عينها على روما.. لماذا تغيب أوروبا عن «مفاوضات النووي»؟

لماذا تغيب أوروبا عن مفاوضات النووي الجارية في إيطاليا رغم أنها من مهندسي اتفاق 2015؟
استفهام يطرح نفسه في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة وإيران، اليوم السبت، بالعاصمة الإيطالية روما، جولة ثانية من محادثات غير مباشرة بشأن برنامج طهران النووي، بعد أسبوع على جولة أولى وصفها الجانبان بـ"البنّاءة".
وفي قراءتهم للموضوع، يرى خبراء فرنسيون أن استبعاد القوى الأوروبية من المفاوضات يعكس تراجع ثقل باريس وبرلين ولندن في هذا الملف الحساس، لحساب وساطات إقليمية تعتبرها طهران وواشنطن أكثر نفعًا في المرحلة الراهنة.
وأشاروا، في أحاديث منفصلة لـ«العين الإخبارية»، إلى أن غياب الأوروبيين عن الطاولة، رغم كونهم من مهندسي اتفاق 2015، يعكس فتور ثقة إيران تجاه أوروبا منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018، وامتناع الأوروبيين عن مواجهة العقوبات الأمريكية بفعالية.
على الهامش؟
في مشهد دبلوماسي يعكس تغير موازين القوى، تستضيف روما هذا السبت جولة جديدة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، بوساطة سلطنة عمان.
غير أن الغائب الأكبر هذه المرة هو أوروبا – التي كانت في قلب اتفاق 2015 النووي – إذ لم تُدعَ فرنسا ولا ألمانيا ولا المملكة المتحدة إلى الطاولة، رغم تاريخها الطويل في هذا الملف.
ورغم أن العاصمة الإيطالية اختيرت لأسباب "لوجستية"، وفق ما أعلنته السلطنة في وقت سابق، إلا أن مراقبين يعتبرون أن هذا الغياب لا يخلو من دلالات سياسية واضحة، تعكس تراجع النفوذ الأوروبي، وتحديدًا الفرنسي، في قضايا الشرق الأوسط النووية.
يقول فرنسوا نيكولا، الباحث في مركز "مونتين" الفرنسي للدراسات الاستراتيجية، إن "الولايات المتحدة لم تعد تعتبر أوروبا طرفًا مؤثرًا في الملف الإيراني، وهذا نتيجة مباشرة لفشل الأوروبيين في حماية الاتفاق بعد انسحاب واشنطن منه في 2018".
وأضاف نيكولا، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "باريس وبرلين ولندن اكتفوا بالتعبير عن 'الأسف'، دون أن تتمكن من تأمين آلية فعالة تسمح باستمرار التبادل التجاري مع طهران".
واعتبر أن "هذا التراخي الأوروبي، الذي اعتبرته إيران خيانة صامتة، أفقد فرنسا وأوروبا ثقة طهران، وجعل الأمريكيين ينظرون إليهم كأطراف غير ضروريين في المفاوضات المباشرة".
وتابع: "ما يحصل اليوم في روما هو تعبير على أن مستقبل الشرق الأوسط يُرسم خارج القارة العجوز، وهذا يطرح علامات استفهام حول فاعلية الدبلوماسية الفرنسية، خاصة في ظل إدارة أمريكية تميل إلى سياسات أحادية وتحصر الوساطة بمن تثق بولائهم للخط الاستراتيجي الأمريكي".
خسارة لفرنسا؟
من جهته، يرى جوناثان بريوليه، الخبير في العلاقات الدولية في مؤسسة "فيرساي للأبحاث الدبلوماسية"، أن تهميش أوروبا في هذه الجولة "ليس قرارًا عابرًا بل نتيجة لمسار من التراجع التدريجي، بل إن فرنسا، التي كانت فاعلًا رئيسيًا في صياغة اتفاق 2015، تجد نفسها اليوم مهمشة".
ويقول بريوليه، لـ"العين الإخبارية"، إن "السبب ليس فقط السياسات الأمريكية، بل أيضًا عجز الدول الأوروبية عن حماية استقلالية قرارها أمام الضغوط".
ويوضح: "الإيرانيون يتذكرون جيدًا كيف انسحبت الشركات الفرنسية من السوق الإيرانية فور عودة العقوبات الأمريكية، رغم وعود الحكومات الأوروبية، وهذا خلق شرخًا في الثقة".
وبالنسبة له، فإن "غياب أوروبا عن المفاوضات يعكس أيضًا تراجع دورها كضامن للاتفاقات متعددة الأطراف، وهو ما سيؤثر على مكانتها في ملفات أخرى، كالقضية الفلسطينية أو ملف أمن البحر الأحمر".
"أما بالنسبة لفرنسا تحديدًا، يتابع، فإن "فقدان موقعها في هذا الملف يضعف من قدرتها على التأثير في أمن المتوسط، الحليف المباشر للغرب في المنطقة".
«فجوة» في زمن التأثير؟
بعد أكثر من عقدين من العمل الدبلوماسي في الملف النووي الإيراني، تجد أوروبا نفسها اليوم على مقاعد المتفرجين.
فالمفاوضات تعقد في عاصمة أوروبية، نعم، لكنها تُدار بوساطة عمانية، وتقتصر على خصمين تقليديين – طهران وواشنطن – لا مكان فيهما لمن "لم يعد يُحسب له حساب"، على حد وصف مراقبين.
فهل يعيد الأوروبيون النظر في أدواتهم الدبلوماسية؟ أم أن زمن التأثير الفرنسي قد ولى، خاصة مع غياب الثقة الإيرانية وضغوط الحليف الأمريكي؟.
الأجوبة قد تتضح في الأيام القليلة المقبلة، لكن ما هو واضح منذ الآن هو أن أوروبا خارج اللعبة، مؤقتا وربما لأمد أطول مما تتوقع.