3 أبناء بعد معاناة 13 سنة.. زراعة الأنابيب تهزم العقم في غزة
في قطاع غزة يوجد 6 مراكز طبية لزراعة أطفال الأنابيب، تنشط في مواسم معينة لتكتظ بالأزواج، وتعمل ساعية على فتح حملات بأسعار مخفضة.
ترك ما يشغله وراح يلّوح يديه في الهواء من بشارة جاءته للتو من هاتف زوجته تخبره أن أولاده الثلاثة قادمون إليه عبر معبر بيت حانون "إيرز" شمال قطاع غزة، فلم تسع فرحته الحيّ الذي خرج إليه مهنئاً، لتذهب سنوات الانتظار الطويلة والعلاج المرير خلف كثبان النسيان، ويعيش فرحة المواليد الثلاثة بكل ما أوتي من سرور.
أمل من بين أصابع الانتظار
محمد عبدالمجيد الأسطل شاب في الـ35 من عمره، تزوج قبل 13 سنة ولم ينجب، تداوى وعرج على معالجي الطب البديل، وصرف من الأموال ما يحبس الأنفاس، وجاس خلال الحسرة ما يتعب القلب، ويؤخر المسرة، ولم يترك باباً لعلاج عدم الإنجاب إلا وطرقه، حتى وضعته نصيحة صديق له أمام باب مركز مختص بزراعة أطفال الأنابيب في مدينة غزة، ومن هناك بدأت حياته تأخذ شكلها المختلف، انتظارا مع أمل يشفع خير من انتظار السراب للسراب.
الفرح صناعة الصابرين
محمد الذي استقبل "العين الإخبارية" في منزله بمحافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، بعد استقبال أطفاله الثلاث، كان غارقاً بفرحه، ولكنه فتح لتجربته المريرة مع الإنجاب دفاترها.
يقول: "أعاني منذ 12 سنة من البحث عن حلٍ لمشكلة تأخر الإنجاب، رغم أن جميع الأطباء الذين زرتهم مع زوجتي فاطمة أكدوا أن وضعنا سليم، ولا يوجد سبب لتأخر الإنجاب، وراحت بنا السنون مع هذا القول لمرارة أثقل، حتى ذهبنا إلى المعالجين بالطب البديل، ولكن دون فائدة".
ويضيف: "مضت بنا الحسرة إلى آخرها، حتى كدت أن أستسلم وأرضى وزوجتي بما كتبه الله لنا، ونبقى على مشيئة الله إلى أن يحين لنا قدره بالإنجاب، ولكن البعض نصحونا بخوض تجربة أطفال الأنابيب، والمباشرة بالزراعة، وهنا كان الأمر المانع متعلقا بعسر الحال المادي، إذ إن العملية تحتاج إلى مبلغ 5000 دولار أمريكي، وهو مبلغ بالنسبة لمزارع بسيط ليس بالسهل ولا بالمتوفر".
ورغم حاله المادي دخل محمد التجربة بيقين الله لأنه وراء فتح هذا الباب، وتدبر أمر المال بفضل الله، وخاض وزوجته التجربة، إلى أن بلغهم من المركز والدكتورة المشرفة على عملية الزراعة، أن الأجنة في الرحم ثلاثة ولا يوجد في مستشفيات غزة ما يوفر لهم الحضانة المناسبة، فاضطروا إلى تحويل الأم إلى مستشفى المقاصد في القدس، وهناك بدأت حكاية زوجته مع الولادة والحضانة.
الدكتورة ناديا الغلايني المشرفة على عملية زراعة محمد وفاطمة تقول لـ"العين الإخبارية": "عمليات الزراعة في قطاع غزة في زيادة ملفتة، بعد أن حصلت مثل على ثقة الناس في السنوات الأخيرة، وبدا لهم أنها واحدة من العلاجات المهمة للعقم وتأخر الإنجاب".
الزوجة فاطمة أيمن أم الأولاد الثلاثة (حمزة وحنين ويقين) قالت لـ"العين الإخبارية": "الأمومة نعمة الله للأمهات، وقد انتظرتها طويلاً وعالجت انتظاري بالصبر وبيقيني أن الله لن يحرمني من هذه النعمة، وأعيشها اليوم بعد خوض الكثير من التجارب"
وأضافت: "الزراعة باب أمل كبير لكل من تأخروا عن الإنجاب، لا يفوتوا على أنفسهم التجربة، فهي من باب الأخذ بالأسباب، والله هو الرزاق، ولكن على الجهات المختصة أن تخفف من تكاليف الزراعة، لأن أغلب الناس المحرومين من الإنجاب من الفقراء والبسطاء، ولو جعلت الحكومة صندوقاً لدعم زراعة أطفال الأنابيب لكانت مبادرة إنسانية مقدرة".
وعن تحويلها لمستشفى المقاصد في القدس قالت: "كان ضرورة ملحة لحماية الأطفال بعد ولادتهم، فلا يوجد في قطاع غزة حضانة كاملة بمواصفات تفي بأغراض الحفاظ على حياتهم خاصة إذا ولدوا في الشهر السابع، وقد نجانا الله من أي حادثة بوصولنا إلى مستشفى القدس، فهناك أنجبت وتركت أولادي وحدهم، لعدم السماح لي بالمكوث معهم وفق اشتراطات الاحتلال".
وبقي الأولاد شهرين ونصف الشهر في حضانتهم، وعندما اكتملت عملية الحضانة تم الاتصال بالوالدين من إدارة المستشفى لاستقبالهم عبر معبر بيت حانون.
تقول: "ذهبنا وأحضرناهم لنجد الحي كله باستقبالنا، أصبحت أماً وأصبح زوجي أباً، هذه الفرحة لا تعادلها فرحة في الوجود، وأن تأتيك بعد سنوات انتظار طويلة ورحلة علاج مريرة، فالفرح فيها مضاعف ويفوق قدرة القلوب، لله الحمد".
في قطاع غزة يوجد 6 مراكز طبية لزراعة أطفال الأنابيب، تنشط في مواسم معينة لتكتظ بالأزواج، وتعمل ساعية على فتح حملات بأسعار مخفضة أو بدعم جهات إنسانية تحصل عليها هذه المراكز، لتحقيق التنافس من جهة والتخفيف على الأزواج المتأخرين عن الإنجاب من جهة ثانية.
وتحتفظ هذه المراكز بإحصائياتها الخاصة حول العمليات الناجحة، والعمليات التي لم يحالفها النجاح لأسباب تخصها وتعتبرها من أسرار الناس التي لا يمكن تسريبها، ولكن أهم مركز في قطاع غزة يؤكد على أن عمليات الإقبال على الزراعة تزيد ولا تنقص، رغم ارتفاع كلفتها، ونسب النجاح والفشل المتعادلة فيها.
لم يخلُ الأمر من استخدام زراعة أطفال الأنابيب لتثبيت مواليد جديدة، تفرق فيها الزوجان بفعل الاحتلال والسجن، فاستخدم الأسرى الفلسطينيون عملية تهريب النطف لحقن نسائهم والإنجاب منهن، لأن أحكامهم في السجون الإسرائيلية عالية قد تصل إلى المؤبدات، وقد نجحت الكثير من عمليات تهريب النطف، وحقن الأمهات بها وإنجابهن، ومن الأولاد من زاروا آباءهم في المعتقلات، وكان بينهم عناق ليكبر الأمل قبل شروق شمس حريتهم.
والجدل الذي دار حول تهريب النطف من السجون قطعه بالفتوى الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، بفتواه الأخيرة الصادرة يوم السبت 26/10/2019 بقوله: "أفتي أنه لا مانع شرعاً من إجراء عملية التلقيح باستخدام النطف المهربة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وخاصة الذين يخشون عدم القدرة على الإنجاب بعد خروجهم من أسرهم، حيث إن أحكامهم طويلة تصل إلى عشرات السنين، وعليه فإني أفتي أنه لا مانع شرعاً من إجراء عملية التلقيح للزوجة، سواء كانت الزوجة مدخول بها أم لا".
وحدد الشيخ عكرمة صبري شروط محددة يجب أن تكون مجتمعة: "وثيقة عقد الزواج بين الزوجين، موافقة الزوجة على إجراء عملية التلقيح، وأن يكون الحيوان المنوي من الزوج، وأن تكون البويضة الأنثوية من زوجته فقط، وأن يكون المركز الطبي المسؤول عن إجراء هذه العملية مركزاً معروفاً ومرخصاً لإجراء هذا النوع من العمليات، وأن يحضر اثنان أحدهما من طرف الزوج والآخر من طرف الزوجة كشاهدين، وأن يحضر أحد المحامين الثقات للتوثيق، وأن يعلن كل ذلك عبر وسائل الإعلام أو أي وسيلة أخرى دفعاً للشبهات ولبراءة الذمة، وبهذا أفتي، والله تعالى أعلم".
عبدالمجيد الأسطل جد الأطفال الثلاثة يعبر عن فرحته بوصول أحفاده بقوله لـ"العين الإخبارية": "الله كبير، مع كل ركعة وسجدة لله كنت أدعوه سبحانه أن يرزق ابني ولداً لكي نفرح به، واليوم أكرمنا بثلاثة أولاد وفرحتنا كبيرة تسع العالم بأسره، ولهذا لا نقنط من رحمة الله أبداً".
ورغم هذا الفرح الذي أوجدته العملية الأولى لزراعة محمد وفاطمة، إلا أن العشرات من الأزواج يفشلون في تحقيق حلمهم بفشل عمليات الزراعة، لأسباب تتعلق بالأوضاع الطبية والمهنية وأخرى تسند إلى قدر الله سبحانه، لهذا تدخل الدعم الحكومي أصبح ملحاً للتخفيف عن الأزواج الذين تأخروا بالإنجاب وطواف حلمهم لا يهدأ لبناء أسر مكتملة تصير للوطن لبنة مجتمعية كاملة.
aXA6IDE4LjExOC4yOC4zMSA=
جزيرة ام اند امز