمكن تفاديها، وفي مقدمتها الموقف الاجتماعي، لكنه وهو الذي عرف السجن والنضال نجح دائما في أن ينتج أدبا ملتزما بالمعنى الإنساني وليس بالمعنى الإنشائي، فما كتبه ارتبط بالقيم الريفية في بلدته باهيا التي كانت مستودعا لكتاباته، كما فعل الشاعر رسول حمزاتوف مع بلدته "داغستان" التي كان عالمها الركيزة الرئيسية في الكتابة التي شيدها وخلدت اسمه.
وعربيا ساعدت السيرة السياسية التي عاشها جورجي أمادو في لفت أنظار المترجمين العرب الذين ارتبطوا بأدب الواقعية الاشتراكية خلال الستينيات، حيث راجت أفكار الالتزام الأدبي، فقد كان أمادو وجها سياسيا معروفا بحكم وجوده في صفوف الحزب الشيوعي البرازيلي الذي انضم إليه منذ عام 1926، إلا أن ذلك لم يؤد إلى صبغ أدبه بصبغة الأدب الموجه المباشر، باستثناء روايته "أقبية الحرية" لكنه واعتبارا من رواية "فارس الأمل" (1942) بدأ يتحرر من قيود هذا الالتزام الذي كان سمة من سمات الأدب النضالي.
علما بأن سنوات الخمسينيات من القرن الماضي كان أكثر السنوات التي ناضل فيها مبدعي العالم تحت رايات الاشتراكية لمقاومة الأفكار الفاشية والنازية.
وكتب في تلك السنوات روايته "فارس الأمل" وتناول فيها سيرة حياة القائد الشيوعي البرازيلي لويس كارلوس برستيس، كما كتب روايته الملحمية "أراضي اللانهاية" التي تتحدث عن الصراع بين الإقطاعيين والتجار في مناطق زراعة الكاكاو.
ورغم انتخابه لعضوية البرلمان البرازيلي؛ فإن الحكومة التي أقلقها انتسابه للحزب الشيوعي أغلقت الحزب وجرمت الانتماء إليه ما دفعه إلى مغادرة وطنه ليعيش متنقلاً بين فرنسا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي، ولم يتمكن من العودة إلى بلاده إلا في عام 1952.
وحصل أمادو في منفاه على جائزة ستالين للآداب، وبدأ نقاد الواقعية الاشتراكية في العالم الالتفات إلى أدبه الذي عبر عن انحيازه لضحايا الصراعات الطبقية.
لكنه منذ أن كتب "الثوم والقرفة" (1958) أصبح أكثر حداثة واستجابة للحساسية الجديدة التي خلقتها تيارات الوجودية والرواية الجديدة في الغرب وراهن على كتابة روايات ذات طابع غرائبي، واشتهرت روايته "الرجل الذي مات مرتين" من بين الروايات التي كتبها وتتجاوز 40 عملا، وبيعت منها نحو 20 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم بعد أن ترجمت إلى نحو 50 لغة.
وساعد على انتشاره بالإضافة لجودة أعماله كونها قدمت عبر السينما والتلفزيون، كما نال عدة جوائز منها: جائزة بابلو نيرودا (موسكو 1994م)؛ جائزة لويس دي كأمويس (لشبونة 1995م) جائزة سينو ديل دوكا (1998م).
ورغم أنه رشح لجائزة نوبل أكثر من مرة عن أعمال مثل دونا فلور وزوجاها، والأرض العنيفة، لكنه لم ينلها حتى وفاته عام 2001.
وعربيا ترجمت أغلب أعماله في عدة دور نشر منها "الآداب" و"مسكيلياني" في تونس والدار العربية للعلوم ودار الفارابي ودار ممدوح عدوان، كما قام السيناريست مصطفى ذكري في مصر بتحويل روايته "الرجل الذي مات مرتين" لفيلم لعب بطولته محمود حميدة وأخرجه أسامة فوزي بعنوان "جنة الشياطين".
وعندما توفي قال الكاتب البرتغالي الشهير ساراماجو الحائز نوبل: "إن وفاة أمادو سبب كاف للحداد الوطني في البرازيل، وإن أمادو غاب لكن كتبه لا تزال موجودة".
aXA6IDMuMTQ0Ljg5LjQyIA== جزيرة ام اند امز