اليوم العاشر لـ«COP28».. التصالح مع الطبيعة لمعالجة تغير المناخ
لا يقتصر دور الطبيعة في تقديم الغذاء والماء ودعم جميع أشكال الحياة على الأرض فقط، وإنما يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً في ضبط المناخ.
التغيرات المناخية وتداعياتها أصبحت أمراً لا يقبل التشكيك، فدرجات الحرارة العالمية تواصل ارتفاعها لمستويات غير مسبوقة، وأنماط الطقس في أنحاء واسعة من العالم تشهد تقلبات أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن التنبؤ بها، وبات الكثير من سكان العالم يعانون، بدرجة ما، بسبب تأثيرات تغير المناخ.
تشير تقييمات الأمم المتحدة إلى أن مناخ العالم يتغير بسرعة، وهذه التغييرات واضحة للعيان وبشكل يومي، وأصبحت تداعيات تغير المناخ واسعة النطاق، بما يؤثر على الموائل الطبيعية والتنوع البيولوجي، إضافة إلى ارتباك الدورات الزراعية في أنحاء العالم، وأصبح الحصول على الماء أكثر صعوبة.
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة «UNEP»، فإن التغيرات المناخية لا تشكل فقط تهديداً على رفاهية البشر، وإنما تمتد إلى تهديد الأمن الغذائي، كما تؤدي إلى تفاقم الفقر، فالأخطار الطبيعية، مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير وموجات الحرارة، تزداد تطرفاً، وتكلّف الدول مليارات الدولارات، وتدمر المنازل والبنية التحتية وسبل العيش.
وبينما تلعب الطبيعة والأرض والمحيطات دوراً حيوياً في توفير الغذاء والماء، ودعم جميع أشكال الحياة على الأرض، بالإضافة إلى دورها الحاسم في تنظيم المناخ، والحد من التغيرات المناخية، فإن كل هذه المقومات أصبحت مهددة بمخاطر تدهور الأراضي، وتلوث المحيطات.
ويخصص مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، المنعقد حالياً في مدينة «إكسبو دبي»، بدولة الإمارات العربية المتحدة، اليوم العاشر من فعالياته، السبت 9 ديسمبر/كانون الأول 2023، لتناول موضوعات الطبيعة واستخدام الأراضي والمحيطات.
يركز مؤتمر الأطراف، في هذا اليوم، على استعراض الوضع الراهن للتنوع البيولوجي في ضوء ما يوجهه من تهديدات متزايدة، وتناول التقاطعات المشتركة بين المناخ والطبيعة، وما يجب القيام به لضمان مستقبل يزدهر فيه التنوع البيولوجي، ويكون فيه استخدام الأراضي مستداماً، وتعج المحيطات بالحياة.
الحلول المستندة على الطبيعة للحد من تغير المناخ
ووفقاً للمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن، فإنه ينبغي أن تكون الطبيعة جزءاً من استراتيجية العمل المناخي في كل بلدان العالم، باعتبار أن الطبيعة، المتاحة أمامنا الآن، تشكل أحد أكثر الطرق فعالية للحد من التغيرات المناخية.
وأكدت «أندرسن» أنه ليست هناك حلول تكنولوجية سريعة لمعالجة تغير المناخ، بذات القدر من التأثير الذي تقدمه لنا الحلول القائمة على الطبيعة، في الواقع، يمكن أن تقدم هذه الحلول أكثر من ثلث تخفيضات الانبعاثات المطلوبة عالمياً، بحلول عام 2030.
ويُقصد بالحلول المستندة على الطبيعة، إجراءات تقوم بحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية، أو تلك المعدلة، وتديرها بشكل مستدام، وتتصدى للتحديات المجتمعية، وبالتالي فإن الحلول المستندة على الطبيعة توفر، في وقت واحد، فوائد لرفاهية الإنسان وللتنوع البيولوجي.
ويؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه سواء كنا نتعامل مع الأمن الغذائي أو تغير المناخ أو الأمن المائي أو مع صحة الإنسان أو مخاطر الكوارث أو التنمية الاقتصادية، فإن الطبيعة يمكن أن تساعدنا في إيجاد السبيل إلى حل، ويعتبر أن تغير المناخ هو جزء مهم جداً من الحلول التي نبحث عنها.
هناك العديد من الطرق للتصدي لتغير المناخ، غير أن واحدة من أكثر الطرق فاعلية وأسرعها تأثيراً، هي أن نستخدم ما في متناول اليد، وهو الطبيعة نفسها.
وفي مثال على ذلك، يمكن أن تركز الحلول المستندة إلى الطبيعة على تقليل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات والممارسات الزراعية، وبالتالي تعزز قدرة النظم الإيكولوجية الطبيعية على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو، وبالتالي تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
- اليوم التاسع لـ«COP28».. الشباب يصنعون الفارق في معركة المناخ
- اليوم السابع لـ«COP28».. وضع المدن الخضراء على المسار الصحيح
الاستثمار في حلول الطبيعة ضمن الخطط الوطنية
تعتبر «أندرسن» أن المطلوب، وبشكل عاجل، هو زيادة الاستثمار لفتح إمكانات الطبيعة، فهذه الحلول تتلقى حاليا أقل من 3% من تمويل العمل المناخي المتاح، رغم أنها فعالة للغاية من حيث التكلفة، وهي توفر عائداً مرتفعاً جداً على الاستثمار، يمكن أن يضيف تريليونات الدولارات إلى الاقتصاد العالمي.
وعلى سبيل المثال، يمكن لبناء الجدار الأخضر الكبير، وهو مشروع طموح لوقف التصحر في منطقة الساحل في أفريقيا، أن يوفر 10 ملايين وظيفة في المنطقة بحلول عام 2030، ويمكن أن تكون له فوائد أخرى، بما في ذلك الإبطاء من حركات الهجرة والنزوح من المناطق المتأثرة.
وتقول المديرة التنفيذية لبرنامج «UNEP» إنه ينبغي دمج هذه الحلول في جهود التكيف والتخفيف من آثار المناخ، على الصعيد العالمي، ويجب على الحكومات أن تنسق جهودها، وأن تلتزم بالاستثمار في هذه الحلول كجزء من سياساتها واستراتيجياتها الوطنية للعمل المناخي.
وتشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «IPCC» إلى أنه لا يمكن الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى 1.5 درجة مئوية، دون الحلول المناخية القائمة على الطبيعة، والتي لديها القدرة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 12 غيغاطن سنوياً، أي ما يعادل إجمالي الانبعاثات الصادرة من جميع محطات الفحم العاملة في العالم.
وفي الوقت نفسه، من المهم أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل، في مقدمتها أن الطموح المتزايد يتطلب منا أن نلتزم بالتحول إلى الطاقة المتجددة، وبزيادة الاستثمارات في الطبيعة في آن واحد، كما يجب أن نأخذ في اعتبارنا أننا إذا لم نعمل على التصالح مع الطبيعة من الآن، فإن قدرتها على حماية ودعم مقومات الحياة على كوكب الأرض ستتأثر بشكل كبير.
عقد حاسم في جهود التصدي لتغير المناخ
وتعتبر رزان المبارك، رائدة الأمم المتحدة للمناخ لدى مؤتمر الأطراف «COP28»، ورئيسة الاتحاد الدولي لصون الطبيعة «IUCN»، أن هذا العقد من الزمان، هو عقد حاسم في جهود التصدي للتغيرات المناخية، كما أن عام 2023 الجاري، هو عقد حاسم أيضاً للإجابة على التساؤل المهم: «إلى أي مدى نحن مستعدون للتحرك لتأمين مستقبل آمن وصحي ومزدهر لنا ولأبنائنا؟».
ودعت رائدة الأمم المتحدة للمناخ إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات المناخية التطوعية الفاعلة من قبل القطاع الخاص والحكومات المحلية والمجتمع المدني، وأكدت أن خفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030، أصبح ضرورة ملحة لتجنب الآثار المناخية الأشد إيلاماً والأكثر تكلفة.
وأضافت أنه مع الاعتراف بأننا بعيدون عن المسار الصحيح، إلا أن الأوان لم يفت بعد لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وأكدت أن العالم متأخر بالفعل في تنفيذ اتفاق باريس، وتحقيق هدفه المتمثل في الحد من الاحترار الناتج عن النشاط البشري إلى 1.5 درجة مئوية فقط فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ورأت «المبارك» أن مثل هذه الحالة الطارئة تتطلب حلاً يشمل مواهب كافة عناصر المجتمع، ويستغلها أفضل استغلال، وأضافت أنه إلى جانب الإجراءات الحكومية، نحتاج إلى تحرك مكثف من قبل الشركات والبلديات والمنظمات غير الحكومية والشعوب الأصلية والشباب والنساء.
أبرز جلسات يوم الطبيعة واستخدام الأراضي والمحيطات
يتضمن برنامج مؤتمر الأطراف «COP28» تنظيم العديد من الجلسات والفعاليات والأحداث الجانبية، إضافة إلى مجموعة من المؤتمرات الصحفية، ضمن يوم الطبيعة واستخدام الأراضي والمحيطات، منها:
- من الاتفاق إلى العمل: تسخير 30 × 30 لمعالجة تغير المناخ.
- قيادة التنفيذ المتكامل للأطر الوطنية للمناخ والتنوع البيولوجي لإجراءات عام 2030.
- تعزيز اختراقات المحيط من خلال التخطيط المستدام للمحيطات.
- الإنجاز في غلاسكو: وقف وعكس مسار فقدان الغابات بحلول عام 2030.
- الاجتماع الوزاري لتحالف الطموح العالي من أجل الطبيعة والناس.
- المائدة المستديرة الوزارية السنوية رفيعة المستوى لعام 2023 حول طموح ما قبل عام 2030.
- منتدى المناخ للشباب بشأن التنوع البيولوجي والتكيف.
فعاليات يوم الطبيعة في «المنطقة الخضراء»
وتستضيف المنطقة الخضراء لمؤتمر الأطراف «COP28» مجموعة من الفعاليات، تركز على الطبيعة واستخدام الأراضي والمحيطات، والتحديات الأساسية التي تؤثر على الكوكب والتنوع البيولوجي، منها:
- يستضيف مركز تواصل للمؤتمرات الاجتماع الوزاري بشأن «تحالف القرم من أجل المناخ»، لإلقاء الضوء على الدور الحيوي لأشجار القرم في توفير الموائل الطبيعية للتنوع البيولوجي.
- يستعرض الاجتماع «مبادرة تنمية القُرم»، التي تركّز على هدف استعادة وحماية 15 مليون هكتار من غابات القُرم بحلول عام 2030.
- جلسة نقاشية عامة، تضم صُناع الأفلام الوثائقية الأكثر تأثيراً على مستوى العالم، لعرض تجاربهم الحية مع تغيرات المناخ، أثناء صناعة أفلامهم الوثائقية عن عالم الطبيعة.
- جلسة حوارية بعنوان «عوامل تمكين النُظّم البيئية: دمج الحلول المناخية والتنوع البيولوجي»، تحت رعاية «صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية».