ذكرى «7 أكتوبر».. حلم إعادة إعمار غزة عالق بين حسابات الاقتصاد ومتاهات السياسة

دمّرت الحرب الإسرائيلية على غزة حياة الفلسطينيين فيها، وقضت على اقتصادها السياسي وبنيتها التحتية، وأصبح الأمل الوحيد لسكانها هو الصراع من أجل البقاء.
بعد عامين تقريبا من الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، إثر هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم يعد الحديث عن إعادة إعمار غزة اقتصاديا فقط، بل وسياسيا بامتياز.
- ذكرى «7 أكتوبر».. ماذا حل باقتصادات الشرق الأوسط بعد عامين من الحرب؟
- عامان على حرب غزة.. كيف انتشر الدمار كالنار في الهشيم؟
لم تعد أزمة توفير الأموال لإعادة الإعمار هي المشكلة الأهم، ولا يهتم البعض بمدى الوقت الذي قد تستغرقه تلك العملية، بقدر الاهتمام بما سيتمخض عنه التدخل الأمريكي في هذا الملف.
وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن الولايات المتحدة تملك خطة محتملة لإعادة إعمار غزة في إطار صفقة سلام أوسع، لكن بنودها لا تزال غير واضحة.
ومن جانبه، حذر معهد "كارنيغي" في تقرير صدر في يوليو/ تموز الماضي، من أن تؤدي خطط إعادة إعمار غزة إلى خلق تخلق بيئة مواتية لنخب سياسية واقتصادية بعينها للسيطرة على موارد القطاع وتهميش المجتمعات المحلية.
وأوضح: "هناك خطر حقيقي بأن تصبح غزة مثالاً جديدًا على ما يطلق عليه (رأسمالية الكوارث) بعد تجارب مماثلة في العراق وأفغانستان ولبنان".
إلى أين وصل الدمار في قطاع غزة؟
شهدت غزة سلسلة من التصعيدات المدمرة، بما في ذلك حروب كبرى في أعوام 2008، 2012، 2014، 2021، و2022.
وقد كانت آثار جميع هذه الحروب كارثية على سكان غزة، حيث أثرت بشكل كبير على البنية التحتية في القطاع، والنظام الصحي، والاقتصاد، والمجتمع، والتعليم، والقطاعات العامة والخاصة.
ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية، التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، وما ترتب عليها من عواقب على سكان غزة، تُعد غير مسبوقة، وفقا لتقرير أصدره مركز "بروكينغز".
50 مليار دولار تكلفة الإعمار
في أبريل/ نيسان 2024، قدّر عبد الله الدردري، مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن تكلفة إعادة إعمار غزة قد تبلغ ما بين 40 إلى 50 مليار دولار.
ووجد تحليل أجرته الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أن الحرب أعادت مؤشر التنمية البشرية في غزة 69 عامًا إلى الوراء، ليعود إلى مستوى عام 1955.
وأدى النزوح القسري لأكثر أفراد غزة كفاءةً وتعليمًا، الذين فرّوا لإنقاذ حياتهم، إلى تحدٍ اقتصادي آخر، فوفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، غادر نحو 100,000 شخص غزة بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وبداية عام 2025، مما يُلقي بظلال قاتمة على مستقبل القطاع.
وتعتبر مغادرة المهنيين، والأكاديميين، ورواد الأعمال، سببا في ضعف النسيج الاقتصادي والاجتماعي في غزة، ويحرمها من العقول الضرورية لإعادة الإعمار والتنمية.
وقد لا يعود الكثير منهم أبدًا بسبب ما عاشوه من صدمات. وهذا "النزيف العقلي" يُعيق تعافي غزة على المدى الطويل، ويقوّض قدرتها على بناء مجتمع مرن ومستقر.
80 عاما مدة إعادة الإعمار
أُجبر غالبية سكان غزة على مغادرة منازلهم، حيث تم تشريد 1.9 مليون شخص منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في يناير/ كانون الثاني 2025، سُمح للنازحين بالعودة إلى شمال غزة، لكنهم وجدوا أن منازلهم لم تعد قائمة سوى في شكل أنقاض.
وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، نزح أكثر من 390,000 شخص بسبب تجدد القتال.
وتقدّر الأمم المتحدة أن إعادة إعمار غزة قد تستغرق من 16 إلى أكثر من 80 عامًا، وذلك حسب وتيرة إعادة الإعمار. إذ أولًا، يجب إزالة الأنقاض، إذ تشير التقديرات إلى أن الحرب خلفت أكثر من 50 مليون طن من الركام، وقد تستغرق إزالته ما يصل إلى 20 عامًا.
في غضون ذلك، يحتاج أكثر من 1.9 مليون شخص إلى سكن. والخيام لا توفر الحماية من برد الشتاء أو حر الصيف، ولا من الحشرات أو الزواحف. وخلال فترة إعادة الإعمار الطويلة هذه، لا يمكن الاعتماد على دورات المياه المؤقتة.
لذا يجب إنشاء بنية تحتية ونظام صرف صحي في مواقع الإيواء المؤقت. وينبغي على كل محافظة من محافظات غزة الخمس تخصيص قطعة أرض كبيرة فارغة، وتجهيزها ببنية تحتية متكاملة، وتوفير منازل حاويات متنقلة لسكان المحافظة حسب حجم كل أسرة. كما يمكن توزيع الطعام والإمدادات في هذه المواقع لتسهيل عملية التوزيع.
قطاع زراعي منهار
بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2024، كان حوالي 96% من سكان غزة البالغ عددهم 2.15 مليون نسمة يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي.
كما أن معظم السكان فقدوا مصادر دخلهم، وحتى من يملكون المال قد لا يتمكنون من شراء الطعام، بعد تدمير جميع القطاعات الزراعية والإنتاجية الغذائية في غزة خلال الحرب.
لذلك، حتى لو انتهت الحرب، يجب أن يستمر تدفق المساعدات الغذائية حتى يتمكن سكان غزة من إعادة بناء حياتهم.
والتحدي الحقيقي لا يكمن في إدخال شاحنات المساعدات، بل في توزيع تلك المساعدات بشكل عادل ليصل إلى جميع السكان، من خلال برنامج رقابة صارم وإجراءات أمنية مشددة.
ضمان عدم التدمير
هناك مسألة أخرى تعقد مسالة إعادة الإعمار، وهي أن الدول المانحة تطلب ضمانات بأن غزة لن تُدمَّر مجددًا.
فخلال السنوات الماضية، تبرعت دول عديدة بملايين الدولارات لإعادة إعمار القطاع، ثم شاهدت هذا الإعمار يُدمَّر مرة أخرى، وهو ما جعل هذه الدول مترددة في تقديم المساعدات هذه المرة، وفقا لـ"بروكينغز".
لقد تكررت في غزة دورة الدمار ثم الإعمار ثم الدمار مجددًا في أكثر من مناسبة، وقد فشلت العديد من المبادرات السابقة لإعادة الإعمار فشلًا تامًا.
وبالطبع، فإن تحدي الحكم في غزة ليس مجرد مسألة سيطرة سياسية أو عسكرية، بل هو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالكارثة الإنسانية الأوسع نطاقًا، فالحكومة المستقبلية (في اليوم التالي لانتهاء الحرب) يجب أن تكون لديها القدرة ليس فقط على حفظ الأمن، بل أيضًا على تلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان القطاع.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز