"جيل جديد" يصنع "انتفاضة ثالثة".. خوف إسرائيلي من "تحركات غير معتادة"
على مدار سنوات، اعتاد الجيش الإسرائيلي دخول المدن الفلسطينية لاعتقال نشطاء في جنح الليل، والخروج منها بمعتقلين جدد، لكن الحال تبدل.
فمنذ عدة أشهر وبالأخص في الأسابيع الأخيرة، بات الجيش الإسرائيلي يواجه جيلا جديدا من الشبان الفلسطينيين المسلحين الذين يحولون عمليات الاعتقال المعتادة، إلى اشتباكات مسلحة.
ومع ارتفاع منسوب هذه الاشتباكات المسلحة، التي بدأت في جنين وانتقلت إلى نابلس في شمالي الضفة الغربية وباتت تظهر معالمها في وسط الضفة أيضا، برزت مخاوف إسرائيلية من أن تتدحرج إلى انتفاضة جديدة.
وقال تل ليف رام، في مقال بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية: "يوجد ارتفاع كبير في عدد الأحداث، والإحساس في جهاز الأمن أيضاً أن الميدان قريب من تصعيد أكبر يجرى حالياً بالأساس في شمال الضفة الغربية".
وأضاف أن "المسألة الفلسطينية غير موجودة في رأس جدول الأعمال السياسي والأمني"، مستدركا "غير إيران، وتهديدات "حزب الله" في الشمال، وانعدام الاستقرار الدائم في قطاع غزة، فإن جبهة الضفة الغربية تحلل الآن في جهاز الأمن الإسرائيلي بأنها الجبهة الأكثر تفجراً، إذ إن احتمالات التصعيد فيها أعلى مما هو في مناطق أخرى".
وأشار إلى أنه من "بين إعداد خيارات عسكرية لإيران، والاستعداد للحرب مع حزب الله، وتهديدات كبيرة أخرى، فإن الساحة الفلسطينية هي التي تتطلب في نهاية الأمر من جهاز الأمن استثمار مقدرات عديدة كانوا يفضلون استثمارها في أماكن أخرى".
أرقام مفزعة
آفي يسسخروف وصف في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ما يجري بأنه "بزوغ الجيل الجديد من المقاتلين الفلسطينيين".
وقال في مقال طالعته "العين الإخبارية": "البداية كانت في منطقة جنين ومخيم اللاجئين في المدينة، لكن بسرعة شديدة انتقل المركز إلى نابلس وبعدها إلى القرى المحيطة، ثم على مسافة غير بعيدة عن رام الله، بمعنى أن المسلحين لا يتواجدون فقط في شمال الضفة، والانزلاق يحدث باتجاه رام الله".
ولفت إلى أن "قادة الجيش والشاباك ينتظرهم تحد غير بسيط على أقل تقدير في الأيام القادمة، وتشهد الإحصائيات على ذلك أكثر من أي شيء آخر".
وأوضح أنه "إلى جانب أكثر من 60 عملية إطلاق نار في أنحاء الضفة، أُحصيت حتى منتصف أغسطس/آب هناك أيضا 60 حادثة إطلاق نار نحو القوات الإسرائيلية أثناء أعمال الاعتقال والاقتحامات لمناطق السلطة الفلسطينية".
ونوه إلى أن "الحديث يدور عن أرقام أعلى مما جرى في 2020 كاملا، فضلا عن 220 عملية إطلاق نار أخرى أحبطها الشاباك والجيش في الضفة الغربية في الأشهر الماضية".
يسسخروف قال أيضا "لقد بات الحديث يدور عن أرقام مفزعة لم نعتد على مثيل لها في العقد الأخير".
ولفت إلى أن المسلحين الفلسطينيين "يختلفون عن أولئك الذين عرفناهم في السنوات الأخيرة.. وبقدر كبير يمكن القول إنهم أكثر شجاعة، ويسعون إلى القتال، ويرفضون الاستسلام بسهولة".
وذكر المحلل الإسرائيلي أن المسلحين "من الطراز الجديد لا يحملون انتماء تنظيميا واضحا، ويمكنهم في يوم ما أن يلتقطوا لأنفسهم الصور مع عصبة (الجهاد الإسلامي) على الرأس، وفي يوم آخر بقميص كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح"، مضيفا "أصبح التنظيم أقل أهمية بينما الهوية المحلية مهمة أكثر".
وحول دلالات المشهد الحالي، قال إن الدور المتزايد لرجال "الجهاد الإسلامي" في عمليات إطلاق النار، وكذلك نشطاء "فتح" الذين يتعاونون معهم حاليا، يثير الاشتباه بأننا نشهد تطورا يتجاوز العفوية".
ومضى مستطردا: "يحتمل أن يكون الحديث يدور عن محاولات من إيران وحزب الله من خلال وكلائهم في الضفة الغربية لإحداث تصعيد أمني هناك أيضا.. لا تعارض "حماس" بالتأكيد ذلك بل تقدم مساهمتها في محاولات لا تتوقف من رجالها لتنفيذ العمليات بتوجيه من الخارج ومن غزة".
وأضاف أنه "في السنوات الأولى من الانتفاضة الثانية، بذل حزب الله الطاقات والأموال في محاولة لإشعال الميدان من خلال دعم نشطاء التنظيم في جبهة نابلس، ومثل هذا السيناريو ممكن الآن أيضا، ولا سيما في ضوء محاولات تهريب السلاح من الخارج، والتي جرى إحباطها مؤخرا".
وخلص يسسخروف إلى أنه "فوق كل شيء، فإن التصعيد الحالي في الضفة يوضح أنه رغم المحاولة الإسرائيلية دفن الرأس في الرمال في كل ما يتعلق بالساحة الفلسطينية بداية من2009 وحتى اليوم، فإن الميدان يرفض ذلك بحزم".
جز العشب والثور الهائج
بدوره، رأى عاموس هرئيل في مقال بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن "الضفة في الطريق إلى انتفاضة ثالثة".
وقال في المقال الذي تابعته "العين الإخبارية": "عندما يقوم الجيش بعمليات اعتقال في عمق الضفة الغربية، يحدث احتكاك متزايد مع مسلحين فلسطينيين".
وتابع "تم إيقاف موجة العمليات الأخيرة في مايو/أيار، لكن حلت محلها مواجهات قاسية ومتكررة في شمال الضفة؛ في جنين ونابلس"، مضيفا "هناك ارتفاع بعشرات النسب المئوية في أحداث إطلاق النار أثناء عمليات الاعتقال، وأيضا في محاولات تنفيذ عمليات في عمق المنطقة ضد معسكرات الجيش والمستوطنات في الضفة".
وأضاف: "أسباب ذلك تم حصرها هنا أكثر من مرة: ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية على ما يحدث، ودخول تنظيمات محلية إلى الفراغ، وخوف الأجهزة الأمنية الفلسطينية من مواجهتها، والسلبية الإسرائيلية التي تتمثل أيضا بتجميد العملية السياسية".
وتابع هرئيل: "الخوف من أن يشتد هذا التدخل ويورط إسرائيل والفلسطينيين في فترة تصعيد طويلة أخرى؛ انتفاضة ثالثة، يتردد في كل محادثة مع كبار الضباط في جهاز الأمن، و"الشاباك"، والاستخبارات العسكرية، وقيادة المنطقة الوسطى".
وأوضح "في كل هذه المحادثات، يتم ذكر انزلاق بطيء، لكنه تقريبا مؤكد، في المنحدر. فيما تقلل السلطة من إرسال أفراد الأجهزة إلى مخيمات اللاجئين ومراكز المدن وبعض القرى في شمال الضفة".
ومضى قائلا "تذكي "حماس" التوتر، لكنها لا تسيطر عليه. وفي ظل غياب نشاطات الأجهزة، فإن الجيش الإسرائيلي يقوم بتعميق نشاطاته"، متابعا "في السابق، وصفت هذه الطريقة بـماكينة جز العشب الفعالة: اعتقالات كثيرة أدت إلى التحقيقات التي جلبت معلومات، والمزيد من الاعتقالات، وبالتدريج خفضت نطاق الإرهاب".
واستدرك هرئيل: "لكن الآن، يوجد خوف من ثور هائج: معظم الاعتقالات غير موجهة ضد النشطاء الكبار، بل ضد المسلحين الشباب الذين يشاركون في إطلاق النار على قوات الجيش. وأي قتيل آخر في عمليات الجيش الإسرائيلي يزيد الرغبة في الانتقام، ويدخل شباب آخرون إلى دائرة الاحتكاك".
وأردف "في الجيش، قدروا بأن نحو 200 مسلح فلسطيني شاركوا مؤخرا في الاشتباكات في نابلس.. هذه أرقام لم تظهر في الضفة منذ سنوات، ربما منذ عملية "الدرع الواقي"؛ نقطة التحول في الانتفاضة الثانية في عام 2000".
هرئيل قال أيضا، "هناك أيضا تغيير جذري مقارنة مع السابق. ففي الضفة يوجد، الآن، عدد أكبر من قطع السلاح.. في ذروة الانتفاضة شاركت أيضا أجهزة السلطة في القتال. في الوقت الحالي لم يحدث هذا، لكن السلاح الأوتوماتيكي منتشر أكثر في الشارع الفلسطيني، وهو في متناول كل خلية محلية".
وتابع "هذا نتيجة نشاطات التهريب من الحدود مع الأردن، إلى جانب السرقة من الأراضي الإسرائيلية ومن قواعد الجيش الإسرائيلي".
"نوع جديد"
من جهته، اعتبر ألون بن دافيد في مقال في صحيفة "معاريف"، أن الضفة الغربية في الطريق إلى انتفاضة من "نوع جديد".
وأوضح الخبير العسكري الإسرائيلي في مقال تابعته "العين الإخبارية": "لم تعد صور مئات الفلسطينيين وهم يهاجمون بالطوب وبالنار، قوات الجيش الإسرائيلي تأتي فقط من جنين أو من نابلس".
وتابع "في الأسابيع الأخيرة، نرى هذه الصور تأتي من كل مدينة، ومن كل قرية، وحتى من المنطقة البلدية للقدس.. كل اقتحام ليلي للجيش الإسرائيلي لتنفيذ اعتقال، وكل منطقة فلسطينية مهما كانت، تشتبك، اليوم، بعنف واسع وقاس".
وأضاف: "جموع الشبان الذين يهاجمون الجيش الإسرائيلي في كل محاولة دخول، يختلفون في مزاياهم عن نشطاء "الإرهاب" التقليدي الذي عرفناهم.. هم يعيشون في الشبكة، ولا يتماثلون مع أي من منظمات "الإرهاب"، التي تعد في نظرهم مؤسسة قديمة. هم يتابعون باهتمام شديد ما يحصل في إسرائيل ويروون في التحقيقات بأن الانقسامات الداخلية في إسرائيل تبدو في نظرهم تفككاً للمشروع الصهيوني".
وتابع: "معطى آخر مثير للاهتمام هو عدد الزجاجات الحارقة التي ألقيت. فإعداد زجاجة حارقة ليس كرشق حجر.. الزجاجة الحارقة ليست نتيجة رد فعل عفوي، بل نتيجة قرار مسبق لشخص قرر أن يعد الزجاجة انتظارا للحظة التي يلتقي بها قوات إسرائيلية".
واستطرد قائلا "منذ بداية السنة، جرى إلقاء قرابة ألف زجاجة حارقة نحو قوات الجيش الإسرائيلي ومدنيين إسرائيليين.. هذا المعطى بحد ذاته يفيد بتغير المجتمع الفلسطيني وطبيعة المواجهة".
بن دافيد قال إن "إسرائيل هي الأخرى ساهمت بنصيبها في هذا التغيير. فكل صباح تقريبا في العام الأخير، بدأ بجنازة فلسطيني قتل في احتكاك مع الجيش الإسرائيلي. في الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة، قتل 85 فلسطينيا بنار الجيش الإسرائيلي"، مضيفا "كل قتيل كهذا يفتح دائرة عداء ويشعل مشاعر ثأر جديدة".
وكشف بن دافيد النقاب أنه "في كل حملة، ينبغي وزن قيمة الاعتقال مقابل الثمن الذي يخلقه ويتمثل في الاحتكاك مع الطرف الآخر.. فهم وزير الدفاع بيني جانتس هو أيضا هذا مؤخراً، وطلب، الأسبوع الماضي، البدء بفحص مدى الحاجة لكل اعتقال وكيفية تقليص عدد المصابين الفلسطينيين".
aXA6IDMuMTI4LjE5OC45MCA= جزيرة ام اند امز