أمريكا تتحرك للهامش.. انسحاب من النيجر بنكهة «نكسة استراتيجية»
في خطوة اعتبرت بمثابة «نكسة استراتيجية كبيرة لواشنطن»، أسدلت الولايات المتحدة الإثنين، الستار على علاقتها العسكرية بالنيجر.
فـ«تنفيذا لمطالب» النظام العسكري الحاكم في الدولة الواقعة في منطقة الساحل، أعلنت الولايات المتحدة، أنها أنجزت سحب قواتها من النيجر بالكامل.
وقالت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان: «تعلن وزارتا الدفاع الأمريكية والنيجرية أن سحب القوات والمعدات الأمريكية من النيجر انتهى»، مؤكدة أن «العملية تمت من دون تعقيدات».
ويُنهي الانسحاب، الوجود العسكري الأمريكي في البلد الساحلي الذي يتولى نظام عسكري السلطة فيه منذ أكثر من عام.
ومطلع أغسطس/آب الماضي، أنجز الجيش الأمريكي انسحابه من قاعدة أغاديز الأخيرة له في النيجر. وأكد البنتاغون حينها أن نحو «عشرين شخصا» ما زالوا في النيجر لضمان سحب ما تبقى من معدات عسكرية أمريكية.
وفي السنوات الأخيرة، شكلت النيجر مركزا للعمليات الأمريكية والفرنسية الهادفة إلى مكافحة «الإرهابيين» في منطقة الساحل، وخصوصا منذ الانقلابين العسكريين في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين والمعاديتين للقوات الغربية.
لكن تقرّبت النيجر من مالي وبوركينا فاسو منذ الانقلاب الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو/تموز 2023 في البلاد.
وأعلنت دول الساحل الأفريقي الثلاث التي باتت تخضع جميعها لحكم عسكري عقب سلسلة من الانقلابات منذ عام 2020، تعزيز علاقاتها بإنشاء «كونفدرالية دول الساحل»، وطلبت من القوات الفرنسية والأمريكية مغادرة أراضيها.
وبدأ انسحاب القوات الأمريكية من النيجر في مايو/أيار الماضي، بعدما ألغت الحكومة في مارس/آذار الماضي اتفاق التعاون العسكري بين الطرفين.
ورغم انسحابها، ما زال للولايات المتحدة «أهداف أمنية مشتركة» مع النيجر، حسبما قال الجنرال كينيث إيكمان الذي يرأس القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) مطلع أغسطس/آب الماضي، مضيفًا: «احترمنا سيادتهم بالكامل. طلبوا منا المغادرة، وامتثلنا لذلك، وقمنا بذلك بسلام واحترام».
وأفاد بأن الخطوة التالية ستكون «الاستماع إلى احتياجات النيجر، من أجل علاقة مستقبلية في المجال الأمني مع الولايات المتحدة»، مضيفًا: «كانت شروطهم عدم الحديث عن المستقبل حتى يتم الانسحاب».
وفي 30 أغسطس/آب الماضي، أعلن الجيش الألماني إنهاء انسحابه من النيجر وعودة آخر جنوده في قاعدته العسكرية في نيامي إلى ألمانيا.
ماذا يعني الانسحاب الأمريكي؟
يرى إبراهيم يحيى إبراهيم، نائب مدير مشروع الساحل في مجموعة الأزمات الدولية، في حديث مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن الانسحاب يقوض الاستراتيجية الأمريكية ليس فقط في النيجر، لكن بمنطقة الساحل والمنطقة بأكملها.
وأوضح: عندما حدث الانقلاب في النيجر كان يرمز إلى سقوط آخر دولة ديمقراطية محبوبة للغرب.
واعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، هذا الانسحاب الذي يأتي قبل الموعد النهائي الذي فرضه المجلس العسكري في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، بمثابة «نكسة استراتيجية كبيرة لواشنطن».
الصحيفة، أضافت أن انسحاب القوات الأمريكية، التي بلغ عددها 1100 في النيجر في ذروتها، «يتبع أكثر من عقد من الاستثمار في النيجر، وأشهرا من الجهود غير المثمرة لإعادة البلاد إلى مسار ديمقراطي بعد استيلاء جيشها على السلطة في انقلاب قبل عام».
وأكدت أن «الوجود العسكري الأمريكي في النيجر كان بمثابة محور جهود واشنطن لمحاربة الإرهاب المتزايد في هذا الجزء من أفريقيا، إلا أن هذا الانسحاب يأتي في وقت يصل فيه العنف المتطرف في غرب القارة إلى مستويات قياسية وينمو نفوذ روسيا في المنطقة».
ويقول اللواء كينيث إيكمان، الذي يقود الانسحاب الأمريكي من النيجر، في مقابلة، إن «أمن المنطقة يشكل مصدر قلق بالغا. لقد أصبح التهديد أسوأ، وانتشر وأصبح أكثر حدة. ومن منظور الولايات المتحدة، تم تقليص وصولنا على الرغم من أن أهدافنا لم تتغير».
واكتسبت القاعدة الأمريكية في النيجر أهمية متزايدة بالنسبة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، التي بدأت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وتصاعدت أكثر منذ نحو عقد من الزمان، بعد أن استولى المتطرفون والانفصاليون على جزء كبير من مالي المجاورة.
واعتبر كاميرون هدسون، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، أن هذه القاعدة منحت «نافذة على كل ما كان يحدث في المنطقة»، مضيفًا: «أما الآن حرفيا ومجازيا، ما نقوم به هو أننا نتحرك إلى الهامش».
aXA6IDM1LjE3MC44MS4zMyA= جزيرة ام اند امز