النيجر تطفئ أضواء عاصمة النور بشوارعها.. خطوة تحرر أم معركة خاسرة؟
مُحاولة الانسلاخ عن «الجلد الفرنسي»، بعد أن أعلنت «الطلاق البائن» مع عاصمة النور، اتخذت النيجر خطوة جديدة على طريق محو «آثار الماضي الاستعماري».
خطوة تتمثل في استبدال أسماء الشوارع والمواقع التاريخية «المُلقبة» بأسماء فرنسية في العاصمة نيامي، بأخرى وطنية وأفريقية، تهدف من خلالها إلى «تعزيز شرعية» المجلس العسكري، والتأكيد على مُضي نيامي قدما، في «القطيعة» مع باريس على كل المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، بحسب محللين استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم.
إلا أن آخرين اعتبروها رمزية، مشيرين إلى أن «النيجر لا تستطيع الاستغناء عن فرنسا، وأن كل هذه الإجراءات ماهي إلا شعارات حماسية لدغدغة مشاعر الناس».
وكان وزير الشباب والرياضة النيجري الكولونيل ميجور عبدالرحمن أمادو قال قبل أيام، إن معظم الطرق والشوارع، «تحمل أسماء تُذكر بما عاناه شعبنا خلال محنة الاستعمار»، مشيرًا إلى شروع السلطات في تغييرها. فيما قال حاكم نيامي الجنرال عثمان هارونا أحد رموز النظام الحاكم الحالي: «من الآن فصاعدا، سنكرم أسلافنا».
فماذا تعني تلك الإجراءات؟
يقول رئيس جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، إن حكومات النيجر ومالي وبوركينافاسو عزمت على مقاطعة فرنسا نهائيا، مشيرًا إلى أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا انطلق من ميادين متنوعة، أهمها: الأمور ذات الدلالات الثقافية والبعد الثقافي والتربوي.
وأوضح الأمين، أن المجلس العسكري تحرك على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية للقطيعة تماما مع فرنسا، و«من أجل التحرر من التبعية إليها».
وشدد على أنه لا يمكن الحصول على الاستقلال الصحيح إلا عن طريق الاستقلال الثقافي والتربوي ورفض التبعية، فإذا ظللنا مستعمرين ثقافيا، فلن نحصل على الاستقلال الصحيح»، معتبرا أن هذا التوجه محمود، «شريطة أن تؤكده نشاطات أخرى تسانده حتى تحصل البلاد على التحرر الحقيقي».
من جهته، يرى عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالنيجر الدكتور علي يعقوب، أن استبدال أسماء الشوارع «دلالة على الوعي الشعبي».
هل طوت النيجر صفحة فرنسا؟
واعتبر يعقوب في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن القرار يمثل ضربة جديدة لفرنسا في النيجر، مؤكدا أنها «تعبر عن رفض أي وجود فرنسي بالبلاد».
الأمر نفسه أشار إليه الكاتب الصحفي النيجري محمد سيدي، قائلا إن القرار يدل على أن النيجر قطعت علاقتها كليا مع فرنسا، وعلى أنها لم يعد لها أثر في النيجر.
وأوضح سيدي في حديث لـ«العين الإخبارية»، أنه تم استبدال جميع الأماكن التي تحمل أسماء فرنسية إلى أسماء زعماء أفارقة سابقين وغيرهم، ما يعني أنه لم يعد لفرنسا أي أثر تاريخي بالبلاد.
فالشارع الذي يحمل اسم الجنرال شارل ديجول أصبح الآن يسمى شارع جيبو باكاري وهو سياسي نيجري كان مؤيدًا للاستقلال الذي تحقق عام 1960، كما غيرت السلطات في نيامي اسم المركز الثقافي الثنائي الفرنسي – النيجري إلى مصطفى الحسن وهو سينمائي نيجري مشهور.
وجرى -كذلك- استبدال نصب تذكاري للقائد والمستكشف الفرنسي بارفيه لويس مونتيل المنحوت على الحجارة منذ عقود في العاصمة، بلوحة تذكارية بصورة رئيس بوركينا فاسو السابق توماس سانكارا الذي قتل في انقلاب عام 1987.
بدوره، وصف العضو المؤسس لحزب التجديد الديمقراطي الجمهوري بالنيجر عمر الأنصاري، الخطوة النيجرية، بـ«السيادية التي تعزز مكانة الثقافة الوطنية والانتماء الأفريقي».
ماذا يعني ذلك الإجراء لفرنسا؟
بحسب الكاتب الصحفي النيجري محمد سيدي، فإن ذلك القرار يعد «خسارة كبيرة للغاية للشعب الفرنسي في المقام الأول، وأن كل علاقاته مع النيجر أصبحت من الماضي ولن تعود من جديد».
فالقادة العسكريون الحاليون في النيجر يريدون تثبيت قطع علاقاتهم بفرنسا بهذه الأمور التي يتخذونها الآن، بحسب الصحفي النيجري.
إلا أن العضو المؤسس لحزب التجديد الديمقراطي الجمهوري بالنيجر عمر الأنصاري، اعتبر أنها لا تمثل أي ضربة لفرنسا والفرنسية بأفريقيا، مبررا ذلك بأن الأسماء الوطنية والأفريقية بالساحات النيجرية، كتبت بالحروف الفرنسية والخطب الحماسية التي ألقيت على المواطنين باللغة الفرنسية، علاوة على أن العملة التي يأتون بها تم سكها بباريس ومرتبطة باليورو الأوروبي.
وأشار إلى أن الدخول في «معركة غير متكافئة توقف بها عجلة التنمية بالبلاد، قد تهدم ما تم بناؤه في العقود الماضية»، مطالبًا بضرورة الإدراك بأن «تلك المعركة قد تضر النيجر وشعبها أكثر مما تنفعهما».
رسائل داخلية
بدوره، رأى الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين، أن تلك الإجراءات، بمثابة رسائل للمجتمع الداخلي بأنهم ماضون (المجلس العسكري) في المشروع الذي جاؤوا من أجله، لافتا إلى أن كل هذه التصريحات الغرض منها محاولة تمويه الشعوب الأفريقية وبالأخص شعوب الساحل الرافضة للأداء الفرنسي في الماضي.
وأوضح الباحث السوداني أن هذه الإجراءات «الرمزية»، لها أثر في نفوس مواطني البلد الأفريقي، باعتبار أن الشخصيات التي تم تغيير الأسماء إليها هي شخصيات ذات تاريخ نضالي ضد الفترة الاستعمارية، وكان لها دور في تحرر البلاد.
واعتبر أن هذا الأمر أحد التوجهات الخارجية للنيجر، مشيرا إلى استقبال قيادات المجلس العسكري في النيجر لعدد من قيادات من دول أفريقية أخرى ومنحهم جوازات دبلوماسية.
وأشار إلى أن تلك الإجراءات «تعتبر جزءًا من مشروع مرتبط بالسياسة الخارجية الحالية وكذلك المستقبلية للنيجر»، معربا عن اعتقاده بأن الأمر سيطول الكثير من المؤسسات والكثير من مزدوجي الإرث الاستعماري في البلاد.
aXA6IDE4LjExNy4xNzIuMTg5IA==
جزيرة ام اند امز