ذكرى «7 أكتوبر».. ماذا حل باقتصادات الشرق الأوسط بعد عامين من الحرب؟

يشهد الشرق الأوسط واحدة من أعقد المراحل وأكثرها خطورة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث فرضت حرب غزة واقعًا جديدًا لا يقتصر أثره على الميدان العسكري أو الأوضاع الإنسانية فقط، بل يمتد ليضرب أساسات الاقتصاد.
وتجمع آراء الخبراء والمؤسسات الاقتصادية والمالية على أن استمرار هذه الحرب لم يعد مجرد نزاع محدود، بل تحول إلى أزمة كبرى تتشابك تداعياتها مع قضايا الطاقة، والاستثمار، والتجارة، والديون السيادية، وحتى سلاسل التوريد العالمية.
تحديات ممتدة
رأت أستاذة الاقتصاد والطاقة، وفاء علي، أن حرب غزة لم تترك مجالاً لوجود رابحين بالمعنى التقليدي، حيث فاقت الخسائر المتحققة أي مكاسب ظرفية قد تبدو للبعض، فمنذ جائحة كورونا يمر العالم بحالة عدم يقين اقتصادية شديدة، تلتها موجات تضخمية وتوترات جيوسياسية، ومع اندلاع الحرب الحالية وتوسعها نحو دول أخرى ارتفعت المخاطر بصورة غير مسبوقة.
علي أضافت في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن توسع الحرب سيؤدي إلى صدمات قاسية، أبرزها ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية قد تتجاوز ما شهدناه في 2022 حين وصل البرميل إلى أكثر من 120 دولارًا، وهو ما يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل عالميًا، وبالتالي عودة موجات تضخم أكثر حدة من تلك التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة.
وأكدت أنه لا يمكن توقع مستقبل استثمارات في مناطق تعاني من النزاعات والحروب، ما يدفع المستثمرين الدوليين للامتناع عن ضخ أموالهم في مشاريع بالمنطقة، لكنها تشير إلى بعض الدول النفطية قد تستفيد مؤقتًا من ارتفاع الأسعار، لكنه لا يلغي حقيقة انعكاسه على كلفة الواردات والإنفاق المحلي، ما يخلق ضغوطًا إضافية على اقتصادات المنطقة، في ما يشبه دورة تضخمية مغلقة.
مستقبل رهن السياسة
أستاذ الاقتصاد الدولي، كريم العمدة، قال إن حرب غزة لا يقتصر تأثيرها على القطاع فقط، بل يمتد للمنطقة، فالتوترات والحروب تدفع المستثمرين للهروب، وتتوزع الخسائر الاقتصادية بين انهيار الناتج المحلي، وتراجع الإيرادات، وارتفاع الديون، إلى جانب شلل قطاعات حيوية مثل السياحة والتجارة.
وأوضح العمدة لـ"العين الإخبارية"، أن أي صراع في الشرق الأوسط، بما يملكه من ثروات طبيعية وممرات بحرية استراتيجية، لا يمكن أن يظل محصورًا في نطاقه المحلي، بل ينعكس بالضرورة على الاقتصاد العالمي، وكلما طال أمد النزاع، ازدادت التكلفة وتعقدت مسارات التعافي، أما استعادة الزخم الاقتصادي، فيبقى رهنًا بتسويات سياسية كبرى لم تتضح ملامحها بعد.
ولم تقتصر تداعيات الحرب على حدود المنطقة، بل امتدت لتصيب الاقتصاد العالمي مباشرة، فقد تحولت مياه البحر الأحمر إلى ساحة صراع، حيث تعرضت السفن التجارية لهجمات متكررة، ما أجبر شركات الشحن على تحويل مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح، ليزيد زمن الشحن من 10 إلى 15 يومًا، وارتفعت تكاليف النقل والتأمين أكثر من 300%، ما وضع ضغوطا إضافية على معدلات التضخم العالمية، خاصة في أوروبا.
ومع ذلك، ذكر العمدة أن إنهاء الحرب يمكن أن يشكل نقطة بداية لمرحلة جديدة من التعافي، إذا توافرت الإرادة السياسية والاستقرار الأمني، وتم استغلال المساعدات الدولية والتعاون الإقليمي بطريقة عقلانية ومستدامة، وتفعيل الاتفاقيات التجارية الإقليمية وتبادل الخبرات، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين البنية التحتية وزيادة حجم التجارة البينية وتطوير التكنولوجيا.
الخسائر بالأرقام.. صورة قاتمة
من أبرز القطاعات المتضررة من الحرب السياحة، التي تعتبر رافعة اقتصادية أساسية لعدد كبير من دول المنطقة مثل لبنان، والأردن، ومصر، ومع توقف الحركة السياحية أو تراجعها إلى مستويات قياسية متدنية، فقدت هذه الدول موردًا رئيسيًا من العملات الأجنبية.
وفي مايو/أيار الماضي، صرحت وزيرة السياحة والآثار الأردنية، لينا عناب، أن معدلات إلغاء الحجوزات السياحية في المملكة ارتفعت لتتراوح بين 70% و100% بالنسبة للحجوزات الفورية الخاصة بالفترة الحالية.
وانكمش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28% في 2024، فيما شهدت غزة وحدها انكماشًا تجاوز 82%، وفقًا لجهاز الإحصاء الفلسطيني، وقدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي تكاليف الإعمار المتوقعة بقيمة تتجاوز 53 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الناتج المحلي قبل الحرب.
وفي مصر، تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 61% لتحقق 3.9 مليار دولار خلال الفترة من يوليو/تموز 2024 حتى يونيو/حزيران 2025، بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وتحويل مسارات السفن. وتقدر الخسائر الشهرية بقيمة 800 مليون دولار، وفقًا لتصريحات الرئيس المصري، ما يمثل ضغطًا هائلًا على ميزان المدفوعات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قدر البنك الدولي خسائر لبنان من الحرب بين حزب الله وإسرائيل بقيمة 8.5 مليار دولار خلال 13 شهرًا، مبينًا أن الحرب أسهمت في إعاقة النمو الحقيقي للاقتصاد بنسبة 6.6%. وكشفت "إسكوا" عن انخفاض معدلات التوظيف بنسبة 25% بين العاملين في القطاع الخاص خلال الحرب.
فرص للإعمار
في المقابل، فإن انتهاء الحرب سيعيد الحياة لهذا القطاع بسرعة نسبية، حيث يميل السياح للعودة فور تحسن الظروف الأمنية، كما أن عودة النشاط التجاري عبر المعابر والموانئ ستسهم في تحريك الاقتصاد وزيادة الصادرات والواردات، وهو ما قد يكون نقطة انطلاق جديدة للنمو في المنطقة، بحسب الخبير الاقتصادي رشاد عبده.
وقال عبده، إن إنهاء الحرب قد يكون نقطة تحول اقتصادية، لفتح الباب أمام فرص كبيرة، حيث يمكن لمشاريع إعادة الإعمار أن تخلق حراكًا اقتصاديًا محليًا قويًا، خصوصًا في قطاع البناء وما يرتبط به من صناعات، ما يسهم في تنشيط سوق العمل وتحسين مستويات الدخل.
ووفقًا للخبير الاقتصادي، فإن عودة الاستقرار الأمني تمثل عاملاً جوهريًا في جذب الاستثمارات الأجنبية التي عزفت عن المنطقة خلال فترة الحرب، بجانب تدفق المساعدات الدولية لإعادة الإعمار، سواء من الدول المانحة أو المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد.
توقعات اقتصادات الشرق الأوسط
وفي مايو/أيار الماضي، خفض صندوق النقد الدولي تقديراته لمعدل نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.6% فقط في 2025، مقابل توقعات سابقة لا تقل عن 4%، كما توقع أن تحقق الدول غير المصدرة للنفط نموًا بنحو 3.4%، انخفاضًا من 3.6% في تقديرات سابقة.
وتوقع الصندوق نموًا متفاوتًا بين اقتصادات المنطقة، إذ ينتظر أن يسجل الاقتصاد المصري 3.8% في 2025 يرتفع إلى 4.3% في 2026، فيما يبلغ النمو في السعودية 3% العام المقبل و3.7% في 2026، أما الإمارات فمن المتوقع أن تحقق 4% في 2025 و5% في 2026، بينما تسجل قطر 2.4% و5.6% على التوالي.
وأشار التقرير إلى نمو الأردن بنسبة 2.6% في 2025، يرتفع إلى 2.9% في 2026، فيما يحقق المغرب 3.9% و3.7%، وتونس 1.4% في العامين المقبلين، بينما يُتوقع انكماش اقتصاد العراق بـ1.5% في 2025 قبل أن يعود للنمو 1.4% في 2026.
وأكد الصندوق أن ميزان المخاطر يميل للجانب السلبي، أبرزها استمرار الصراعات الإقليمية، وتصاعد التوترات التجارية، وتشديد السياسات المالية، وهو ما قد يضغط على الطلب المحلي والخارجي ويضعف أداء القطاع النفطي، مبينًا أن استمرار حالة عدم اليقين قد يؤدي إلى هبوط الناتج بنحو 4.5% عن مستواه المتوقع خلال عامين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز