العقوبات.. "سلاح" أمريكي عتيق في طور الاختبار
دعوة أمريكية في مجلس الأمن لتشديد العقوبات على كوريا الشمالية لم تلق آذانا صاغية، ما يضع "سلاح" واشنطن العتيق على محك الاختبار.
والجمعة، دعت واشنطن إلى فرض عقوبات دولية أكثر صرامة على بيونج يانج، متهمة إياها بـ"استفزازات متزايدة الخطورة" غداة اختبارها أكبر صواريخها الباليستية العابرة للقارات.
وعقب اجتماع استمر ساعات، أدانت 15 دولة، بأشد العبارات، إطلاق كوريا الشمالية للصاروخ قبل يومين، داعية "جميع أعضاء الأمم المتحدة، خصوصا منهم أعضاء مجلس الأمن، للانضمام (إليها) في إدانة هذا السلوك".
كما دعت إلى "مطالبة بيونغ يانغ بالتخلي عن أسلحتها للدمار الشامل وبرنامجها للصواريخ الباليستية والانخراط في طريق الدبلوماسية نحو نزع السلاح النووي" من شبه الجزيرة الكورية، وفق وكالة "فرانس برس".
لكن اللافت أن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، لم تتطرق خلال تلاوتها بيانا أمام الصحافة، إلى تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، مكتفية بالقول إن إطلاق الصاروخ قبل يومين "لا يمثل تهديدا للمنطقة فحسب بل للمجتمع الدولي بأسره".
فهل بدأت واشنطن تدرك أن "سلاحها العتيق" بدأ يفقد بريقه بعدم تحقيقه للأهداف المنشودة؟
كوريا الشمالية
في بيانها، أعلنت توماس غرينفيلد أن واشنطن ستقدم مشروع قرار لمجلس الأمن لتحديث وتعزيز نظام العقوبات" الذي تم تبنيه في ديسمبر/ كانون الأول 2017، في خطوة قد لا تلقى الدعم الكافي لتحويلها إلى قرار.
فرضية يدعمها استبعاد الصين وروسيا أي تشديد للعقوبات على بيونغ يانغ، بل بالعكس، دافع سفير بكين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون عن فكرة "تخفيف العقوبات في الوقت المناسب".
فيما أعربت نائبة السفيرة الروسية آنا إيفستينييفا، عن خشيتها من أن "تشديد العقوبات قد يهدد مواطني كوريا الشمالية بمشاكل اجتماعية واقتصادية وإنسانية غير مقبولة".
مواقف متباينة تشي بأن سلاح العقوبات فقد جدواه عقب اختباره بفشل في العديد من الملفات، وخصوصا ملف نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
ففي 2017، أقر مجلس الأمن الدولي مشروعا أمريكيا بفرض عقوبات على بيونغ يانغ بعد شهر على إطلاقها صاروخا باليستيا عابرا للقارات (هواسونغ-15) اعتبر قويا بما يكفي لبلوغ البر الرئيسي للولايات المتحدة.
لكن القرار لم يفلح في ردع كوريا الشمالية التي استمرت في تجاربها الباليستية إلى حين أعلن رئيسها كيم جونغ أون، في أبريل/ نيسان 2018، أن أهدافه تحققت بتحول بلاده إلى "دولة نووية".
إعلان شكل أول طابع رسمي لوقف اختياري للتجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية البعيدة المدى، وبعث برسائل تقاطعت جميعها عند حقيقة واحدة وهي عجز العقوبات الأمريكية عن ردع بيونغ يانغ.
طرح أكدته التجارب اللاحقة، وآخرها إشراف كيم شخصيا، الخميس، على اختبار "نوع جديد" من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، لضمان أن بيونغ يانغ جاهزة "لمواجهة طويلة الأمد" مع واشنطن، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية.
روسيا
"عقوبات مدمرة للاقتصاد الروسي".. عبارة لطالما رددها الرئيس الأمريكي جو بايدن حتى قبل اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ملوحا بورقة أثبت الخبراء أنها ذات تأثير محدود.
وبالفعل، فرضت واشنطن سيلا من العقوبات على روسيا، لتفتح بذلك مواجهة مع سلاح موسكو الفتاك وهو الغاز، وبالوقت، تبين أن موسكو تحقق أسبقية في هذا المجال، لأن شرايين غازها تمتد إلى أوروبا وقطعها يعني ارتدادات قاتلة على اقتصادات دول القارة العجوز.
أما العقوبات الأمريكية والغربية عموما، فكان لها تأثير محدود على الاقتصاد الروسي، لأنها لا تضرب عصبه الأساسي، كما أن الطابع التدرجي للعقوبات منح موسكو الوقت الكافي للتأقلم وتأمين البدائل، وحتى بـ"تجاوزها الخط الأحمر" حين هاجمت كييف، بدا من الواضح أنها عبدت جميع طرقها نحو المحافظة على استقرار مؤشراتها المالية والاقتصادية.
نجاعة تغيب عن العقوبات الأمريكية لاعتبارات أخرى في مقدمتها ارتباطها بالاتحاد الأوروبي، التكتل الذي يعتمد بشكل أساسي على الغاز الروسي، ما يعني أن تشديد العقوبات لن يقود سوى للإضرار بالحلفاء الأوروبيين.
كما أن الاقتصاد الروسي يعتمد في مداخيله على النفط والغاز بنسبة تناهز الـ50 بالمئة، ما يهدد بأن أي عقوبات على هذا القطاع ستكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي أيضا، وهذا ما بدأت ملامحه تظهر حاليا.
الصين
في تصريحات متلفزة أدلت بها الجمعة، اعتبرت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، أن فرض عقوبات على الصين "ليس ضروريا أو مناسبا في هذه المرحلة".
من جانبه، أعرب بايدن، في تصريحات سابقة، عن "أمله الكبير" بأن لا تساعد بكين موسكو في حربها على أوكرانيا، في إشارة ضمنية إلى أن التزام الصين الحياد في الصراع الدائر سيعفيها من تشديد العقوبات.
نبرة خالية من التصعيد تخالف اللهجة الأمريكية الحادة التي لطالما استخدمتها واشنطن في تصريحات مسؤوليها ضد بكين، تشي بأنها عالقة بين خيارات سيئة وفشل عقوباتها في "الردع".
وردا على أحدث العقوبات الأمريكية المفروضة على شركات صينية، اتخذت بكين "إجراءات ضرورية" وردت بالمثل بفرض عقوبات على أفراد أمريكيين، من بينهم وزير التجارة السابق ويلبور روس.
وجاء الرد الصيني حينها تنفيذا لقانون جديد للرد على العقوبات الأجنبية صدر في يونيو/ حزيران الماضي، ما يعني أن التحركات الأمريكية الرامية للضغط على بكين في العديد من الملفات وعلى رأسها الأويغور، لم تؤت أكلها، ولا يبدو أنها ستفعل.
aXA6IDE4LjExNy43NS42IA== جزيرة ام اند امز