نوكيا وإريكسون.. أسلحة أمريكا الأكثر عدوانية ضد هواوي
المحللون والمستثمرون تلقفوا اقتراح وزير العدل الأمريكي بالاستحواذ على الشركتين باعتباره يحمل شيئا من المنطق وبدأوا العمل على أساسه
"السماح للصين بالسيطرة على شبكات الجيل الخامس يشكل خطرًا هائلًا ليس للأمن القومي الأمريكي فقط بل ولمستقبل اقتصادنا أيضا.. وعلينا من الآن اتخاذ قرار بشأن الحصان الذي سنعتمد عليه في هذا السباق".
بهذه الكلمات الجادة ألقى وليام بار وزير العدل الأمريكي بواحدة من أكثر الاقتراحات الأمريكية إثارة للجدل في طرق مواجهة العملاق الصيني "هواوي".
كلمات بار اقترنت باقتراح واضح -وصفته صحيفة وول ستريت بأنه الأكثر عدوانية- يتضمن اتجاه واشنطن للسيطرة على حصص كبيرة في العملاقين الدوليين "نوكيا" الفنلندية أو "إريكسون" السويدية، ثم دعمها بقوة للتغلب على هيمنة هواوي العالمية في مجال الجيل الخامس.
- أمريكا تستهدف الاستحواذ على إريكسون ونوكيا لضرب هيمنة هواوي
- نائب الرئيس الأمريكي يستبعد شراء نوكيا وإريكسون لمواجهة هواوي
ورغم أن الساعات التي تلت تصريحات بار حملت ما يشبه النفي لتلك الخطة عبر رد فاتر "غير مؤيد" من جانب مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي لها، فإن المحللين والمستثمرين تلقفوا اقتراح وزير العدل الأمريكي باعتباره يحمل شيئا من المنطق وبدأوا العمل على أساسه.
اقتراح منطقي؟
في كلمته التي ألقاها بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، حذر وزير العدل الأمريكي بشكل خاص من أن معركة الجيل الخامس تحمل في طياتها جوهر معارك الاقتصاد في المستقبل.
وفي هذا التحذير الكثير من المنطق، حيث تقول صحيفة وول ستريت أن الجيل الخامس سيكون التقنية المحورية لعدد من القطاعات الهامة مثل المصانع التي يتم التحكم فيها عبر الإنترنت والسيارات ذاتية القيادة وتقنيات شحن الهواتف المحمولة وغيرها.
ورغم أن إريكسون ونوكيا لم تعلقا على الأمر ولا حتى حكومتي السويد وفنلندا، فإن العديد من مراقبي صناعة الاتصالات ناقشوا منطقية هذه الفكرة.
وقالت شركة الاستثمارات السويدية Cevian Capital أحد أكبر المساهمين في إريكسون، إن الصفقة ستكون منطقية بالنسبة للولايات المتحدة إذا أرادت أن تكون رائدة في تكنولوجيا الجيل الخامس.
وأوضحت Cevian إنها تمتلك حصة نسبتها 8.4% في إريكسون، مشيرة إلى أن أي صفقة استحواذ من الجانب الأمريكي يجب أن تتضمن زيادة كبيرة على سعر السهم الذي يعتبر "أقل كثيرا من قيمته الحقيقية" بالنظر إلى إمكانيات الشركة على المدى الطويل.
ليست مناورة.. المستثمرون جادون
ومنذ ألقى بار الذي كان يعمل مستشارا سابقا في شركة الاتصالات الأمريكية "فيريزون" باقتراحه، أبدى المستثمرون تعاملا جديا مع الأمر فأقبلوا على أسهم الشركتين.
وكانت "فيريزون" عميلا كبيرا لدى شركتي إريكسون ونوكيا.
وبحسب بلومبرج، قفز سهم شركة نوكيا في بورصة هلسنكي الفنلندية بنسبة 6.95% بنهاية التعاملات على السهم يوم الجمعة الماضي ليسجل 3.96 يورو (4.3 دولار).
كما زاد سهم شركة إريكسون في بورصة ستوكهولم السويدية بنسبة 5.68% بنهاية التعاملات على السهم يوم الجمعة الماضي ليسجل 83.70 كرونة سويدية (نحو 8.6 دولار).
وكانت أسهم كل من إريكسون ونوكيا قد تراجعت خلال العام الماضي في خضم معركتهما للسيطرة على السوق المزدهر لمعدات شبكات الجيل الخامس.
أي الحصانين أقرب للفارس الأمريكي؟
"الوقوف خلف واحدة من هاتين الشركتين أو كلتيهما بسوقنا الضخمة وعضلاتنا المالية سيجعلها منافسا أشد بكثير ويبدد بواعث القلق.. وعلينا من الآن اتخاذ قرار بشأن الحصان الذي سنعتمد عليه في هذا السباق"، قال وزير العدل الأمريكي موضحا محاور خطته لمواجهة هواوي.
لكن إريسكون بحسب محللين هي الحصان الأقرب للفارس الأمريكي.
ويقول كريستر جارديل الشريك الإداري لشركة Cevian السويدية إن الاستثمار الأمريكي في إريكسون سيكون أقل صعوبة من نوكيا.
وأوضح جارديل لصحيفة وول ستريت، أن عقبات الاستثمار في إريكسون أقل، لأن الشركة السويدية لا تتواجد فيها حصص للحكومة السويدية.
وعلى الجانب الآخر، تمتلك حكومة فنلندا 3.8% من أسهم شركة نوكيا من خلال شركة Solidium القابضة التي تمتلك حصصاً في الشركات المدرجة ذات الأهمية الوطنية.
كذلك، يرى جارديل أن الصفقة ستكون محبذة أيضا من جانب الشركة السويدية.
وتابع: "من الواضح أنه من الأفضل بالنسبة للسويد والشركة والموظفين والمساهمين أن يتم إبرام صفقة أمريكية مع إريسكون وليس مع نوكيا.. ويجب على إدارة الشركة التعامل منذ هذه اللحظة مع الأمر كأولوية قصوى".
أبطال وطنيون في فنلندا والسويد
في فنلندا والسويد تعتبر شركتا نوكيا وإريسكون "أبطالا وطنيين"، لكن هذا لا يمنع أن الدعم الأمريكي ولو بشراء حصص مسيطرة هام لمستقبل الشركتين في ظل التنافس الصعب مع هواوي.
وقال محللون إن الحكومة الأمريكية قد تكون أكثر ميلًا إلى تشجيع الشركات الأمريكية على شراء حصص في شركات إريسكون ونوكيا عوضا عن الاستثمار في العملاقين بنفسها.
وأضافوا أن الحكومة الأمريكية يمكن أن تدعم إريكسون ونوكيا بطرق أخرى -مثل الإعفاءات الضريبية أو دعم البحث والتطوير- للمنافسة بشكل أفضل مع هواوي.
لماذ إريكسون ونوكيا؟
وفقا لمجلة "فوربس" الأمريكية فإن نوكيا وإريكسون من بين أكبر مزودي معدات الشبكات اللاسلكية على مستوى العالم، وكلتاهما تمثل أساسا صلبا وراسخا لمنافسة هواوي.
وبحسب أحدث البيانات المتاحة على فوربس، بلغت إيرادات نوكيا 27 مليار دولار في عام 2018، مقارنة بـ24 مليار دولار لشركة إريكسون.
ونمت إيرادات نوكيا من 15.7 مليار دولار في عام 2014 إلى 26.7 مليار دولار في عام 2018 مدفوعة باستحواذها على شركة "ألكاتيل لوسينت" عام 2016.
أما إريكسون فقد شهدت انخفاضًا في الإيرادات من نحو 29 مليار دولار في عام 2015 إلى نحو 24 مليار دولار في عام 2018، بسبب انخفاض عدد عمليات نشر شبكة الجيل الرابع وأيضًا بسبب ضعف الكورونة السويدية.
ويتضح من الأرقام إن كلتا الشركتين شهدت نموا بطيئا في الإيرادات خلال السنوات الأخيرة.
وتستمد الشركتان معظم إيراداتهما من أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث تمثل أوروبا وأمريكا اللاتينية 35% من إيرادات نوكيا في 2018، بينما تصل النسبة إلى 29% لإريكسون.
وتمثل أمريكا الشمالية 29% من إيرادات نوكيا و28% من إريكسون.
أما فيما يتعلق بالقيمة السوقية، فتعد نوكيا أغلى من إريكسون.
وتصل قيمة نوكيا إلى نحو 29 مليار دولار مقابل 27 مليار دولار لإريكسون، وفقا لبيانات فوربس المنشورة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي (قبل احتساب الزيادات الحالية في أسعار أسهم الشركتين).