ناصر الفريجي.. 38 عاماً من الكفاح في "محراب العلم" بالسعودية
رغم حرمانه من نور عينيه في وقت مبكر من العمر إلا أن ذلك لم يمنعه من تعليم آلاف الطلاب العلوم الشرعية على مدار 38 عاما..
إنه مربي الأجيال السعودي "ناصر الفريجي" الذي يحب أن ينادى بـ"أبو رياض"، والذي فقد بصره في سن صغيرة ليقضي طفولة صعبة مختلفاً عن أقرانه.
ومع انشغال والده بالسعي في الأرض والبعد عن عائلته طلباً للرزق زادت معاناة الصبي، إلا أن تلك المعاناة ورثته الاعتماد على النفس فبات معلّما بارزا في المملكة، وتخرج على يديه آلاف الطلاب، وصار أباً لـ9 أبناء جميعهم متعلمون جامعيون.
معاناة الطفولة
"العين الإخبارية" التقت معلم العلوم الشرعية السبعيني "ناصر بن محمد الفريجي"، الذي قال إنه ولد في مدينة البكيرية في منطقة القصيم عام 1948، ومنذ نعومة أظفاره أُصيب بفقد البصر، فالتحق بالكتاب ليتعلم مع الطلاب أصول القرآن الكريم والعلوم الحسابية واللغة، متنقلاً بين مدن القصيم والرياض وحائل.
وكانت نقطة التحول الكبيرة في حياته انتقاله لمعهد النور الخاص بتعليم المكفوفين الذي دلّه عليه المفتش "عبدالرحمن الهندي" الذي زار مدرسة حائل وقال له: "يا ناصر لو تروح الرياض فيه معهد اسمه معهد النور يعلمون فيه الكفيف القراءة والكتابة بطريقه خاصة" تلك الفكرة التي جعلت نفسه التواقة تتحفّز لتتحدى الظروف ليعلم القاصي والداني أن ذلك الكفيف قد استطاع أن يتحدى كل العوائق ليصبح على ما هو عليه.
وبلغته البليغة كتب خطاباً وضعه على مكتب مدير المدرسة "عبدالرحمن بن عبدالله البليهد" الذي لم يكن أمامه إلا أن يوافق على هذا الطلب الذي جعل "ناصر" يمتطي صهريجاً لحمل البنزين والديزل والزيت، واستغرق 3 أيام للوصول إلى الرياض.
واضطر الفريجي في معهد النور إلى إعادة كل سنوات دراسته السابقة في رحلة تحد جديد، وبدأ من الصف الأول الابتدائي حتى يتعلم طريقة برايل وكان عمره وقتها 11 عاماً ونجح منذ العام الأول في تعلم هذه اللغة الجديدة عليه.
محاولات العلاج
الفريحي كشف عن محاولات للعلاج سعى إليها حينما كان تلميذا في الصف السادس، وقال: "جاء طبيب تونسي للمملكة لإجراء عمليات للمكفوفين، وأدخلوني المستشفى لإجراء عملية جراحية ومكثت في المستشفى لمدة شهرٍ تقريبًا وعندما جاء دوري وجهزوني للعملية اضطر الطبيب إلى أن يسافر، ولم تجر العملية".
وأضاف: "عندما تخرجت في معهد النور كان هناك رجل من جيران عمي كان يعمل في وزارة المالية وأعطاني خطاباً و3000 ريال لأذهب إلى طبيب في مصر ليرى حالتي وكتب لي تقريراً باللغة الفرنسية ترجمته وسافرت إلى مصر وزرت الطبيب وأخبرني أنه لا أمل من شفائي".
التدريس
وتابع "الفريجي": "بعد مرحلة تعليم صعبة انتقل الطالب ليحل محل المعلم إذ قبل سفري لمصر كنت قد تقدمت بطلب للوظيفة وعند عودتي وجدت أن قرار تعييني مدرساً في معهد النور في المدينة المنورة قد صدر في 17 رجب عام 1391 هجرية، بعدها تم تكليفي بالتدريس في معهد النور بعنيزة، ومنها إلى اليمن موفداً من المملكة العربية السعودية للتدريس في معهد النور بصنعاء".
وأردف: "عدت إلى المملكة لأواصل مشوار التربية والتعليم في مدارس التعليم العام في العاصمة السعودية الرياض، أطولها مدةً كانت في مدرسة الشهداء بحي النسيم التي سميت تخليداً لذكرى شهداء عام 1400، لأقضي في مسيرتي المهنية ما يزيد على 38 عاماً معلماً لم يتخلف عن الحضور يوماً واحداً في غير الأعياد والإجازات الرسمية".
الأبناء
وأكد "الفريجي" أن منهجه في تربية أولاده يهدف إلى رقيهم وتعليمهم بشكل يجعله يفخر بهم ولهذا حرص على أن يكون أبناؤه من خريجي الجامعات ومن كليات متعددة لإيمانه التام بأن درب العلم يجعل مقام صاحبه رفيعاً في الدنيا والآخرة، وتكون أسعد الأخبار لديه أخبار النجاحات العلمية والشهادات العليا.
وقال إن ابنه البكر مهندس كيميائي ويواصل دراسة الدكتوراه في تخصص الإعلام، وابنته الثانية تعمل معلمة يشهد لها كل من تتلمذ على يديها بالكفاءة، والثالثة تخرجت من قسم اللغة العربية ومعروفة بحسن التدبير والإتقان، والرابعة محاضرة واستشارية تقويم أسنان، وابنته الخامسة خاتمة للقرآن الكريم، كما أن ابنته السادسة خريجة قسم محاسبة بتقدير امتياز، ونجله السابع ريادي أعمال في مجال المقاهي، وابنته الثامنة خريجة كلية القانون بتقدير امتياز، أما آخر العنقود فهي لا تزال تدرس إلى الآن في مرحلتها الثانوية.
الرضا
وأكد المعلم السبعيني أنه راضٍ رضا تاماً بما قسمه الله تعالى له، وأن فقد بصره لم يحرمه من ممارسة أي أمنية كان يرجوها، بل إنه الآن إذا عرض عليه البصر سيختار أن يظل كما هو راضياً بقضاء الله وشاكراً لأنعمه عليه.