قد تتحرك الأسعار نحو الحد الأعلى إذا تعقدت الأوضاع في فنزويلا أو لدى أي منتج آخر للنفط.
يتحكم في تحرك الأسعار في سوق النفط العالمية في الوقت الراهن محددان رئيسيان:
المحدد الأول يدفع نحو ارتفاع الأسعار استنادا إلى تغيرات جيوسياسية في إيران وفنزويلا، فقرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران (ثالث أكبر المنتجين في منظمة الأوبك)، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها يؤدي إلى توقع انخفاض العرض العالمي من النفط بما يتراوح بين 300 ألف و500 ألف برميل في غضون فترة تصل إلى نحو 6 أشهر، قد تزيد إلى نحو مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، ويغذي هذه المراهنة على ارتفاع السعر أيضا التدهور الشديد في إنتاج فنزويلا، مع تعمق أزمتها الاقتصادية/السياسية، فقد انخفض إنتاج فنزويلا في نهاية شهر مارس الماضي إلى نحو 1.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يعد أقل مستوى لإنتاج البلاد خلال ثلاثة عقود كاملة، وتشير بعض التوقعات إلى احتمال انخفاض هذا الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا إضافية، حيث يتدهور إنتاج فنزويلا إلى قرابة مليون برميل يوميا فقط مع نهاية العام الجاري، ووفقا لهذا المحدد تبلغ أسعار النفط في السوق الفورية إلى نحو 80 دولارا أو أكثر من ذلك قليلا.
قد تتحرك الأسعار نحو الحد الأعلى إذا تعقدت الأوضاع في فنزويلا أو لدى أي منتج آخر للنفط، وقد يزيد الوضع تعقيدا إذا ترافق ذلك مع بدء إحجام بعض المستهلكين الكبار للنفط الإيراني عن شرائه بسرعة غير متوقعة، إذ حينها قد تتحقق أسعار أعلى للنفط عند تاريخ أكثر قربا مما هو متوقع الآن
الأكثر أهمية في شأن هذا المحدد للأسعار هي تلك المراهنة التي تجري حاليا في السوق المستقبلية، حيث يتوقع البعض سعرا قد يصل إلى 100 دولار للبرميل، والسوق المستقبلية هي التي يتم فيها التعاقد بين البائعين والمشترين، وفقا لاتفاق بينهما على تسليم كمية معينة من براميل النفط مقابل سعر محدد للبرميل في تاريخ ما لاحق يتراوح ما بين عدة أشهر وعدة سنوات، ولذا تتزايد المراهنة في هذه السوق على ارتفاع الأسعار بعد ستة أشهر من الآن، مع توقع بلوغ العقوبات الأمريكية ضد إيران لمداها الكامل بعد الرابع من نوفمبر المقبل، ثم أيضا حدوث الانخفاض المشار إليه في الإنتاج الفنزويلي، ربما إلى جانب تذبذب مستويات الإنتاج في بعض البلدان مثل ليبيا، كما يعزز هذا التوقع انخفاض مستوى الاستثمارات النفطية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، خاصة الاستثمارات في الحقول التي تحتاج إلى وقت طويل حتى تدخل مرحلة الإنتاج كحقول المياه العميقة.
أضف إلى كل ما سبق الزيادة السنوية في مستوى الطلب، التي تبلغ في المتوسط نحو 1.5 مليون برميل يوميا، وبينما خففت الزيادة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي من ارتفاع الأسعار حتى الآن فمن غير المتصور أن تحدث زيادة في إنتاج النفط الصخري لتعوض عن خسائر كبيرة في المعروض العالمي قد تزيد على مليون ونصف المليون برميل يوميا خلال عام 2019، ولا جدال أن عوامل المضاربة هي الغالبة في هذا المحدد الأول لتحرك الأسعار في السوق العالمية، إذ يتوقف تحقق الربح والخسارة على مدى سلامة توقع المضاربين لمسار التطورات المشار إليها سابقا، ومن ثم مدى سلامة توقعاتهم لمستوى الأسعار المترتبة على هذه التطورات.
ويستند المحدد الثاني -الذي يراهن على انخفاض الأسعار- على توقع إقدام منظمة الأوبك وحلفائها على تعديل اتفاقهم بخفض مستوى الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا؛ حيث يتم زيادة مستوى الإنتاج أثناء الاجتماع النصف سنوي العادي للمنظمة، المقرر انعقاده بفيينا يوم 22 يونيو.
لهذا يعد النطاق السعري الذي يتراوح ما بين أكثر من 77 دولارا إلى أكثر من 80 دولارا للبرميل، والذي يتحرك فيه سعر البرميل من نوع برنت الخام منذ إعلان الرئيس ترامب في 8 مايو الماضي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، نتيجة لعمل المحددين معا في الوقت الراهن، فرغم وجود عنصر واضح للمضاربة في مستوى الأسعار الحالي إلا أنه يستجيب أيضا للأوضاع الراهنة لمستويات العرض والطلب في الأسواق.
والعامل المهم أيضا هو أن هذه المستويات السعرية باتت تتحقق في ظل محدودية المرونة التي كان يوفرها ارتفاع مستوى المخزون النفطي لدى الدول المستهلكة الكبيرة؛ حيث نجح اتفاق الأوبك وحلفائها في خفض مستويات المخزون بشكل حاد منذ تم مباشرة تنفيذ هذا الاتفاق عند بداية عام 2017، وليس أدل على ذلك مما أشرنا إليه في مقال سابق من أن مستوى المخزون من النفط الخام والمنتجات لدى الولايات المتحدة (أكبر مستهلك عالمي للنفط) أضحى لا يغطي سوى احتياجات 90 يوما من الاستهلاك، ويعد هذا هو مستوى الحد الأدنى المتعارف عليه لهذا المخزون.
وعلى الرغم من أنه يمكن المناورة بالذهاب لأبعد من ذلك باستمرار السحب من المخزون حتى بعد بلوغ هذا الحد إلا أن العاقبة قد تكون سلبية للغاية، فالسحب الزائد عن الحد من المخزون -خاصة من مخزون الخام- سيجبر الشركات والمصافي على العودة لملء هذا المخزون في وقت لاحق، وإذا تحققت سيناريوهات ارتفاع الأسعار فستكون هذه الجهات قد فرطت في نفط رخيص نسبيا من مخزونها الحالي، مقابل العودة لملء هذا المخزون لاحقا بأسعار أعلى، علاوة على أن الطلب على الخام بغرض إعادة بناء المخزون سيشكل طلبا إضافيا يدفع للمزيد من الارتفاع في مستوى الأسعار.
الأرجح في تقديري إذا أن نظل نتحرك في نطاق سعري لبرميل النفط من نوع برنت يتراوح بين 75-80 دولارا للبرميل حتى اجتماع أوبك القادم، وبعدها قد تتجه الأمور نحو الهدوء إذا أقدمت منظمة الأوبك وحلفاؤها على زيادة الإنتاج؛ حيث نكون أقرب إلى تحقيق الحد الأدنى لهذا النطاق أو حتى أقل منه، أو على العكس قد تتحرك الأسعار نحو الحد الأعلى إذا تعقدت الأوضاع في فنزويلا أو لدى أي منتج آخر للنفط، وقد يزيد الوضع تعقيدا إذا ترافق ذلك مع بدء إحجام بعض المستهلكين الكبار للنفط الإيراني عن شرائه بسرعة غير متوقعة، إذ حينها قد تتحقق أسعار أعلى للنفط عند تاريخ أكثر قربا مما هو متوقع الآن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة