شمال أوروبا وآسيا الوسطى.. قواسم مشتركة وتعاون مثمر

قواسم مشتركة كثيرة تجمع منطقتي شمال أوروبا وآسيا الوسطى في تقاطعات قد لا يعرفها كثيرون.
وخلال الفترة الأخيرة، عملت دول آسيا الوسطى: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، على تعميق تنسيقها الإقليمي، وتوسيع جهودها للتعامل مع القوى الخارجية بشكل مشترك.
والتقى قادة المجموعة الشهر الماضي مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قبل أن يجتمعوا بعدها ببضعة أسابيع مع الزعيم الصيني شي جين بينغ.
والآن، تقدم دول آسيا الوسطى منصة حوار مماثلة مع دول الشمال الأوروبي الخمس عبر صيغة (5+5) التي تتضمن وعود ضخمة للتعاون، وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي.
وخلال السنوات الأولى من الاستقلال، انعزلت دول آسيا الوسطى على نفسها لتحمي سيادتها وهويتها حتى أنها عرفت نفسها أحيانا على أنها دول معارضة لبعضها البعض وهو ما جعل جهود تطوير التعاون الإقليمي لا تثمر.
تحول
لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً ملحوظاً مع تغير نهج المنطقة نحو التعاون والتنمية، فأصبح قادة دول آسيا الوسطى يجتمعون الآن في قمم سنوية لتنسيق السياسات بشأن القضايا الإقليمية، مثل التجارة والنقل والطاقة والمياه والبيئة والأمن.
وبالفعل، أدت روح التعاون المتجددة إلى نتائج ملموسة فقد زادت التجارة البينية الإقليمية بمقدار 11 مليار دولار بين عامي 2019 و2024، مع وجود مجال لمزيد من النمو.
فيما أدت التحولات في طرق النقل الدولية وسلاسل التوريد بسبب حرب أوكرانيا، إلى زيادة التركيز الإقليمي على القضايا المتعلقة بعبور السلع والمواد الخام على طول ما يُسمى بالممر الأوسط.
أما النزاعات الحدودية التي طال أمدها بين قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، فقد تمت معالجتها دون تدخل خارجي، كما تتعاون هذه الدول لإدارة الموارد المائية، التي تعد مسألة حساسة.
وفي ظل هذا التماسك الإقليمي، فإن دول آسيا الوسطى بإمكانها التفاعل مع العالم كمنطقة متحدة حيث أنشأت منصات للتعاون تحت اسم "آسيا الوسطى بلس" بين دول المنطقة الخمس وما لا يقل عن 10 شركاء خارجيين.
ومع تزايد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة وسط عالم سريع التغير، يوجه الاتحاد الأوروبي اهتمامه لآسيا الوسطى فعقدت أول قمة على الإطلاق بين الجانبين في أبريل/نيسان 2025 حيث ارتقت بالعلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، في حين تسعى ألمانيا وإيطاليا إلى التعاون من خلال صيغ منفردة.
وأضفت آسيا الوسطى الطابع الرسمي على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، لكنها تسعى إلى توسيع نطاق الاتصالات بين المناطق المختلفة وفي مقدمتها الشمال الأوروبي.
قواسم مشتركة
ظاهريًا، تبدو الروابط المشتركة قليلة بين الجانبين، لكن منطقة الشمال الأوروبي ومنطقة آسيا الوسطى تشتركان في قواسم مشتركة كثيرة.
ومثل آسيا الوسطى، تشترك دول الشمال الأوروبي في روابط تاريخية وثقافية ودينية وقانونية وثيقة، ومع ذلك عانت هذه الدول من اختلافات كبيرة في عضويتها في المنظمات القارية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتسعى دول آسيا الوسطى إلى الاستفادة من خبرات دول الشمال الأوروبي في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والابتكار التكنولوجي لمواجهة التحديات المشتركة لتغير المناخ والتحول الأخضر والإصلاح المحلي.
في المقابل، ستستفيد منطقة الشمال الأوروبي من إمكانية الوصول إلى الأسواق الناشئة والموارد القيّمة في منطقة سريعة النمو تقع على مفترق طرق بين الشرق والغرب.
كما أن هناك اهتماما أوروبيا واضحا بالتواصل مع آسيا الوسطى لتعزيز المرونة والازدهار والتعاون الإقليمي، ويمكن لمنطقة الشمال الأوروبي أيضا تقديم قيمة مضافة فريدة من خلال تبادل الخبرات بين المناطق في مجال التعاون الإقليمي عبر صيغة (5+5).
ورغم تنسيق دول آسيا الوسطى لسياساتها، إلا أنها لا تزال تختلف عن المناطق الأخرى بسبب افتقارها إلى مؤسسة إقليمية قوية وفعّالة، ولتحقيق هذا الهدف يمكن الاستفادة من تعاون دول الشمال الأوروبي الذي يستند إلى معاهدة هلسنكي لعام 1962 ويتضمن بشكل أساسي مؤسستين.
المؤسسة الأولى هي المجلس الشمالي البرلماني الذي تم تأسيسه عام 1953 ويتألف من وفود برلمانية وطنية من كل دولة ويجتمع مرتين سنويًا في اجتماع عام في الخريف وجلسة لمناقشة موضوعات محددة في الربيع.
والمؤسسة الثانية هي مجلس وزراء الشمال الأوروبي الحكومي الدولي الذي تأسس عام 1971 لإدارة التعاون بين حكومات الدول الأعضاء، وينقسم عمله إلى 11 مجلسًا هم مجلس عام واحد و10 مجالس مسؤولة عن مجالات سياسية محددة.
ويمثل التعاون الشمالي تعاونًا بين دول وليس تكاملًا فوق وطني حيث تُتخذ القرارات بالإجماع، وهي غير مُلزمة قانونًا، كما تحتفظ كل دولة بسيادتها الكاملة على قوانينها وسياساتها.
وفي ظل نموذج الحكم الرئاسي في آسيا الوسطى، يُفضّل وجود مجلس رؤساء يجمع دول المنطقة التي لا ترغب في تفويض صلاحياتها الوطنية إلى جهات فوقية، ويمكن أن يتناسب النوع البسيط من التكامل الذي يميز التعاون الشمالي مع سياق آسيا الوسطى.
"القيمة المضافة"
مفهوم "القيمة المضافة" أصبح مبدأ توجيهيًا يعني أن تتعاون دول الشمال في المجالات التي يؤدي التعاون فيها قيمة أكبر، وهو مفهوم مناسب لدول آسيا الوسطى.
وبالنسبة لتعزيز التكامل الإقليمي، أسست دول الشمال سوق العمل المشتركة عام 1954 واتحاد جوازات السفر 1958، فأصبح بإمكان مواطني الدول الخمس العيش والعمل بحرية في أي من هذه الدول.
ولقد مهدت مسألة التنقل واحتياجات سوق العمل الطريق للتعاون بين دول الشمال الأوروبي، وفي المقابل يمكن أن تُشكّل الطاقة والمياه مجالات للتعاون في آسيا الوسطى في ظل المصالح المشتركة التي تخلق حوافز طبيعية للتكامل.
وفي حين ساهم سوق العمل في تعزيز الشعور بالهوية الشمالية والتفاعل عبر الحدود، تظل الهوية الإقليمية عائقا في آسيا الوسطى، ومع ذلك، منذ عام 2023، أصبح بإمكان جميع مواطني قيرغيزستان وأوزبكستان زيارة بعضهم البعض باستخدام بطاقات الهوية الوطنية فقط.
ورغم دور المؤسسات الرسمية فإن الكثير من التبادلات بين دول الشمال تتم بشكل غير رسمي، وبالمثل قد يكون تعزيز التفاعل الشعبي مهما في آسيا الوسطى.
من جهة أخرى، لا تزال العلاقات بين الشمال الأوروبي وآسيا الوسطى في بداياتها، ويعود ذلك جزئيًا إلى المسافة الجغرافية، وأيضًا إلى النظر لآسيا الوسطى كمنطقة "راكدة" أو "متخلفة"، ومع ذلك، يمكن أن تتعلم دول الشمال الكثير من دول آسيا الوسطى حول إدارة علاقاتها مع روسيا والصين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg
جزيرة ام اند امز