من دفء الحياد لـ"حضن الغرب".. ماذا يعني انضمام فنلندا والسويد لـ"الناتو"؟
بات انضمام فنلندا والسويد، إلى حلف شمال الأطلسي، أقرب من أي وقت مضى، وسط تأييد قوي من أعضاء الناتو باستثناء تركيا المعترضة على الخطوة.
واليوم الإثنين، سيكون حاسما لدخول مرحلة جديدة تنهي فيها السويد وفنلندا قرنين من الحياد، في منطقة يتصارع فيها التاريخ مع الجغرافيا، وسط صراع أزلي بين الدول الغربية، وروسيا وريثة الاتحاد السوفيتي.
فقد قرر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في السويد أمس الأحد دعم طلب العضوية، وتسعى للترشح المشترك مع فنلندا.
وستتوجه الزعيمة السويدية إلى البرلمان الإثنين "لضمان دعم برلماني واسع لتقديم ترشح للأطلسي"، ثم تتخذ حكومة البلاد قرارها بعد ذلك، ما من شأنه أن يطوي صفحة سياسة عدم الانضمام إلى أحلاف عسكرية التي استمرت أكثر من 200 عام.
وأمس الأحد أضفت فنلندا الطابع الرسمي على ترشحها لعضوية حلف الأطلسي، وسيعرض القرار اليوم على البرلمان، حيث يجب أن ينال قبول أغلبية واسعة.
ولا يبدو أن فنلندا والسويد تنظران إلى الوراء، في سعيهما للانضمام إلى الحلف، بعد حسم الجبهة الداخلية، بيد أن معارضة تركيا، وتحذيرات روسيا تبقى أهم العراقيل أمام الدولتين في لم الشمل مع باقي الجيران في "الناتو".
فماذا يعني انضمام فنلندا والسويد للحلف الأطلسي؟
القاسم المشترك بين فنلندا والسويد، في الرغبة بالارتماء في حضن الناتو، هو التخوف من مصير مماثل لأوكرانيا، التي تقع تحت وطأة عملية عسكرية روسية، دفعت كييف ضريبتها، رغم تشجيع الدول الغربية، ومحاولة تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي.
وهذا يعني أن انضمام الدولتين إلى الحلف الأطلسي، عكس رغبة روسيا، سيكون عالي المخاطر، خصوصا مع تحذير موسكو الجدي، خاصة لجارتها فنلندا من الخطوة التي أضحت قاب قوسين أو أدنى.
كما أن معارضة تركيا لانضمام فنلندا والسويد، بحجة دعمها لمنظمات مناهضة لأنقرة وتعتبرها إرهابية، سيضر بتماسك الحلف، في وقت حساس، يحتاج فيه "الناتو"، توحيد الجبهة ضد روسيا.
ويعني انضمام دولتين بحجم فنلندا والسويد، من الناحية العسكرية، توسع الناتو عسكريا، وتضييق الخناق على روسيا، التي ستجد نفسها محاصرة من دول "معادية" على حدودها، وفي المقابل سيجعل الدول الغربية، أكثر تماسكا وهم في حالة انصهار بجبهة واحدة ضد موسكو، لكن بالنسبة للعضوين المرتقبين، قد لا يكون حضن الغرب أكثر أمانا من الحياد التاريخي.
جغرافيا ساخنة
تشترك فنلندا مع روسيا في حدود طولها 1300 كيلومتر، واعتبرت موسكو أنه من الخطأ أن تنضم هلسنكي إلى الحلف الذي يضم 30 دولة على جانبي الأطلسي، مهددة بأن انضمامها إليه سيُلحق الضرر بعلاقات البلدين.
ورغم تخفيف الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو من حدة التهديدات الروسية، بقوله أمس الأحد إن أحدث نقاش بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول سعي فنلندا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كان محسوبا ولم يتضمن أي تهديدات، إلا أن موسكو تبدو جديدة في معارضتها للانضمام بل لوحت بـ"إجراءات عسكرية فنية" ضد البلدين.
وقال نينيستو في مقابلة مع شبكة تلفزيون "سي.إن.إن" الأمريكية "أكد (بوتين) أنه يعتقد أن (انضمام فنلندا إلى الحلف) خطأ. (قال) نحن لا نهددكم. أستطيع أن أقول إن النقاش كان بوجه عام هادئا ورصينا جدا".
العقبة التركية
وعلى عكس روسيا قد تكون العقبة التركية حجر عثرة يمكن تجاوزها، إذ قدمت أنقرة أمس الأحد على هامش اجتماع لوزراء الخارجية في برلين، مطالبها، التي تلخصت في شرط وقف دعم الدولتين لجماعات كردية مسلحة لها وجود على أراضيها، ورفع الحظر على بعض مبيعات الأسلحة إلى تركيا.
وهذا الشرط يمكن تحقيقه بجهود أعضاء الناتو، إذا ما أصبح العقبة الوحيدة أمام انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي، بعد تردد دام لعقود، وفرضت الأزمة الأوكرانية، تغيير الموقف بشأنه.
وبهذا الشأن قال حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في بيانات أمس الأحد، إنهما واثقان من أن تركيا لن تعرقل مساعي فنلندا والسويد للانضمام إلى التحالف العسكري الغربي مع اتخاذ الدولتين خطوات حازمة نحو الانضمام في رد فعل على العملية الروسية بأوكرانيا.
يعزز ذلك أن تركيا لا تعارض سياسة الحلف المتمثلة في الانفتاح على جميع الدول الأوروبية التي ترغب في الانضمام إليه، رغم تمسكها بشروطها، إلا أي قرار بشأن توسيع الحلف يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء وبرلماناتها.
تحول كاسح
تاريخيا التزمت كل من السويد وفنلندا الحياد طوال فترة الحرب الباردة، وسيكون قرارهما بالانضمام إلى حلف الأطلسي أحد أكبر التغييرات التي تطرأ على الهيكل الأمني لأوروبا منذ عقود، ويعكس تحولا كاسحا في الرأي العام في منطقة الشمال منذ عملية روسيا ضد جارتها أوكرانيا في فبراير/ شباط.
ورغم تعاونهما الوثيق مع "الناتو" منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، اختار البلدان الواقعان في شمال أوروبا عدم الانضمام إلى الحلف، لكن العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، أجبرت السويد وفنلندا على دراسة ما إذا كان حيادهما العسكري طويل الأمد لا يزال أفضل وسيلة لضمان أمنهما القومي.
وفور تبلور فكرة الانضمام، في أبريل/ نيسان الماضي، حذر المسؤولون الروسي من أن عضوية السويد وفنلندا في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، سيدفع موسكو إلى نشر أسلحة نووية وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في منطقة بأوروبا.
خلفية تاريخية
كانت فنلندا جزءا من السويد قبل ضمها عام 1809 إلى الإمبراطورية الروسية كدوقية ذات حكم ذاتي. وأعلنت استقلالها في ظل الثورة البلشفية عام 1917.
حين احتلها الاتحاد السوفيتي عام 1939 بعد بضعة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية، قاوم البلد طوال ثلاثة أشهر خلال ما عرف بـ"حرب الشتاء" . ومع تجدد الأعمال الحربية عام 1941، اضطرت فنلندا إلى توقيع هدنة بعد معارك استمرت ثلاث سنوات.
وبموجب اتفاقية "صداقة" وقعت عام 1948 بضغط من موسكو، وافق القادة الفنلنديون على البقاء خارج التعاون العسكري الغربي والالتزام بنظام حياد قسري عرف بمصطلح "الفنلدة".
وإن كان البلد أفلت من ضمه إلى الاتحاد السوفياتي، إلا أن موسكو فرضت سيطرتها على سياسته الخارجية والعسكرية.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995 وإلى الشراكة من أجل السلام التابعة للحلف الأطلسي، لكنها تمسكت رسميا بسياسة عدم الانحياز العسكري.
السويد من جانبها التزمت رسميا خلال قرنين بسياسة حياد موروثة من نهاية الحروب النابوليونية، ومن الحربين العالميتين.
لكنها شاركت في مهمات عسكرية في أفغانستان ومؤخرا في مالي، ولم تخض حربا منذ نزاع مع النرويج عام 1814.
وخلال التسعينيات، عدلت سياسة الحياد إلى سياسة عدم انحياز عسكري "بهدف السماح" بالحياد في حال نشوب حرب.
وبالرغم من بقائهما خارج الحلف، وطد البلدان الإسكندنافيان علاقاتهما بشكل متواصل مع الناتو الذي يعتبرهما أقرب دولتين غير عضوين.
وساهم البلدان في مهمات للحلف في البلقان وأفغانستان والعراق، كما شاركا في الكثير من التدريبات العسكرية المشتركة.
aXA6IDMuMTI5LjIxMS4xMTYg جزيرة ام اند امز