تاريخ التسريبات النووية.. كيف غيّرت مسار الطاقة الذرية في العالم؟

تجدّدت المخاوف العالمية من مخاطر الحوادث النووية، بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن "تأثيرات مباشرة" أصابت قاعات تحت الأرض بمنشأة نطنز الإيرانية، عقب ضربات إسرائيلية، وفقًا لتحليل صور أقمار صناعية.
أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يونيو/ حزيران 2025، عن تسجيل أضرار "مباشرة" في مرافق تخصيب اليورانيوم بمنشأة نطنز الإيرانية، إثر ضربات جوية نُسبت إلى إسرائيل. وبينما لم تُعلَن تفاصيل دقيقة حتى الآن، فإن هذا التطور أثار قلقًا متزايدًا من تداعيات استهداف المنشآت النووية في سياق النزاعات المسلحة، خاصة في ظل غياب شفافية كاملة بشأن الأضرار أو التسريبات المحتملة.
تشيرنوبل (أوكرانيا)
في 26 أبريل/ نيسان 1986، أدى انفجار في المفاعل رقم 4 بمحطة تشيرنوبل إلى تسرب كميات هائلة من المواد المشعة. لقي عاملان مصرعهما فورًا، ثم توفي 29 شخصًا خلال الأسابيع التالية نتيجة التعرض للإشعاع، بينما جرى إجلاء أكثر من 115 ألف شخص. وتوسّعت عمليات الإجلاء لاحقًا لتشمل نحو 350 ألفًا. وصُنِّف الحادث على الدرجة السابعة وفق مقياس الحوادث النووية.
فوكوشيما دايتشي (اليابان)
في 11 مارس/ آذار 2011، تسبب زلزال وتسونامي في كارثة نووية بمحطة فوكوشيما، حيث أدّت الكارثة إلى تعطيل أنظمة التبريد وحدوث انصهار جزئي لثلاثة مفاعلات. أُجبر أكثر من 160 ألف شخص على النزوح، ولم تُسجّل وفيات مباشرة بسبب الإشعاع، إلا أن التبعات الصحية والبيئية ظلّت مصدر قلق مستمر.
جزيرة الأميال الثلاثة (الولايات المتحدة)
شهدت محطة "ثري مايل آيلاند" في مارس/ آذار 1979، في ولاية بنسلفانيا انصهارًا جزئيًا بسبب خلل في نظام التبريد وسلسلة من الأخطاء البشرية. أدّى ذلك إلى تسرب غازات مشعة بكميات محدودة، وإجلاء آلاف السكان طوعًا رغم عدم صدور أوامر رسمية. ولم تُسجّل إصابات مباشرة، لكن الحادث أدّى إلى تراجع الثقة في السلامة النووية داخل الولايات المتحدة.
كيشتم (روسيا)
في منشأة ماياك السوفيتية في سبتمبر/ أيلول 1957، أدّى تعطل نظام تبريد في أحد خزانات النفايات النووية إلى انفجار يعادل بين 70 و100 طن من مادة TNT، ما أدّى إلى تلوّث إشعاعي لمسافة تزيد على 300 كيلومتر. ظلّ الحادث طيّ الكتمان حتى السبعينيات، ولم تُوثّق الخسائر البشرية بدقة.
ويندسكيل (المملكة المتحدة)
اندلع حريق في مفاعل نووي بمدينة ويندسكيل البريطانية في أكتوبر/ تشرين الأول 1957، واستمر لنحو 16 ساعة، مسببًا تسرب اليود المشع. لم تُسجّل وفيات مباشرة، لكن التقديرات اللاحقة أشارت إلى احتمال إصابة مئات بسرطان الغدة الدرقية. وظلّت تفاصيل الحادث سرية لعقود.
تسريبات غير موثقة خلال الحرب الباردة
كشفت وثائق لاحقة عن وقوع تسربات نووية في منشآت داخل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، لم يُعلَن عنها في حينه. شملت هذه المنشآت مواقع في سيبيريا وكازاخستان وأوك ريدج، حيث جرى التعامل معها داخل نطاقات عسكرية دون رقابة مستقلة.
إشارات متكررة وقلق متزايد
رُصدت غيوم مشعة في أوروبا الشرقية عام 2017 دون تحديد مصدر واضح. كما تكرّرت إشارات من الأقمار الصناعية بشأن تسريبات في مواقع نووية بكوريا الشمالية وإيران، دون اعتراف رسمي. وتُحذّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خطورة التسربات البطيئة غير المعلنة، مؤكدة أن التهديد قد يكون في الصمت المرافق لها، لا في الانفجار نفسه.
في ظل عودة التوترات الجيوسياسية، وتحوّل المنشآت النووية إلى أهداف مباشرة في بعض النزاعات، تتصاعد الدعوات لتعزيز الشفافية الدولية ومراقبة السلامة النووية بشكل صارم، لتفادي كوارث قد لا تُكتشف إلا بعد فوات الأوان.