قرار «الجنائية الدولية».. خبراء يكشفون الآثار القانونية والسياسية
وصفوه بأنه «فارق في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي»، هكذا تحدث خبراء قانون ومسؤول فلسطيني عن قرار «الجنائية الدولية»، الصادر الخميس، كاشفين عن آثاره القانونية والسياسية.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخميس مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب في غزة، القائد العسكري لحركة حماس محمد الضيف خلال هجوم السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل.
ومن حيث المبدأ، فإنه من شأن قرار المحكمة أن يقيّد تنقّلات نتنياهو إذ يتوجّب على أيّ من الدول الأعضاء الـ125 في هذه الهيئة توقيفه في حال دخوله أراضيها.
وطالب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الخميس الدول الأعضاء في المحكمة والبالغ عددها 125 بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف التي أصدرتها بحق كل من نتنياهو وغالانت، بالإضافة إلى القائد العسكري لحركة حماس محمد الضيف.
الاختصاص القضائي
وتحدث خبراء في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" عن الاختصاص القضائي للمحكمة، والآثار القانونية المترتبة على مذكرة الاعتقال، مؤكدين أن "المجتمع الدولي ملزم بتنفيذ القرار كمسئولية قانونية وسياسية وأخلاقية".
ويقول الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، في حديث لـ"العين الإخبارية" إن الاختصاص القضائي للمحكمة يشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أن فلسطين عضو في نظام روما الأساسي منذ عام 2015.
وأوضح أستاذ القانون الدولي، أن المحكمة الجنائية الدولية تمتلك السلطة القضائية للنظر في الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية، حتى وإن كانت إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، وذلك لأن الجرائم المزعومة وقعت على أراضي دولة طرف في المحكمة.
الآثار القانونية
وأضاف الخبير المصري، أن الآثار القانونية المترتبة على إصدار مذكرة اعتقال، تشمل إلزام الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بتنفيذ مذكرة الاعتقال حال دخول المتهمين أراضيها، مع تقييد حركة المتهمين دولياً وخاصة في الدول الأعضاء في المحكمة.
وأشار إلى إمكانية تجميد الأصول المالية للمتهمين في الدول الأعضاء، فضلا عن التأثير على العلاقات الدبلوماسية والسياسية لإسرائيل مع المجتمع الدولي.
وبحسب الخبير القانوني، فإن المدعي العام للمحكمة كريم خان قدم أدلة موثقة حول ارتكاب جرائم حرب في غزة، مؤكداً أن التحقيقات الجارية تشمل الهجمات العشوائية على المدنيين والمستشفيات والمدارس ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
وحول التحديات التي قد تواجه تنفيذ مذكرات الاعتقال، أوضح الدكتور مهران أن عدم تعاون إسرائيل مع المحكمة وحماية حلفائها لها، قد يعيق تنفيذ المذكرات، لكنه أكد أن مجرد إصدارها سيشكل ضغطاً قانونياً ودولياً كبيراً.
وشدد مهران علي انه رغم التحديات السياسية والعملية، فإن إصدار مذكرات اعتقال بحق القيادة الإسرائيلية يعد سابقة تاريخية في مجال العدالة الجنائية الدولية، ويؤكد أنه لا أحد فوق القانون الدولي.
قرار سياسي؟
بدوره، قال الدكتور مجيد بودان الخبير في القانون الدولي وأستاذ العلاقات الدولية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن قرار الجنايات الدولية ضد نتنياهو وغالانت، قانوني وليس سياسيا، حيث إنه مبني على تحقيق طويل موثق به أدلة قامت بها أجهزة المدعي العام للمحكمة، والشرطة الدولية ووسائل الإعلام.
وبين بودان، أن تلك الأجهزة أسست القناعة بأن هذه الجرائم التي أتهم بها نتنياهو وغالانت موجودة حقيقية شاهدها العالم بأكمله وموثقة بشكل ثابت، مردفا: "القرار لم يصدره المدعي العام، لكنه قدم طلب ونظرت فيه المحكمة والأخيرة تأكدت أن الأدلة ثابتة، لذا أصدرت قرارها".
واجب التنفيذ
وذهب الخبير في القانون الدولي المقيم في فرنسا، إلى أن "قرار المحكمة بات ملزما ووجوبيا على كل الدول التي صادقت على معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية لدولية وخاصة دول الاتحاد الأوروبي".
وفي تفسيره، قال إنه "إذا ذهب نتنياهو أو غالانت إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي، فيجب على هذه الدولة تطبيق القرار، وإن لم تفعل فإن المسؤولين فيها يمكن محاكمتهم".
ووفقا للخبير في القانون الدولي فإن "نتنياهو سيحد خلال الفترة الحالية من تنقلاته والسفر للبلاد التي تلتزم بمعاهدة محكمة الجنايات الدولية.
ودلل بودان على أهمية قرار المحكمة اليوم، وأنها واجب التنفيذ، بإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تراجع عن زيارة جنوب أفريقيا في أغسطس 2023، وقت انعقاد قمة مجموعة بريكس في البلاد، بعد أن أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه في مارس 2023، بناء على ارتكاب جرائم حرب بشأن خطف أطفال من أوكرانيا.
وأصدرت الرئاسة في جنوب إفريقيا - وهي عضو في المحكمة الجنائية الدولية- وقتها بيانا أعلنت فيه أن الرئيس الروسي لن يحضر قمة بريكس، بناء على "أمر متفق عليه بين الطرفين". وأوضحت الرئاسة في بيان أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيمثل روسيا في القمة بدلا من الرئيس.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الخميس، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت لن يتمكنا "على ما يبدو" من زيارة 120 دولة، بعد القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية: "هناك أكثر من 120 دولة عضو في المحكمة، لذا على ما يبدو لن يتمكن نتنياهو وغالانت من زيارتها".
قرار فارق
وفي تعليق على القرار، وصفه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور أحمد مجدلاني، بأنه "تاريخي وفارق في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي".
وقال مجدلاني في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه للمرة الأولى تخضع إسرائيل للمساءلة والمحاسبة ولم تعد فوق القانون الدولي، ولم يحمها الغطاء السياسي والدبلوماسي الأمريكي من ملاحقة القضاء الدولي".
وأضاف مجدلاني الذي يشغل أيضا الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، أن "قرار المحكمة الدولية يعزز من مصداقية المؤسسات القضائية"، معتبرا القرار "بداية مساءلة ومحاسبة إسرائيل على كل جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني".