آلات حادة.. نجوم الغانم ترسم بريشة شادي عبدالسلام
فيلم آلات حادة لنجوم الغانم، يكشف عن فنان بديع اسمه حسن شريف مثلما يوثق له بكاميرا مبدعة وشاعرية.. قراءة في الفيلم حاصد الجوائز الكبرى
"نحن لا نتصارع مع الحجر ولكن مع عقول متحجرة"، ربما تلخص هذه الجملة البليغة حكاية حسن شريف، الفنان التشكيلي المجدد، الذي كسر التابوهات وواجه الرفض حتى فرض لوحاته وأعماله التشكيلية التي تجاوزت حدود الإمارات، لتصبح حديث العالم بعد ذلك، وهو ما رصدته بكاميرا شديدة الشاعرية المخرجة المبدعة والشاعرة والفنانة التشكيلية نجوم الغانم.
العمل، الذي يحمل عنوان "آلات حادة"، يكشف هذا التناقض المدهش في حياة الفنان الإماراتي العالمي حسن شريف، فهو يستخرج من هذه الآلات الحادة التي يستخدمها بكل جمودها وثقلها وطقسها البدائي فناً مدهشاً وعبقاً رومانسياً ومتعة بصرية لانهائية، شكلت ما يمكن اعتباره تياراً حداثياً في الفن التشكيلي خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات، حيث قدم ما عرف بالفن المفاهيمي، ما أتاح للمخرجة تقديم خصوصية التجربة التي قدمها الراحل في مجال إنتاج هذا النوع من الفن، لتنجح بفيلمها في الاقتراب من شخصية الفنان وطقوسه على نحو مدهش، ولترسم بدورها بالظل والضوء والجمل الشعرية ما يشبه المنمنمات أو الفسيفساء، ولتربط بالحبل الذي يستخدمه حسن شريف ذاته ذلك الخيط الواصل بين إبداعه وحياته الخاصة.
والعمل الذي نال الجائزة الكبرى مرتين، الأولى في مهرجان دبي العام الماضي والثانية في مهرجان الإسماعيلية السينمائي بمصر، لا يكشف ببراعة المخرجة فحسب عن هذا العالم الساحر لفنان تشكيلي قال عن نفسه إنه ليس رومانسياً وإنه عاش طفولة بائسة، بل وقال أيضاً إنه تجنب فكرة "العائلة"، وكلها تفاصيل وحكايات تبدو غريبة على أي فنان، فما بالك بمبدع من طراز خاص كحسن شريف، وإنما يكشف العمل عن ذلك الحس الخاص والإيقاع المتسلسل لسيناريو المخرجة، حيث يتحول التكرار في الإيقاع والصورة أحياناً لتكريس عمل مختلف، وصورة ذهنية للمبدع الذي تتناوله مع طرح مقتطفاتها الشعرية المعلقة ببراعة تنطق بالحكمة وتكشف عن أسرار بطلها الفنان وتمرده، لنكتشف أننا أمام لوحات تشبه عوالم شادي عبدالسلام بكل بلاغة الفلاح الفصيح، وكأننا أمام برديات جديدة وكشف فني عن عالم فنان تشكيلي ربما لا يعرفه كثيرون من العامة، ولكنه بالتأكيد أحد المجددين والمبتكرين بقامته الفنية والروحية وربما الفلسفية في هذا المضمار .
أيضاً نجحت نجوم الغانم في التعبير عن فضاءات الفراغ الشاسع لهذا الفنان، خلال مراحل التحول البديعة من النغمة اللونية إلى النغمة المفاهيمية، مستثمراً الشعر والريشة والموسيقى والمسرح وكل أنواع الفنون، لتبني لوحتها الخاصة، فتشتبك بأدواتها هي الأخرى مع أعمال بطلها، ليصبح النتاج ربما كما قال حسن شريف نفسه مثل لوحة «ضوء الشمس يكفي لرؤية الأعمال، وفي الليل إذا لم تستطع رؤيتها يكفيك أن تلمس العمل بيديك».
لقد رحل حسن شريف بجسده، لكن أعماله ستظل خالدة في المعارض داخل الإمارات وخارجها، وسيظل تمرده درسًا لجيل كامل وقادم من الفنانين التشكيليين، في حين يبقى فيلم نجوم الغانم موثقاً وشاهداً على هذا العالم الرحب والبديع والشاعري لهذا الفنان، لتخرج به من رحم الآلات الحادة لعمل بديع يوازي هذا الإبداع، ويربط بذلك الخيط أو الحبل المميز الذي يتدلى من أعلى الكادر وفي ثناياه على طريقة بريخت ما بين الخاص والعام.. ليصبح شاهداً على فترة مهمة في تاريخ هذا الفن الذي نجح شريف في النزول به من علياء الخاصة والصفوة، ليصبح أكثر شعبية وجماهيرية، وهو نفس ما فعلته نجوم الغانم في فيلمها .