أوروبا ومعضلة «ضمانات أوكرانيا».. عقبات على طريق «صك الأمان»

يحاول حلفاء كييف إيجاد طريقة لحمايتها من هجوم روسي آخر في حالة التوصل إلى اتفاق سلام، لكنهم لم يقتربوا بعد من إيجاد حل.
وعلى الرغم من الضغوط التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، واضح في أن بلاده لن توافق على اتفاق سلام مع روسيا إلا إذا كان مدعومًا بضمانات أمنية صارمة.
وأخبر ترامب، زيلينسكي والقادة الأوروبيين خلال اجتماعهم، يوم الإثنين، أن أوكرانيا ستحظى بحماية من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ”مماثلة للمادة 5“، لكنه لم يذكر أي تفاصيل.
ويوم الثلاثاء، تناول ”تحالف الراغبين“ من حلفاء كييف هذه القضية، بينما يقود وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لجنة تضم مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين لوضع ضمانات أمنية.
وقال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، في بيان صدر يوم الثلاثاء، إن فرق التخطيط ستجتمع ”في الأيام المقبلة لتعزيز الخطط الرامية إلى تقديم ضمانات أمنية قوية والاستعداد لنشر قوة طمأنة في حالة انتهاء الأعمال العدائية“.
مشكلة ضخمة
ووفق مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن الضمانات مشكلة ضخمة، واجهها حلفاء كييف مرات عديدة على مدى السنوات الثلاث الماضية دون التوصل إلى حل.
الحل الأكثر وضوحًا، وهو الحل الذي تريده كييف، هو السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث ستتمتع بحماية المادة 5 من ميثاق الدفاع المشترك للحلف. لكن الولايات المتحدة بدعم خفي من بعض الدول الأوروبية استبعدت هذا الخيار، وفق المجلة.
وعلى حد قول "بوليتيكو"، فإن الاضطرار إلى نشر مهمة مخصصة لضمان وقف إطلاق النار في حال حدوثه، يفتح الباب أمام تعقيدات هائلة. أي دولة سترسل قواتها؟ ما هي شروط نشرها؟ كيف ستكون ردود أفعالها في حالة تعرضها لهجوم؟ من سيتحمل التكاليف؟
ويوم الثلاثاء، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لن تنشر جنودًا في أوكرانيا. وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، للصحفيين: ”أستطيع أن أؤكد لكم استبعاد إرسال قوات برية بشكل قاطع“.
في السياق ذاته، كان الرئيس الأمريكي صريحًا بشأن من يجب أن يتحمل العبء، وقال في ظهور على قناة فوكس نيوز: ”لدينا الدول الأوروبية، وهي ستتحمل العبء في البداية“، مضيفًا: ”فرنسا وألمانيا، واثنتان أخريان، والمملكة المتحدة، يريدون كما تعلمون، وجود قوات على الأرض“.
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأمر في وقت سابق من يوم الثلاثاء، حيث صرح للتلفزيون الفرنسي بأن أوروبا مستعدة لنشر ”قوات طمأنة“؛ بريطانية وفرنسية وألمانية وتركية وغيرها، للقيام بعمليات ”في الجو والبحر والبر“.
"الكثير من الكلام"
ولكن وراء الكلمات الكبيرة تكمن حقيقة فوضوية.
وعلى الرغم من كل الحديث عن ”القوات على الأرض“، لا يزال الشكل الدقيق لضمانات الأمن الأوكرانية غير محدد، وهذا الغموض يزرع البلبلة بين حلفاء كييف، وفق "بوليتيكو".
وحذر مسؤول أمني أوروبي من أن أي قوة ستحتاج على الأقل إلى ”تفويض قتالي“ للدفاع عن نفسها في حالة تعرضها لهجوم من روسيا، لكنه شدد على أن مثل هذه المهمة لن تكون مسؤولة عن فرض السلام.
كما أن عدم وجود تعريف واضح للضمانات الأمنية يكشف عن نقاط ضعف أولئك الأكثر حرصًا على القيادة.
على سبيل المثال، ماكرون وكير ستارمر كلاهما زعيمان لدولتين نوويتين لهما مقاعد في مجلس الأمن الدولي، وحريصان على إظهار أنهما لا يزالان يلعبان دورًا رئيسيًا على الساحة العالمية. ومع ذلك، يواجه كلاهما عقبات سياسية واقتصادية تغذي الشكوك حول قدرة بلديهما على إرسال قوات إلى أوكرانيا.
وقال أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي لـ"بوليتيكو": ”إذا أخذنا في الاعتبار مدى ضعف ماكرون وستارمر سياسياً (في الداخل)، فليس من السهل تصور كيف ستسير هذه الخطة. إنها ليست فترة سهلة من الناحية الاقتصادية“.
أما ألمانيا، فما زالت مترددة في نشر قوات، إذ أكد النائب الاشتراكي الديمقراطي أندرياس شوارتز، المسؤول عن الرقابة البرلمانية على ميزانية الدفاع في البلاد: ”هذا قرار يجب أن يتخذه البرلمان“، وليس قرارًا تنفيذيًا.
وقال شوارتز: ”نحن ببساطة لا نملك العدد الكافي من الأفراد لتشكيل قوة كبيرة. حتى نشر قوة صغيرة سيكون تحديًا“.
موقف أطراف أخرى
في المقابل، يمكن لتركيا، بجيشها الكبير وخبرتها في البحر الأسود، أن تلعب دورًا رئيسيًا. لكن الوضع السياسي معقد أيضًا، حيث تتخوف اليونان وقبرص من السماح لأنقرة بالوصول إلى أي أموال من الاتحاد الأوروبي لتمويل جيشها.
بولندا، التي تمتلك الآن أكبر جيش في الاتحاد الأوروبي، تستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا، بينما تقول إنها ستساعد في الجوانب اللوجستية لأي مهمة في الشرق.
أما رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني فتبدو حذرة أيضًا حيال إرسال جنود إلى أوكرانيا، وتجادلت مع ماكرون، مؤكدة أنه من الحكمة تقديم اتفاقية دفاعية لأوكرانيا بدلاً من إرسال قوات، قد تتورط في حرب مع روسيا.
ونقلت صحيفة إيطالية عن ميلوني قولها: ”إذا مات أحد جنودنا، فهل سنتظاهر بأن شيئًا لم يحدث أم يجب أن نرد؟ لأنه إذا ردنا، فمن الواضح أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" سيضطر إلى القيام بذلك. وعندئذٍ قد نضطر إلى تفعيل البند [المادة 5] على الفور“.
الأكثر من ذلك، هناك سبب آخر يدعو إلى الحذر. فعلى الرغم من الأجواء الدافئة التي أعقبت قمة ألاسكا الودية بين فلاديمير بوتين وترامب، فإن موسكو تعارض بشدة نشر أي قوات تابعة لحلف "الناتو" في أوكرانيا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز