عاصمة المستقبل النظيف.. النرويج تتجه نحو الطائرات الكهربائية

بعد أن وثقت مكانتها كعاصمة للسيارات الكهربائية في العالم، الآن تتجه النرويج للاعتماد على الطائرات الكهربائية للرحلات المحلية القصيرة.
وبدأت الطائرات الكهربائية القيام برحلات تجريبية بالنرويج، حيث لوحظت طائرة تحلق فوق الساحل النرويجي، لم يُسمع من محركها سوى همهمة خفيفة.
وعلى ذيلها، دارت مروحة واحدة وهي تُحلق فوق المضايق والتلال المكسية بالأشجار ومزارع سمك السلمون في بحر الشمال.
وبفضل طاقتها الكهربائية، مرّت طائرة Alia CX 300 بجزر نائية، وهي نوع من المواقع التي تأمل النرويج أن تصل إليها هذه الطائرة قريبًا.
وكانت هذه الرحلة التجريبية هي المرة الأولى التي تُحلّق فيها طائرة كهربائية من مدينة رئيسية إلى أخرى في النرويج، مما يُظهر حرصَ الدولة الاسكندنافية على مُواكبة الطيران الكهربائي.
وتُعد النرويج أكبر منتج للنفط في أوروبا بعد روسيا، حيث تُنتج ما يُعادل مليوني برميل يوميًا، وتبيع مُعظمه لجيرانها في أوروبا الغربية، وفقًا لوزارة الطاقة.
كما أنها رابع أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي في العالم، حيث بلغت كمياته أرقامًا قياسية العام الماضي.
ورغم ذلك، تخطط النرويج أيضًا لمستقبل يشهد تناقصًا في عائدات النفط، باستثمار جزء من صندوقها السيادي، البالغ 1.9 تريليون دولار، في الطاقة الخضراء.
وقد تم بالفعل استخراج أكثر من نصف احتياطيات النفط والغاز في الجرف القاري النرويجي، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في الانخفاض خلال العقد المقبل في حال عدم اكتشاف حقول جديدة.
وتسعى النرويج الآن جاهدةً إلى تنفيذ حملة وطنية شاملة للكهرباء سعيًا للوصول إلى صافي انبعاثات صفري -فمعظم كهربائها المحلية خضراء بالفعل، وبعض حقول النفط والغاز تعمل بالكهرباء.
وقد حققت البلاد أكبر المكاسب في قطاع النقل، ففي العام الماضي، كانت نسبة السيارات الجديدة المباعة كهربائية تقريبًا، وهي من أعلى معدلات الاعتماد على السيارات الكهربائية في العالم.
وفي حديثها لصحيفة "نيويورك تايمز"، قالت ثينا مارغريت سالتفيدت، المحللة في بنك نورديا، وهو بنك اسكندنافي، إن النرويج، من خلال كهربة نظام النقل لديها، قادرة على تحقيق أهدافها المناخية دون تأثير يُذكر على صناعة النفط والغاز.
وأضافت سالتفيدت، "وقعت النرويج على اتفاقية باريس، وعليها خفض الانبعاثات".
وتابعت، "الطائرات الكهربائية ليس لها تأثير يُذكر على الصناعة النرويجية الحالية، لذا لن يواجه هذا الأمر مقاومة تُذكر".
وتستخدم النرويج بالفعل عبّارات كهربائية في البحر، والآن تُشجع هيئة مطارات البلاد، أفينور، على تسيير رحلات تجارية كهربائية، لا سيما على ما يُطلق عليه النرويجيون "مسارات نقل الحليب".
ووفقًا لأفينور، تجوب 560 رحلة جوية داخلية النرويج يوميًا، وأكثر من ثلاثة أرباعها تقل مسافتها عن 250 ميلًا.
وتربط العديد من هذه الرحلات، المدعومة من الحكومة، جزرًا نائية ومجتمعات نائية، بعضها في أعالي الدائرة القطبية الشمالية.
وببطارياتها الخمس المشحونة بالكامل، انطلقت طائرة Alia CX300 في صباح أحد أيام هذا الشهر من مدينة ستافنجر الساحلية إلى بيرغن.
وكانت الرحلة بمثابة تجربة مشتركة بين شركة Beta Technologies وشركة Bristow للمروحيات وشركة Avinor لاختبار مسارات الطيران الكهربائي.
ويبلغ طول جناحي الطائرة 50 قدمًا، ويمكن أن تصل سرعتها القصوى إلى 176 ميلًا في الساعة.
وفي مقصورة القيادة، يعمل الطياران، جيريمي ديغاني وكول هانسون، على اثبات نجاح التجربة، إذ لم تكن هناك عدادات وقود ذات إبر متأرجحة.
وكان هناك ضجيج ضئيل، باستثناء ثرثرة الراديو، وعلى الشاشة، انكمش عرض أزرق ساطع ببطء مع بدء نفاد شحن بطاريات الطائرة.
وقال جاي غراتون، أستاذ الطيران في جامعة كرانفيلد بإنجلترا، والذي كان يتابع طموح النرويج الكهربائي لفهم دلالاته للعالم، "لا يزال نقطة ضعف" جميع الرحلات الجوية الكهربائية البطارية".
وأضاف أن وزن البطاريات حاليًا يفوق 50 ضعف كمية الوقود اللازمة لتخزين نفس الطاقة.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه الطيران الكهربائي أن الطائرات لا تخف وزنًا مع تقدم الرحلة، مثل الطائرات التقليدية التي تحرق الوقود أثناء الطيران.
كما أن للبطاريات عمرٌ محدود، ويقول الخبراء إن تقنية الشحن السريع نفسها المستخدمة في السيارات الكهربائية ستؤدي إلى تدهور سريع للبطاريات الكبيرة اللازمة لطيران الطائرات.
وأضاف السيد غراتون أن هذه البطاريات ستواجه أيضًا صعوبة في تشغيل الطائرة في ظل الرياح المعاكسة والظروف الجليدية، مما قد يؤثر على أدائها.
وطورت طائرة Alia CX300 في ولاية فيرمونت بواسطة شركة Beta Technologies، ويعتبرها خبراء الطيران أحد أبرز مشاريع الطائرات الكهربائية الواعدة.
وقد أكملت رحلات تجريبية في الولايات المتحدة، وظهرت لأول مرة في معرض باريس الجوي لهذا العام.
وتتنافس Beta Technologies مع عدد متزايد من المنافسين على الاستثمار من شركات طيران كبرى وحكومات مثل الصين والإمارات العربية المتحدة.
ويقول محللو الطيران إن ما يجعل خطط النرويج مثيرة للاهتمام هو أن الدولة ضخت 5 ملايين دولار لجعل رحلة يوم الخميس التجريبية حقيقة واقعة.
وبعد ذلك، تخطط النرويج لإنفاق المزيد لمعرفة كيفية تكييف العديد من مطاراتها الـ 44 للطيران الكهربائي.
أفاد محللون أن اعتماد النرويج للسيارات الكهربائية مهد الطريق للسفر الجوي الكهربائي.
ولتشجيع المستهلكين على استخدام السيارات الكهربائية، قدمت الحكومة النرويجية حوافز جعلت السيارات أرخص، ووفرت مزايا بمجرد تشغيلها.
وارتفعت حصة السوق للسيارات الكهربائية الجديدة من 54.3% في عام 2020 إلى رقم قياسي بلغ 88.9% في عام 2024، وفقًا لجمعية السيارات الكهربائية النرويجية.