أمريكا ومعضلة ضرب ايران.. مخاطر وسيناريوهات صعبة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى حذراً في بداية الحرب الإسرائيلية الإيرانية، لكنه يبدو على طريق الانزلاق لمعركة تحمل مخاطر جمة.
وبعد أيام من القصف الإسرائيلي لإيران ورد الأخيرة بإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن أخرى، تجد الولايات المتحدة نفسها فجأة على شفا الانخراط المباشر في صراع كبير آخر في الشرق الأوسط.
ووفق مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن مجرد معرفة تاريخ الحروب الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والبلدان المجاورة لها خلال الجيل الأخير، يكفي لجعل هذا الأمر مفاجئًا.
وكان تدخل الولايات المتحدة في العراق "مكلفا للغاية من حيث الأرواح والأموال، وترك في أعقابه بلدًا محطمًا لم يتعاف تمامًا".
كما انتهى التواجد الأمريكي الطويل بأفغانستان بـ"انسحاب مذل"، بعد أن حققت أهدافًا أقل بكثير وتكبدت تكاليف أعلى.
وعلى الرغم من أن التدخل الأمريكي في ليبيا لم يكن موضع نقاش كبير، إلا أنه قد يمثل سابقة ذات صلة بما يمكن أن يحدث إذا انضمت واشنطن إلى الحرب ضد إيران.
ساعد هذا التدخل، الذي تم بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين، في الإطاحة بنظام معمر القذافي، "لكنه دمر هذا البلد أيضاً، ودفعه إلى دوامة من العنف".
وكانت الأضرار الجانبية التي ألحقها هذا التدخل بالدول المجاورة، مع انتشار الأسلحة الصغيرة بحرية في منطقة الساحل الأفريقي، مدمرة، وفق فورين بوليسي.
تغير الموقف
ما هو معروف عن عملية صنع القرار حتى الآن يكشف أن الرئيس دونالد ترامب شخص "متقلب المزاج"، على حد وصف المجلة.
وحتى قبل أسبوع تقريبًا، كان ترامب قد راهن بسمعته في السياسة الخارجية على تجنب الصراع والسعي إلى السلام. وبالطبع، كانت التناقضات في التنفيذ كبيرة، كما في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ومع ذلك، أظهر ترامب درجة من الجدية بشأن أمرين قد ينعكسان الآن على الحرب ضد إيران. أحدهما هو التركيز على إنهاء الصراعات، والآخر هو رغبته في الحد من تدخل الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون الدول الأخرى، من التنمية الاقتصادية إلى الحرب.
"لمن الفضل"؟
يمكن ملاحظة "ارتجال" ترامب في الانزلاق الواضح نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع طهران من خلال تصريحاته المتغيرة حول قرار إسرائيل ضرب الأخيرة.
كان البيت الأبيض قد حث إسرائيل في السابق على عدم شن هجوم على إيران بطرق يخشى أن تجر الولايات المتحدة إلى الصراع، ويبدو أن هذا الحذر كان يستند جزئياً إلى تقدير مخاطر الفشل والعديد من العواقب غير المقصودة التي قد تترتب على الهجوم.
لكن بعد بعض "النجاحات المبكرة المثيرة للإعجاب التي حققتها إسرائيل"، بما في ذلك الاغتيال المستهدف للعديد من القادة العسكريين والعلماء النوويين البارزين في إيران، بدا ترامب حريصًا على الحصول على نصيب من الفضل، وبدأ فجأة في استخدام كلمة ”نحن“ في الإشارة إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر، وفق فورين بوليسي.
هذه ليست طريقة للدخول في صراع كبير مليء بالمخاطر للولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والعالم. لكن ما يبدو أنه يحدث هو "تسليم صنع القرار بشأن الاستراتيجية الأمريكية والأمن القومي إلى زعيم دولة أخرى، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، وفق المجلة.
المجلة قالت "تلتزم الولايات المتحدة بحق بالدفاع عن إسرائيل، لكنها عانت من تدهور تدريجي في قدرتها على التمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح حليفها التقليدي الأهم في الشرق الأوسط".
وتابعت "ظهر ذلك بوضوح مؤخراً في فشل واشنطن في الضغط بشكل فعال على إسرائيل لإنهاء مذبحتها المستمرة للفلسطينيين في غزة وانتهاكاتها الواسعة النطاق واعتداءاتها على الفلسطينيين في الضفة الغربية. وعلى المدى الطويل، اتضح ذلك في ضعف وتناقض جهود واشنطن في السعي إلى ما يسمى بحل الدولتين".
"حتى لو"
ويمكن للمرء أن يملأ كتالوجًا صغيرًا بأسباب أخرى تجعل الولايات المتحدة حذرة من التورط المباشر في الحرب ضد إيران؛ بعض أهم هذه الأسباب تنطلق من منطق ”حتى لو“.
فورين بوليسي أوضحت "حتى لو تمكنت واشنطن من تدمير البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية، فإن ذلك لن يقضي بالضرورة على الخبرة الإيرانية والقدرة على الابتكار اللازمتين لإعادة بناء البرنامج".
وتابعت "من الصعب تدمير المعرفة بالقنابل، كما أن ذلك سيشعر بعض الإيرانيين، وربما الكثير منهم، بأن السعي وراء هذه التكنولوجيا أصبح أكثر مبرراً من أي وقت مضى".
وفي الوقت نفسه، إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هدفهما المتمثل في القضاء العسكري على البرنامج، فقد يتحول اهتمام طهران إلى الإسراع قدر الإمكان في تطوير أسلحة نووية كاملة.
وحتى لو تمكن ترامب ونتنياهو من القضاء على القيادة الإيرانية، فلا توجد طريقة لضمان تجنب نتائج سياسية أكثر إشكالية. إذ قد "تصبح إيران دكتاتورية عسكرية متشددة بنفس القدر ولكن أكثر كفاءة، أو في الاتجاه المعاكس ولكن بنفس القدر من الخطورة"، على حد قول المصدر ذاته.
وقد يدخل هذا البلد الكبير والمتعدد الأعراق إلى حالة من الفوضى والعنف والإجرام والهجرة الجماعية.
الأكثر من ذلك، هناك مخاطر على مكانة أمريكا في عالم سئم من سلوك واشنطن المتهور والأحادي الجانب في كثير من الأحيان.
المجلة ختمت تقريرها قائلة إن اتباع نهج مغامر في الحرب على إيران "هو ترف لا تستطيع الولايات المتحدة تحمله، وهي التي فقدت قوتها نسبياً مقارنة ببقية العالم".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز