ثقافة
اكتشاف مدينة مصرية مفقودة عمرها 2500 عام في دلتا النيل (صور)

في كشف أثري استثنائي، أعلن فريق من علماء الآثار عن اكتشاف مدينة مصرية مفقودة تُعرف باسم "إيميت"، يعود تاريخها إلى أكثر من 2500 عام.
تقع المدينة التي اكتشفها فريق بحثي بقيادة جامعة مانشستر، وبالتعاون مع جامعة مدينة السادات، على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب مدينة تانيس في دلتا النيل.

وتشير النتائج الأولية إلى أن المدينة كانت مركزا دينيا واقتصاديا مزدهرا خلال القرن الرابع قبل الميلاد، في الفترة المعروفة باسم "العصر المتأخر"، وهو آخر عهد للحكم المصري قبل دخول الإسكندر الأكبر إلى البلاد عام 332 ق.م.
بنية معمارية معقدة و"منازل برجية" نادرة
وقد كشفت الحفريات عن مجموعة من المباني الفريدة، بينها مخازن حبوب، حظائر حيوانات، ومبانٍ شعائرية مكرّسة لعبادة المعبودة "واجيت"، التي تجسدها الكوبرا وتحظى بمكانة مقدسة في الدلتا.
كما تم العثور على منازل متعددة الطوابق تعرف بـ"المنازل البرجية"، وهي نمط معماري نادر في مصر القديمة، يقتصر ظهوره غالبا على منطقة الدلتا بين العصر المتأخر والعصر الروماني.
ويقول الدكتور نيكي نيلسن، مدير الحفريات من جامعة مانشستر: "وجود هذه المباني هنا يبرهن على أن إيميت كانت مدينة مكتظة بالسكان، ذات بنية تحتية حضرية معقدة".

تكنولوجيا فضائية وراء الاكتشاف
بدأت القصة باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد وصور الأقمار الصناعية عالية الدقة، التي مكّنت الفريق من تحديد تجمعات الهياكل الطينية تحت سطح الأرض، ما ساعدهم في توجيه الحفريات بدقة وكشف حدود المدينة المنسية.
وتبين الأدلة أن "إيميت" كانت مأهولة منذ عصر الأسرة الثامنة عشرة (نحو 1550 ق.م)، وازدهرت بشكل ملحوظ خلال العصر المتأخر، حيث كانت عاصمة إدارية لنوم (مقاطعة محلية).

وداخل المدينة، تم العثور على معبد كبير للمعبودة واجيت، ذي أرضية من الحجر الجيري وأعمدة ضخمة، بني في ذروة ازدهار المدينة خلال العصر البطلمي الأوسط. وكان يمتد أمامه طريق شعائري استخدمه الكهنة في المواكب الدينية، لنقل تماثيل الآلهة أمام السكان.
كما عثر الفريق على قطع أثرية نادرة تعكس الحياة الروحية واليومية لسكان المدينة، بينها: صلاصل نحاسية مزينة بوجه المعبودة حتحور، عُثر عليها ملقاة في أحد الشوارع، ويُعتقد أنها كانت تُستخدم في الطقوس الدينية، تمثال "أوشبتي" أخضر اللون مصنوع من الفيانس، يعود إلى الفترة بين 664 و525 ق.م، ولوح حجري منقوش بصورة الإله "حربوقراط" ورموز حماية.

إعادة كتابة التاريخ الحضري لمصر القديمة
يرى الدكتور نيلسن أن هذه الاكتشافات تسلط الضوء على جانب طالما أُهمل في علم الآثار المصري، وهو "الحياة اليومية والسكنية".
ويضيف: "نعرف الكثير عن طقوس الدفن ومعتقدات الحياة بعد الموت في مصر القديمة، لكن التنقيب في المواقع السكنية لا يزال محدودا، وهذا الاكتشاف يساهم في سد هذه الفجوة، ويقدم لمحة نادرة عن حياة السكان الحقيقيين في المدن القديمة".
ويُعد اكتشاف مدينة "إيميت" خطوة مهمة نحو فهم أعمق لتاريخ الحياة الحضرية في مصر القديمة، وتأكيدا على الدور المتقدم الذي لعبته دلتا النيل كمركز سياسي وديني واقتصادي على مدار آلاف السنين.