واحة الكرامة.. أيقونة فخر تخلد شهداء الإمارات
تحيي الإمارات «يوم الشهيد» 30 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، في وقت نجحت فيه في تكريم شهدائها وتخليد ذكراهم على مدار الساعة.
وتحقيقا لهذا الهدف السامي، أُنشئت واحة الكرامة لتكون صرحاً يجسد أسمى معاني الفخر والاعتزاز بالبطولات المشرفة لشهداء الوطن، ومعلما حضاريا يروي للعالم أجمع قصص بطولات شهداء الإمارات وما قدموه من تضحيات في سبيل الحفاظ على أمن الوطن وكرامته.
وجاء تشييد واحة الكرامة بأمر أصدره الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وفي 20 مارس/آذار 2016 بدأت أعمال التنفيذ، وانتهى العمل في واحة الكرامة في أواخر شهر نوفمبر من نفس العام، حيث اعتمد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اسم "واحة الكرامة"، بما يحمل من قيم ورسائل ودلالات.
ومنذ افتتاحها رسميا خلال إحياء الإمارات ذكرى يوم الشهيد 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أضحت الواحة المركز الرئيسي للاحتفاء بيوم الشهيد، ومعلما سياحيا لا يفوّت زوار أبوظبي سانحة المرور به، ومحطة مهمة على أجندة زائري الدولة من القادة والعلماء ورجال الدين والمفكرين وكبار المسؤولين، ليتعرفوا عن قرب على بطولات شهداء الإمارات، الذين ضحوا بأرواحهم للحفاظ على كرامة وعزة دولة الإمارات وأمن المنطقة بأسرها.
أهمية خاصة
وتحيي الإمارات تلك المناسبة هذا العام 2024، في وقت تمضي فيه قدما على أكثر من صعيد، وبشكل متواز ومتزامن، في دبلوماسيتها الحكيمة الساعية لنشر السلام وتعزيز الأمن والسلم في مختلف أرجاء العالم، بعد أن ودعت 8 من شهداء القوات المسلحة صعدت أرواحهم إلى بارئها خلال قيامهم بواجبهم داخل الوطن وخارجه خلال العام الجاري.
أيضا توافق ذكرى هذا العام مرور 10 سنوات على الاحتفال بتلك المناسبة، منذ إضافتها لأجندة الفعاليات الوطنية بالإمارات والاحتفاء به للمرة الأولى عام 2015.
ومنذ ذلك اليوم، أضحت ذكرى يوم الشهيد منارة فخر في حياة الإمارات، لا تنتهي بانقضاء اليوم، بل أضحت ذكرى هذا اليوم ملحمة فخر واعتزاز وامتنان لتضحيات الشهداء الأبطال.
ملحمة ترسل عبرها دولة الإمارات رسائل لأسر الشهداء وذويهم مفادها أن "رعايتهم ستظل أولوية على الدوام"، وللعالم أجمع بأن دولة الإمارات "كانت ولا تزال وستظل داعية سلامٍ وتعاونٍ" وفاء للقيم والمعاني التي يجسدها شهداؤها.
ملحمة نجحت الإمارات عبرها في تكريم الشهداء وتخليد ذكراهم في "واحة الكرامة"، وعبر تكريم أسرهم بمبادرات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، الذي أفرد مكتباً خاصاً لرعايتهم وتوفير احتياجاتهم والعناية بأبنائهم، إضافة إلى مبادرات أعضاء المجلس الأعلى حُكّام الإمارات.
بطولات خالدة
أيضا تحيي الإمارات تلك المناسبة، فيما تواصل "واحة الكرامة" استقبال الزائرين من داخل الدولة وخارجها، للتعرف على تضحيات شهدائها الأبرار، وعلى رأسهم الشهيد سالم بن سهيل بن خميس، الذي يخلد التاريخ اسمه كأول شهيد إماراتي، صعدت روحه إلى بارئها في مثل هذا اليوم من عام 1971 قبل أيام من إعلان تأسيس دولة الإمارات.
واستُشهد سالم على يد القوات الإيرانية عندما هاجمت جزيرة طنب الكبرى بينما كان يؤدي واجب الحراسة في مركز شرطة الجزيرة التي تتبع إمارة رأس الخيمة.
ويوجد اسم الشهيد سالم بن سهيل بن خميس ضمن قائمة فخر يضمها جناح الشرف في واحة الكرامة، يضم أسماء 196 شهيداً من أبناء الإمارات البواسل، الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن.
معالم ورسائل
وحرصا منها على تكريم شهدائها بشكل يليق بتضحياتهم، جاء إنشاء واحة الكرامة، التي تتكون من معالم عدة كل منها يحمل رسائل ودلالات مهمة من أبرزها: نصب الشهيد، وجناح الشرف ومركز الزوار، وميدان الفخر.
تقع واحة الكرامة التي تبلغ مساحتها 46 ألف متر مربع في منطقة حيوية مقابل جامع الشيخ زايد الكبير في مدينة أبوظبي وهي تشكل منصة مثالية لإقامة الفعاليات السنوية للاحتفاء بيوم الشهيد.. كما تستقبل القادة وكبار الزوار إضافة إلى استقطاب عائلات الشهداء الأبطال والمواطنين والمقيمين والزوار.
ويرتفع في واحة الكرامة نصب الشهيد الذي يتكون من 31 لوحاً من ألواح الألمنيوم الضخمة التي يستند كل منها على الآخر كرمز للوحدة والتكاتف والتضامن في مشهد يعبر عن أسمى معاني الوحدة والتلاحم بين القيادة والشعب والجنود البواسل.
ويرمز نصب الشهيد الذي يتكون من حوالي 300 طن من الحديد إلى القوة والشجاعة التي تحلى بها شهداء الإمارات وأبطالها وقد تم نقش قسم الولاء للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة على العمود الطويل في الجزء الخلفي من نصب الشهيد، بينما نُقش على الألواح الأخرى قصائد وأقوال للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واقتباسات من أقوال الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات الراحل، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
كما تم نقش قسم الولاء الذي يهتف به حماة الوطن من جنود القوات المسلحة على العمود الخلفي المتصل بالألواح المتساندة من نصب الشهيد.
وتتضمن واحة الكرامة أيضا جناح الشرف الذي غطي سقفه بثمانية ألواح ترمز إلى الإمارات السبع بينما يمثل اللوح الثامن شهداء دولة الإمارات ويوجد في منتصف الجناح عمل فني يتكون من ألواح زجاجية شفافة كبيرة تمثل الإمارات السبعة وتحيط بها بركة يجري من خلالها الماء.. بينما يحيط بكل لوح من الجانبين الأمامي والخلفي نقش بقسم الجنود يمكن للزوار قراءته من أي جانب.
ونقشت على الجدارية التي صنعت ألواحها الحديدية من قطع مصهورة من هياكل الآليات والمدرعات العسكرية التي استخدمها جنود الإمارات البواسل في مختلف ساحات الواجب وصبت في قوالب كأنها بطاقات تعريفية حمل كل لوح منها اسم أحد شهداء الوطن ورتبته إضافة إلى مكان وتاريخ استشهاده.
وتوفر مكونات واحة الكرامة عبر تصميمها الفريد الذي أنجزه الفنان البريطاني الشهير إدريس خان تجربة عميقة ومؤثرة مليئة بالمعاني والقيم تشجع الزائر على التأمل في التضحية التي قام بها هؤلاء الأبطال الشجعان لحماية مبادئ الوطن وقيمه.
ويعتبر ميدان الفخر الذي يقع مباشرة بعد المدخل الرئيسي من أبرز معالم واحة الكرامة حيث يتميز بمساحته الواسعة التي تصل إلى حوالي 4000 متر مربع وتتخذ شكلاً دائرياً ويقدم انعكاسا واضحاً لنصب الشهيد وجامع الشيخ زايد الكبير.
ويحيط بالميدان مسرح ومدرج كبير يتسع إلى حوالي 1200 شخص ويوجد في منتصفه بركة ماء دائرية الشكل يمكن السير خلالها حيث يصل عمقها إلى 15 مم فقط، وتشكل البركة لوحة فنية في غاية الروعة تجمع بين انعكاس جامع الشيخ زايد الكبير ونصب الشهيد عليها.
كما تضم واحة الكرامة مركز الزوار وهو أولى المناطق التي تستقبل زوار واحة الكرامة ويوفر تجربة تفاعلية للزوار تقوم على سرد قصة نصب الشهيد ويروي قصصاً بطولية عن تضحيات شهداء الدولة.
وشكلت واحة الكرامة مقصداً رئيسياً لكبار زوار الدولة من القادة والمسؤولين الذين اطلعوا خلال زياراتهم للواحة على تضحيات أبناء الإمارات في سبيل ترسيخ مكانة الدولة كرمز دولي للتسامح والتعايش وكرم الضيافة.
وقد دون هؤلاء القادة والمسؤولون في سجل الشرف بالواحة كلمات عبروا فيها عن عميق الاعتزاز والاحترام لأرواح الشهداء وتضحياتهم الجليلة، كما عبروا عن مدى إعجابهم الشديد بواحة الكرامة كصرح ثقافي يعبر عن قيم السلام والمحبة والتسامح.
وحازت واحة الكرامة في عام 2018 جائزة الإبداع الأيقونية عن فئة أفضل تصميم في الهندسة المعمارية المبتكر، كما سبق أن حصلت على جائزة العمارة الأمريكية لسنة 2017.