نواف الأحمد الصباح.. سيرة قائد تتوج مسيرة وطن
تحمل احتفالات الكويتيين بأعيادهم الوطنية هذا العام طابعا خاصا، كونها تعد الأولى في عهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد.
وتحل الاحتفالات فيما يسعى أمير الكويت بكل قوة وعزم وحزم إلى توفير الخير والرفاهية للمواطن الذي يبادله الحب والولاء في صورة تجسد أسمى معاني التفاف الشعب حول القيادة.
وتحتفل الكويت في 25 فبراير/شباط من كل عام بعيدها الوطني، وهو ذكرى استقلالها من الاستعمار البريطاني قبل 60 عاما، كما تحتفل في 26 فبراير/شباط بعيد التحرير، بمناسبة ذكرى تحريرها في 26 فبراير 1991 من الغزو العراقي في 2 أغسطس/آب 1990.
الكويتيون يحتفلون بتلك الذكرى وهم يستذكرون مسيرة عطاء الشيخ نواف، الذي يعد أحد مؤسسي الكويت الحديثة الذين ساهموا في إرساء دعائم الدولة وشارك في عمليات النهضة والبناء والتنمية التي شهدتها البلاد عقب الاستقلال في 19 يونيو/حزيران 1961.
رحلة عطاء وإنجازات استمرت نحو 59 عاما، بدأت بتوليه منصب محافظ حولي بعد عام واحد من الاستقلال، ثم تولى عددا من الحقائب الوزارية بينها الداخلية والدفاع والشؤون الاجتماعية والعمل، وترك فيها جميعا بصمات واضحة وإنجازات بارزة.
سيرة حافلة بالإنجازات، دفعت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل إلى تزكيته لولاية العهد في 7 فبراير/شباط 2006، نظرا إلى ما عهد فيه من صلاح وجدارة وكفاءة تؤهله لتولي هذا المنصب، ليظل على مدى ١٥ عاما خير عضد ومساعد للشيخ صباح في استكمال مسيرة البناء والنهضة التي تشهدها الدولة حتى وافته المنية.
مسيرة يواصلها الشيخ نواف بعد توليه مقاليد الحكم، خلفا لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، ليكون الحاكم السادس عشر للبلاد.
وتولى الشيخ نواف مقاليد الحكم في مرحلة مليئة بالتحديات، أبرزها انتشار جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط، إلا أنه تعهد عقب توليه الحكم أن يبذل غاية جهده وكل ما في وسعه "حفاظًا على رفعة الكويت وعزتها وحماية أمنها واستقرارها وضمانة كرامة ورفاه شعبها".
مولده ونشأته
ولد الشيخ نواف في 25 يونيو/حزيران 1937م في مدينة الكويت، وهو النجل السادس لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح الذي حكم الكويت في الفترة من عام 1921م وحتى عام 1950م.
نشأ وترعرع في بيوت الحكم منذ ولادته، وهي بيوت تعتبر مدارس في التربية والتعليم والالتزام والانضباط، وإعداد وتهيئة حكام المستقبل، الأمر الذي كان له أثر على شخصيته.
درس في مدارس الكويت المختلفة وتميز بالحرص على مواصلة تحصيله العلمي، وظلت هذه الصفة تلازمه فيما بعد وتجلت بتشجيعه لطلبة العلم في مختلف مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي والعالي، انطلاقا من رؤيته بأهمية التحصيل العلمي الذي يعتبر أساس تقدم المجتمعات ورقيها.
أول منصب
بدأ الشيخ نواف رحلة عمله السياسي وهو في الخامسة والعشرين من عمره، بتولي منصب محافظ حولي في 12 فبراير/شباط 1962، وذلك بعد نحو عام من الاستقلال.
واستمر في هذا المنصب على مدى 16 عاما، نجح خلالها في تحويل المحافظة التي كانت عبارة عن قرية إلى مدينة حضارية وسكنية وتجارية تعج بالنشاط التجاري والاقتصادي، وأصبح العمران الحديث ينمو بالمحافظة في كل اتجاه.
ونظرا لحبه للناس، كان كثيراً ما يتدخل بصفة شخصية لحل الكثير من المشاكل الأسرية والحفاظ على خصوصيتها.
وبعد توليه منصب محافظ حولي لمدة 16 عاما، تولى الشيخ نواف حقيبة وزارة الداخلية في 19 مارس/آذار 1978، وكان هاجسه في بداية تسلم حقيبة الداخلية أن يحفظ لبلاده أمنها واستقرارها وأن يحمي حرية المواطن وكرامته، مثلما يدعم أمنه.
وحقق خلال توليه المنصب نقلة نوعية في أداء وزارة الداخلية، قبل أن يتولى في 26 يناير/كانون الثاني 1988 حقيبة وزارة الدفاع.
مهام وزارية
وبعد توليه المنصب قام بتطوير العمل بشقيه العسكري والمدني، وعمل على تحديث وتطوير معسكرات وزارة الدفاع ومدها بكل الأسلحة والآليات الحديثة، واهتم بإيفاد البعثات إلى الدول الصناعية العسكرية للتدرب على قيادة الطائرات العسكرية والتدريب على قيادة الطائرات الحربية وكل أنواع الأسلحة والمدرعات والمدافع التي يستخدمها الجيش الكويتي.
وحرص الشيخ نواف على تضمين عقود شراء الأسلحة بنوداً تنص على تدريب العسكريين الكويتيين عليها وصيانتها.
واستحدث الشيخ نواف في الوزارة إدارة العقود الخاصة إضافة إلى الإدارة القانونية.
تحرير الكويت
وعندما تعرضت الكويت إلى الغزو العراقي عام 1990 ساهم الشيخ نواف الأحمد في القرارات الحاسمة لمواجهة الاحتلال، وجند كل الطاقات العسكرية والمدنية من أجل تحرير دولة الكويت، وأدى دورا في قيادة المقاومة وتأمين وصول الشرعية للمملكة العربية السعودية إلى جانب قيادته للجيش.
وعند تشكيل أول حكومة كويتية بعد حرب تحرير الكويت وعودة الشرعية تم تكليف الشيخ نواف بحقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في 2 أبريل/نيسان 1991، حيث قال حينها: "أنا جندي أقبل العمل في أي مكان يضعني فيه أمير البلاد".
وفور مباشرته العمل كوزير للشؤون الاجتماعية والعمل سارع الوزير الإنسان إلى اتخاذ قرارات إنسانية لرعاية الأرامل والأيتام والمسنين، وبرهنت أعماله على أنه خير نصير للطفل والمرأة والأرملة والمسن والعامل.
كما قام باستحداث مستشفى خاص لنزلاء دور الرعاية أثناء توليه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، واستحدث منصب وكيل مساعد للشؤون القانونية في وزارة الشؤون.
وفي 16 أكتوبر 1994 تولى منصب نائب رئيس الحرس الوطني، فترك بصمته المميزة على هذا المرفق الأمني الحيوي، حيث عمل على تطوير المنظومة العسكرية للحرس وجعله الذراع اليمنى للقوات المسلحة.
وفي 13 يوليو/ تموز 2003، تم تعيين الشيخ نواف مجددا وزيرا للداخلية.
تأسيس وزارة الداخلية
ويعتبر الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الأب الروحي لرجال الأمن والمؤسس الحقيقي لوزارة الداخلية بشكلها الحديث وإدارتها المختلفة، خلال توليه مسؤولية الوزارة على مدى فترتين، الأولى من مارس/آذار 1978 إلى يناير/كانون الثاني 1988 والثانية من 2003 إلى فبراير/شباط 2006، وإنجازاته وهو يقود هذه المؤسسة الأمنية الراسخة يشهد بها الجميع.
فقد حرص على مجاراة العصر ومواكبة التقدم العالمي في مجال الأمن، إذ عمل على تطوير وتحديث جميع القطاعات الأمنية والشرطية وتوفير الإمكانات المادية للنهوض بالمستوى الأمني وإدخال الأجهزة الأمنية الحديثة ورسم استراتيجية منظومة أمنية متكاملة لمكافحة الجريمة.
وحرص على الاستفادة من الثورة المعلوماتية في العالم من خلال توظيف تطبيقاتها التكنولوجية المتقدمة في عمل الأجهزة الأمنية المختلفة مثلما فعل بكل الوزارات التي تولى مسؤوليتها.
كما وضع استراتيجية أمنية دقيقة لمنظومة شاملة تحمي الحدود برا وبحرا، إذ ترصد المنظومة الإدارية كل شبر من أرض الكويت فيما تغطي القواعد البحرية المياه الإقليمية والجزر، أما المراكز الحدودية فتغلق الطرق أمام المتسللين وضبط كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار البلاد.
ومن أبرز إنجازات الشيخ نواف استحداثه للإدارة القانونية في وزارة الداخلية وإدارة شؤون المختارين، كما أنه استحدث إدارة للانتخابات وساهم في تطوير العمل الشرطي.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2003، صدر مرسوم أميري بتعيين الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى منصبه كوزير للداخلية.
مكافحة الإرهاب
وحققت الرؤية الأمنية الثاقبة له ثمارها، خصوصا في التعامل مع الحوادث الإرهابية في البلاد كالتي حدثت في يناير/كانون الثاني عام 2005، حيث قاد بنفسه المواجهة ضد الإرهابيين وكان موجودا في مواقع تلك الأحداث لاستئصال آفة الإرهاب في البلاد من جذورها.
وعلى الصعيد الإقليمي، أولى الشيخ نواف الأحمد أهمية كبرى لأمن دول الخليج العربي فمن خلال مشاركته في اجتماعات وزراء الداخلية للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تم تحقيق قدر كبير من التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن بهدف مجابهة المخاطر التي تهدد المنطقة ودولها وعلى رأسها الإرهاب.
وأكد الشيخ نواف أن الأمن العربي وحدة واحدة وكل لا يتجزأ وانطلاقا من هذه الرؤية الاستراتيجية كانت مشاركاته في اجتماعات وزراء الداخلية العرب التي أسفرت عن إجماع عربي على محاربة الإرهاب ودعم جهود العمل الأمني المشترك وأهمية تبني الحلول العلمية الشاملة لمواجهة مخاطر الإرهاب والمخدرات وغسل الأموال والفساد وسائر القضايا الأمنية الأخرى.
ولاية العهد
ومع تولي أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم في البلاد، أصدر الشيخ صباح أمرا أميريا بتزكية الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ولياً للعهد في 7 فبراير/شباط من العام نفسه.
وفي 20 فبراير/شباط من الشهر ذاته، بايع مجلس الأمة بالإجماع الشيخ نواف ولياً للعهد، وأدى اليمين الدستورية أمام أمير الكويت والمجلس في اليوم نفسه.
وأكد النواب خلال جلسة المبايعة أن الشيخ نواف "رجل يجمع على محبته الشعب الكويتي"، معتبرين أنه صاحب "شخصية لا يختلف عليها اثنان". واستذكروا مواقفه المشرفة في خدمة البلاد من خلال توليه العديد من المسؤوليات مؤكدين أنه "رجل الخير والمواقف".
تولي مقاليد الحكم
وبعد وفاة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، نادى مجلس الوزراء الكويتي، بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أميرًا للبلاد وفقًا للدستور والمادة الرابعة من قانون توارث الإمارة.
وعقد مجلس الأمة الكويتي، في اليوم التالي، جلسة خاصة، أدى خلالها الشيخ نواف الأحمد اليمين الدستورية أميرا للبلاد، متعهدا بالسير على نهج الأمير الراحل.
واستهل الشيخ نواف عهده بإكمال مسيرة الوساطة الكويتية التي بدأها الأمير الراحل، وكللت مساعيه بتعزيز الحوار الخليجي والتضامن بين دول مجلس التعاون في القمة الخليجية 41 التي استضافتها مدينة العلا السعودية 5 يناير/كانون الثاني الماضي.
على الصعيد الداخلي، وإدراكا منه لحجم التحديات في تلك المرحلة في ظل انتشار جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، حرص الشيخ نواف منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم بالتأكيد على أهمية وحدة الصف في مواجهة التحديات.
وتعهد في أول كلمة عقب أدائه اليمين الدستورية أميرا للكويت على "أن يبذل غاية جهده وكل ما في وسعه حفاظًا على رفعة الكويت وعزتها وحماية لأمنها واستقرارها وضمانة لكرامة ورفاه شعبها".
ومضى بالفعل لتحقيق ذلك، حيث أجريت أول انتخابات برلمانية في عهده 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي كلمته، خلال افتتاح أولى جلسات أول مجلس أمة (البرلمان) ينتخب بعد توليه الحكم، 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي دعا إلى وضع برنامج إصلاحي شامل لمواجهة التحديات.
وبين أن "نجاح برنامج الإصلاح الشامل يتطلب وعيا مسؤولا وتعاونا فعالا بين مجلس الأمة والحكومة وحزما في تطبيق القانون، وتغليب الحوار الإيجابي المسؤول الذي يوحد ويجمع ويتجنب الفرقة والانقسام ويحقق المصلحة الوطنية المشتركة".
ويواصل الشيخ نواف مسيرة الحب والعطاء للكويت وأهلها، وجهوده المتواصلة للحفاظ على استقرار الكويت وتحقيق الخير والازدهار لأبنائها.