النيجر بين روسيا والغرب... صراع محتدم أقل ضجيجا من أوكرانيا
لا يحتدم الصراع بين الغرب وروسيا فقط في أوكرانيا، بل إن صراعا آخر يجري على أشده هو الآخر في منطقة غرب أفريقيا أو ما يسمى منطقة الساحل، وهي حزام شبه قاري شبه صحراوي يمتد لآلاف الأميال عبر أفريقيا.
فمنذ 2018 ، تتمتع بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر بدعم عسكري روسي.
وقال تقرير نشره موقع "فويس أوف أميركا" في وقت سابق، إن موسكو تعمل بالفعل على بناء روابط جديدة وتحالفات جديدة تم تشكيلها خلال الحرب الباردة، عندما دعم الاتحاد السوفيتي السابق الحركات الاشتراكية في جميع أنحاء أفريقيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، انسحبت روسيا إلى حد كبير من القارة.
لكن منذ عام 2007 على الأقل، وخاصة في السنوات القليلة الماضية، زادت روسيا من المشاركة العسكرية والاقتصادية الأخرى في أفريقيا.
وأنتجت قمة 2019 عقودًا مع أكثر من 30 دولة أفريقية لتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية.
واستثمرت الشركات، بما في ذلك العامة المدعومة من الدولة، بكثافة في قطاعات الأمن والتكنولوجيا والصناعات التي تستخرج الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والذهب والمعادن الأخرى.
ومن المقرر عقد قمة ثانية العام القادم، وذلك بعد أن أسفر اللقاء السابق عن اتفاقيات دبلوماسية وصفقات بمليارات الدولارات تشمل أسلحة، طاقة، زراعة،شؤون مصرفية.
ووفقا للتقرير، أدى انتشار الحركات المتشددة وأعمال العنف الأخرى في إفريقيا إلى مزيد من الانفتاح على التدخل العسكري الروسي.
وعلى سبيل المثال، طلبت خمس دول في منطقة الساحل المضطربة - بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر - دعم موسكو العسكري في عام 2018.، كما انخرط مقاتلون روس في موزمبيق وأنجولا.
انسحاب القوات الأوروبية من مالي يوسع الفرصة أكبر للتواجد الروسي. فبعد الانسحاب الغربي من مالي، أقامت مجموعة فاجنر الروسية علاقات مع الحكومة المالية كمزود للأمن.
قلب اليورانيوم الأسود ساحة تنافس
أما النيجر، وهي قلب اليورانيوم الأسود، فهي أفقر دولة في العالم وفقًا لمؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، أعلن الاتحاد الأوروبي هذا الشهر عن نيته تشكيل "مهمة شراكة عسكرية" مطلع 2023 للمساعدة في تعزيز قوات النيجر التي تقاتل الإرهابيين.
وكان انتقال السلطة في النيجر العام الماضي محل ترحيب من الدول الغربية بوصفه أمراً قد يضع حدا للتمدد الروسي في المنطقة.
وفي مايو/أيار ، زار المستشار الألماني أولاف شولتز القوات الألمانية المتمركزة في قاعدة قريبة من حدود النيجر مع مالي ، لتوسيع مهمة برلين لتدريب جنود النيجر على مكافحة الإرهاب. والتقى المستشار الألماني بمحمد بازوم الذي انتخب رئيسا العام الماضي في أول انتقال ديمقراطي للسلطة في النيجر.
وأشاد مسؤولون غربيون بـ"بازوم"، وهو مدرس سابق ومساعد كبير للرئيس السابق ، باعتباره شخصًا مستعدًا لمحاربة الإرهابيين ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف.
كانت إدارة زوم وعدت بزيادة مدى وفعالية الدولة، بما في ذلك من خلال تحسين نظامها المدرسي غير الملائم. وقد بدأت محادثات سلام مبدئية مع بعض الجماعات الإرهابية.
ووفقا لتقرير لـ"فايننشال تايمز"، فقد كان شولز هو الأحدث ضمن سلسلة من كبار المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم ممن تعهدوا بتقديم الدعم للنيجر.
ففي عام 2019 ، فتحت الولايات المتحدة قاعدة لطائرات بدون طيار بالقرب من مدينة أجاديس الشمالية للقيام بعمليات المراقبة.
وبدأت فرنسا، التي طُردت قواتها هذا العام من مالي ، من تكثيف وجودها في النيجر، وهو محور نحو ما أطلق عليه "شريك الملاذ الأخير" لباريس في منطقة الساحل.
لكن في سبتمبر/أيلول الماضي، قال تقرير لـ "Sahara Focus" وهو تقرير استخباراتي بريطاني شهري يصدر عن منطقة الصحراء، أن النيجر يبدو واضحا أنها الآن مقصد أساسي لموسكو.
واعتبر التقرير البريطاني أن تقويض رئاسة محمد بازوم هو استخدام الدعاية لتشجيع المشاعر المعادية للفرنسيين مع الإشادة بروسيا ونجاحها في مالي وأماكن أخرى في أفريقيا.
وفي 18 سبتمبر /أيلول، تظاهر عدة مئات سلميًا في نيامي ضد قوة برخان الفرنسية بينما امتدحوا روسيا. مع صيحات "برخان اخرجوا" و "تسقط فرنسا" و "تحيا بوتين وروسيا"، سار المتظاهرون ، الذين أعطتهم سلطات بلدية نيامي الإذن بذلك، في بعض شوارع العاصمة قبل عقد اجتماع في أمام مجلس الأمة.
وحمل بعض المتظاهرين الأعلام الروسية ورفعوا لافتات معادية ومنها ما كتب عليه "الجيش الإجرامي الفرنسي، اخرج" أو "جيش برخان الاستعماري يجب أن يرحل".
وقبل ذلك بشهر واحد، أي في أغسطس/آب الماضي، كانت موسكو تخطط لتوقيع اتفاق تعاون عسكري مع النيجر بشأن التعاون في الحرب على الإرهاب وإجراءات لتعزيز الأمن الدولي.
وبموجب الوثيقة التي نشرتها وسائل إعلام روسية، اتخذت الحكومة الروسية قرارًا "بالموافقة على مشروع اتفاقية تعاون عسكري بين حكومة الاتحاد الروسي وحكومة جمهورية النيجر مقدمة من وزارة الدفاع ووافقت عليها وزارة الخارجية الروسية والإدارات الأخرى المعنية."
وبموجب الاتفاق ستعمل موسكو ونيامي أيضًا على تطوير العلاقات في مجال التدريب المشترك للقوات والتعليم العسكري والطب العسكري وغيرها من المجالات.
كما يعتزم البلدان تبادل تجربة بعثات حفظ السلام والتعاون في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة.
ولا يزال توثيق العلاقة بين موسكو ودول الساحل يقلق الغرب المنخرط بالفعل في صراع أوكرانيا.ويبدو أن الدول الإفريقية قد اتخذت موقفها بعدم تأييد الغرب في صراعه مع روسيا في أوكرانيا وإن لم تكن داعمة جهرا لموسكو في الملف ذاته، لكن موقفها ذلك ينذر بمزيد من فرص التواجد والنفوذ الروسي في المنطقة التي تطحنها بالفعل معاك ضد جماعات مسلحة وفكر متشدد.
aXA6IDMuMTM3LjE3My45OCA= جزيرة ام اند امز