انتخابات باريس.. «تحالف نادر» خلال نصف قرن وسباق لخلافة إيدالغو
تتجه الأحزاب اليسارية الثلاثة التي تدير بلدية باريس، إلى كتابة التاريخ، عبر اتفاق منتظر لخوض الانتخابات البلدية المقبلة بقائمة موحدة.
خطوة، إن اكتملت، قد تعيد رسم موازين القوى في العاصمة الفرنسية قبل استحقاق مارس/آذار 2026، وتمنح اليسار فرصة حقيقية لمواجهة يمين يتصدر استطلاعات الرأي، لكنه يعاني الانقسام.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إنه للمرة الأولى منذ عام 1977، وهو العام الذي أُقرّ فيه انتخاب عمدة باريس بالاقتراع العام المباشر، قد تتقدم القوى الثلاث المهيمنة حاليًا على مجلس باريس، الاشتراكيون والشيوعيون والبيئيون، بترشيح مشترك منذ الجولة الأولى للانتخابات البلدية.
وأضافت الصحيفة الفرنسية: "رغم أن الحذر لا يزال سيد الموقف، فإن المفاوضات الطويلة بين هذه الأطراف توشك على بلوغ نهايتها باتفاق يُعدّ تاريخيًا بكل المقاييس".
والثلاثاء، لمح قادة الأحزاب الاشتراكية والشيوعية والبيئية بصيص أمل في نهاية نفق تفاوضي امتد لأشهر، بعدما توصلوا إلى صيغة توافقية للتحالف.
وإذا ما صادقت الهيئات القيادية وقواعد الأحزاب المعنية على نص الاتفاق، فإن مكوّنات الأغلبية الحالية في مجلس باريس ستخوض الانتخابات المقبلة تحت راية قائمة موحدة، وفق الصحيفة.
ومنذ عام 1977، اعتاد الاشتراكيون والشيوعيون خوض الانتخابات البلدية في باريس ضمن قائمة موحّدة من الجولة الأولى، في حين دأب البيئيون على تقديم مرشح مستقل، قبل أن ينضموا لاحقًا إلى تحالف اليسار في الجولة الثانية.
صيغة تاريخية
وتكمن الصبغة التاريخية للاتفاق الحالي في إدماج التيار البيئي منذ الجولة الأولى، وهو ما لم يحدث من قبل، وكان كثيرون قد فقدوا الأمل في تحققه.
المرشح البيئي دافيد بيليار، الذي جرى اختياره عبر انتخابات تمهيدية في مارس/آذار 2025، أعلن صباح الأربعاء عبر إذاعة "فرانس.إنفو" التوصل إلى اتفاق حول "قائمة مشتركة"، داعيًا أنصار البيئة في باريس إلى التصويت لصالح الاتفاق خلال اقتراع إلكتروني ينطلق عند الساعة التاسعة صباحًا.
وفي الوقت نفسه، ينتظر أن يقوم أنصار الحزبين الاشتراكي والشيوعي بالخطوة ذاتها، وسط تفاؤل حذر بنجاح المصادقة، لا سيما بعد موافقة القيادات الحزبية.
وبحسب مصادر مطلعة، قبل بيليار، وهو نائب عمدة باريس المكلف بالطرق والنقل ومرشح سابق في انتخابات 2020، بدعم المرشح الاشتراكي إيمانويل غريغوار، مقابل شروط أبرزها الإبقاء على مرشحين من تياره في الدوائر التي يديرها حاليًا، ولا سيما الدائرتين الثانية عشرة والرابعة عشرة، إضافة إلى منح البيئيين صدارة قائمة أخرى في الدائرة الحادية عشرة، وهي معقل بيليار ورئيسة البلدية الحالية آن إيدالغو.
كما أكد البيئيون أنهم ضمنوا عددًا كافيًا من المقاعد في القائمة العامة لمجلس باريس يمنع الاشتراكيين من الحصول على أغلبية مطلقة بمفردهم.
حسابات معقّدة
غير أن هذا الحماس لا يخلو من التحفظات، خصوصًا لدى قوى يسارية أصغر مثل حركة "الآن" التي تضم شخصيات منشقة عن «فرنسا الأبية»، من بينها النائبة الباريسية دانييل سيمونيه، إضافة إلى حركة "بلاس بوبليك" التي يقودها رافايل غلوكسمان، والتي تسعى بدورها إلى لعب دور في الانتخابات البلدية.
إذ صرّحت سيمونيه، المرشحة السابقة في عامي 2014 و2020، مساء الثلاثاء بأنها لا تزال بانتظار ضمانات، ولا سيما بشأن مطلبها بالحصول على ثلاثة مقاعد في مجلس باريس، في حين تحدثت أوساط «بلاس بوبليك» عن استمرار «نقاط خلاف» و«نقاشات مكثفة» مع أطراف التحالف.
ويأتي هذا الحراك اليساري في وقت تتصدر فيه المرشحة المدعومة من حزب الجمهوريين وحركة "مودِم"، رشيدة داتي، استطلاعات الرأي في انتخابات بلدية باريس.
وبحسب مراقبين، فإن السبيل الوحيد أمام اليسار لتجاوزها منذ الجولة الأولى يكمن في توحيد الصفوف.
ويزداد هذا العامل أهمية في ظل الإصلاح الجديد لقانون الاقتراع في باريس وليون ومرسيليا، الذي أُقرّ هذا الصيف وأدخل مزيدًا من الغموض على مآلات الانتخابات، ما دفع قوى اليسار إلى تفضيل التحالف في مواجهة المجهول وقوة ماكينة داتي السياسية.
ورغم اتساع دائرة التحالف اليساري الوليد، يبقى له سقف واضح، إذ لم تشمل الاتفاقية حركة "فرنسا الأبية" اليسارية المتشددة.
وبينما يرى البيئيون أنه لا ينبغي إغلاق الباب نهائيًا أمام هذا التيار، يرفض الاشتراكيون أي تقارب معه.
وقبل نحو ثلاثة أشهر فقط من انتخاب خليفة آن هيدالغو، التي قررت عدم الترشح بعد ولايتين متتاليتين، باتت القوى اليسارية الثلاث الرئيسية على بُعد خطوات قليلة من استعادة زخم الحملة الانتخابية، في مواجهة يمين منقسم بين رشيدة داتي، وبيار-إيف بورنازيل". مرشح حزب "آفاق" والمدعوم من حزب "النهضة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTExIA== جزيرة ام اند امز