العقوبات تهزم أوروبا قبل أن ترهق روسيا.. الرقم 18 يقسّم القارة العجوز

في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ الحلول الدبلوماسية، عادت بروكسل لتضرب من جديد، وهذه المرة بحزمة عقوبات هي الأضخم منذ بدء النزاع.
في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ الحلول الدبلوماسية، عادت بروكسل لتضرب من جديد، وهذه المرة بحزمة عقوبات هي الأضخم منذ بدء النزاع.
الاتحاد الأوروبي، الذي يبدو أنه فقد الثقة في لغة التفاوض، أطلق الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات التي تستهدف شريان الاقتصاد الروسي: النفط والغاز والبنوك.
لكن هذه الضربة الاقتصادية تواجه عقبة كبرى: غياب الإجماع بين الدول الأعضاء، ما يفتح الباب أمام صراع داخلي أوروبي لا يقل تعقيدا عن الصراع على الأرض الأوكرانية.
الحزمة الـ18
في مؤتمر صحفي حاسم، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن أن الاتحاد الأوروبي يتجه لتشديد الخناق على الاقتصاد الروسي عبر حزمة عقوبات جديدة تركز على الطاقة والقطاع المصرفي، بحسب صحيفة ليزيكو الفرنسية.
من أبرز البنود، حظر كامل للمعاملات المتعلقة بخطوط الغاز نورد ستريم 1 و2، وهو ما يعد قطيعة نهائية مع الاعتماد الأوروبي السابق على الغاز الروسي، وخفض سقف سعر النفط الروسي من 60 إلى 45 دولارا للبرميل، وهي خطوة تنسق مع مجموعة السبع وتتطلب دعما أمريكيا مباشرا، وتوسيع الحظر البنكي ليشمل 22 مصرفا روسيا جديدا، مع تحويل حظر سويفت إلى حظر شامل للتعاملات المالية، وفرض قيود تصدير جديدة بقيمة 2.5 مليار يورو على المعادن والآلات والكيماويات.
لماذا النفط؟
أوضحت فون دير لاين أن صادرات النفط لا تزال تمثل ثلث إيرادات الحكومة الروسية. وقالت: علينا قطع هذا المصدر المالي. القوة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها موسكو.
وبحسب إحصاءات المفوضية، انخفضت إيرادات روسيا من الوقود الأحفوري من 12 مليار يورو شهريا في بداية الحرب إلى 1.8 مليار فقط، لكن هذا المبلغ لا يزال مرتفعا جدا، على حد قولها.
البنوك تحت المجهر
تمضي العقوبات الجديدة لتحول حظر سويفت السابق إلى حظر شامل للتعاملات البنكية، في ضربة مباشرة للبنية التحتية المالية الروسية. كما تستهدف بروكسل احتياطي روسيا السيادي الذي تقلّص بالفعل بمقدار 6 مليارات دولار في مايو/أيار فقط، وفق وزيرة خارجية إستونيا كايا كالاس.
هل تنجح العقوبات الجديدة؟
قال جان‑مارك دانييل، أستاذ الاقتصاد السياسي في ESCP Business School بباريس، لـ"العين الإخبارية" إن العقوبات الاقتصادية وحدها لا تسقط نظاما، لكنها ترهقه. أوضح أن المشكلة أن الاتحاد الأوروبي يضغط على روسيا اقتصاديا لكنه لا يعوض الدول المتضررة من هذا الضغط داخل أوروبا، ما يضعف الجبهة الداخلية ويهدد بتفكك الموقف الموحد.
وأشار إلى أن الحزمة الـ18 تعكس تصميما أوروبيا على استنزاف القدرة المالية لروسيا، لكن المسألة ليست فقط في فرض العقوبات بل في إدارتها داخليا.
وأضاف: خفض سقف أسعار النفط الروسي فكرة منطقية من منظور اقتصادي، لكن من دون اتفاق صلب مع كبار المستوردين في آسيا، لا يمكن تنفيذها عمليا. في الوقت ذاته، استمرار فرض العقوبات على القطاع البنكي يضعف قدرة روسيا على التمويل، لكنه قد يدفعها نحو خلق شبكات بديلة مع دول غير غربية، مما يعيد تشكيل النظام المالي العالمي تدريجيا.
وحذر من الأثر الداخلي على الدول الأوروبية نفسها، في ظل تباطؤ اقتصادي ملموس داخل أوروبا، فإن كل حزمة عقوبات جديدة يجب أن ترافق بتدابير تعويضية داخلية وإلا فإن الرأي العام الأوروبي سيبدأ بالضغط، وقد ينتج انقسامات سياسية حادة داخل الاتحاد.
بدورها، قالت هيلغا مارتن، خبيرة اقتصادات الطاقة في مركز CEPS، لـ"العين الإخبارية" إن خفض سقف سعر النفط الروسي إلى 45 دولارا خطوة ذكية تقنيا، لكن تنفيذها صعب دون تنسيق دقيق مع الأسواق الآسيوية، لا سيما الصين والهند. وهذه الدول تشتري النفط الروسي بأسعار تفضيلية أصلا، وقد تتجاهل السقف.
عقبة الإجماع
رغم زخم الإعلان، فإن تنفيذ العقوبات مرهون بموافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يبدو صعبا في ظل اعتراض سلوفاكيا.
رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو أعلن صراحة أنه سيرفض أي عقوبة تضر بمصالح بلاده. ويستند إلى قرار من البرلمان السلوفاكي يدعوه لعدم المصادقة على عقوبات جديدة ضد روسيا. هذا التصعيد الداخلي قد يعقد مهمة بروكسل، خاصة مع اقتراب انتهاء الرئاسة البولندية للمجلس الأوروبي في 30 يونيو/حزيران.
مع تصاعد الضغوط على روسيا، تتزايد أيضا التحديات الداخلية الأوروبية. بينما تدفع المفوضية باتجاه تصعيد اقتصادي، تقف بعض الدول الأعضاء على النقيض، خوفا من الارتدادات المحلية.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز