أولمبياد باريس تنعش «حلقات النار».. الرياضيون ينضمون لضحايا تغير المناخ
مع انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في باريس يعاني العالم هذا الصيف من درجات حرارة عالمية مرتفعة بشكل غير مسبوق.
وتقول صحيفة "يو إس إيه توداي" إن إيجاد أماكن أولمبية باردة بما يكفي للألعاب الشتوية، وغير حارة جدا للألعاب الصيفية أصبح يمثل تحديا متزايدا للجنة الأولمبية الدولية والمضيفين المحتملين.
وأثارت درجات الحرارة المرتفعة في المسابقات العالمية الأخيرة مخاوف خطيرة تتعلق بالصحة والسلامة للرياضيين.
كما أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت الألعاب الصيفية قد تتحول يوما ما إلى ألعاب الخريف أو الربيع بدلاً من ذلك، ليتم تنظيمه في أجواء مناخية أكثر اعتدالا.
وقال صامويل ماتيس، لاعب رمي القرص في فريق ألعاب القوى الأمريكي، الذي أمضى 15 عاما في هذه الرياضة: "من الواضح للغاية مدى ارتفاع درجة الحرارة ومدى صعوبة التدريب الآن".
وقبل انطلاق الألعاب الأولمبية في فرنسا كان الرياضيون والمسؤولون على حد سواء يخشون أن تشهد البلاد تكرار موجة الحر التي قتلت الآلاف في الصيف الماضي.
وتتفاقم الأزمة إلى ما هو أبعد من ذلك، فلا تشمل الرياضيين فقط، ولكن أيضا المدربين والمتفرجين في مختلف المنافسات.
وتقول مادلين أور، الأستاذة المساعدة في علم البيئة الرياضية بجامعة تورنتو في أونتاريو ومؤلفة كتاب "الإحماء: كيف يغير تغير المناخ الرياضة" إنه "ليس فقط الرياضيون الأولمبيون هم من يلعبون في ظروف غير عادية، بل كل شخص يمارس الرياضة في كل جزء من العالم".
وفي الفترة التي سبقت الألعاب الأولمبية انصب انتباه "أور" وآخرون على كيفية زيادة تغير المناخ للمخاطر التي يتعرض لها جميع الرياضيين.
وأكدت أور، في تصريحات نقلتها صحيفة "يو إس إيه توداي"، أن الأمر لا يجب أن يقتصر على الألعاب الأولمبية في باريس فقط، أطفالنا في كافة أنحاء العالم يواجهون أثناء ممارستهم الرياضة الخطر نفسه، مشيرة إلى أن الحديث عن مخاطر تغير المناخ على الرياضيين يجب أن يكون أكثر شمولية.
وفي يونيو/حزيران أصدرت الجمعية البريطانية للرياضة المستدامة وجامعة بورتسموث وأخرى تقريرا يركز على مخاطر الحرارة في أولمبياد باريس.
قدم التقرير، الذي طرح بعنوان "حلقات النار" في إشارة لشعار الأولمبياد الملتهب بسبب حرارة الطقس، توصيات للرياضيين والسلطات الرياضية، مشيرا إلى أن متوسط درجات الحرارة العالمية يواصل اتجاها صاعدا، بعد أن جعل عام 2023 العام الأكثر سخونة في التاريخ المسجل.
وقال رئيس ألعاب القوى الكيني جيه كيه تووي في التقرير "إن تحديات الحرارة الشديدة الناجمة عن تغير المناخ للرياضيين واسعة النطاق وتشكل مخاطر بنتائج مدمرة".
تغير المناخ والأولمبياد الصيفية
ومقارنة بالمرة الأخيرة التي استضافت بها باريس الألعاب الأولمبية يقول التقرير إن درجات الحرارة في الصيف ارتفعت بشكل ملحوظ منذ تجمع الرياضيين الأولمبيين في باريس قبل قرن من الزمان في صيف عام 1924، حسب ما ذكرت منظمة كلايمت سنترال، وهي منظمة أمريكية غير ربحية شاركت في تأليف كتاب "حلقات النار".
وارتفعت درجات الحرارة المتوسطة للفترة من 26 يوليو/تموز إلى 11 أغسطس/آب، تاريخ الألعاب في 1924، بمقدار 5.5 درجة.
وتم الإبلاغ عن درجات حرارة تبلغ 86 درجة أو أعلى، لمدة تصل 188 يوما على مدار العقد الماضي، مقارنة بـ69 درجة في الفترة من 1924 إلى 1933.
وظلت درجات الحرارة أثناء الليل عند 68 درجة أو أعلى لمدة 84 ليلة في الفترة من 2014 إلى 2023، مقارنة بأربع درجات فقط في الفترة من 1924 إلى 1933.
فيما يخص العام الجاري، جاءت التوقعات للأسبوع المقبل بدرجات حرارة مرتفعة من الإثنين إلى الخميس، بحسب توقع مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، يشير إلى ارتفاع درجة الحرارة إلى 90 درجة يوم الثلاثاء، وتوقعت "أكيوويذر" ارتفاع درجة الحرارة إلى 92 درجة مع وجود رطوبة في باريس.
وقد أكد جيمي فارنديل، قائد فريق الرجبي الوطني الاسكتلندي والناشط في مجال الاستدامة المناخية، أن أي درجة حرارة أعلى من 86 درجة تصبح "خطيرة للغاية" بالنسبة للرياضيين.
وتدرك اللجنة الأولمبية المخاوف المرتبطة بالحرارة، قائلة إنه من المهم أن يخطط منظمو الحدث بعناية لمنع الأمراض المرتبطة بالحرارة.
وقالت اللجنة "إن توفير أفضل الظروف وأكثرها أمانا للرياضيين والمتفرجين هي من أهم أولويات اللجنة الأولمبية الدولية والحركة الأولمبية بأكملها".
وفي طوكيو عام 2021، أكثر الألعاب الأولمبية حرارة في التاريخ تم إعادة جدولة مباريات الرجبي إلى وقت مبكر من اليوم، وأقيمت أحداث ركوب الدراجات الجبلية في وقت لاحق من اليوم.
وبحسب تقرير "حلقات النار"، قال اللاعب الأوليمبي النيوزيلندي ماركوس دانييل، الحائز على الميدالية البرونزية في التنس، إن الحرارة في اليابان كانت وكأنها تقترب من المميتة.
وقالت اللجنة الأولمبية الدولية إن مجموعة من الخبراء الطبيين الذين يعملون مع منظمي ألعاب باريس وضعوا خططا لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة والحفاظ على سلامة المنافسات.
كما وزع المسؤولون الأولمبيون دليلا يذكر الرياضيين بالاستعداد للحرارة، والتدريب لمدة تتراوح بين 60 و90 دقيقة يوميا في بيئة مماثلة لتلك الموجودة في باريس، وسبل الوقاية من الأمراض المرتبطة بالحرارة.
كيف تؤثر الحرارة على الرياضيين؟
وفي استطلاع أجرته رابطة ألعاب القوى العالمية على 373 من بين نحو 400 متنافس في بطولاتها العالمية في أغسطس/آب الماضي، قال ثلاثة أرباع الرياضيين إنهم يشعرون بعواقب مباشرة على صحتهم وأدائهم بسبب تغير المناخ.
فالحرارة يمكن أن تلحق الضرر بالأداء الرياضي بطرق صغيرة وكبيرة، من اضطرابات النوم إلى الإصابة بمرض فعلي والإصابة.
وتقول مادلين أور، الأستاذة المساعدة في علم البيئة الرياضية بجامعة تورنتو، إن الدراسات تظهر أن أداء العدائين يتراجع بشكل تدريجي مع ارتفاع درجات الحرارة منذ أوائل الستينيات.
ويعاني الرياضيون الذين يمارسون رياضات تتطلب حركات سريعة ومفاجئة، مثل التنس والجري وكرة القدم، المشكلات الأكبر لهذا السبب.
ووفقا للجنة الأولمبية الدولية تنتج تقلصات العضلات حرارة بدورها، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم الأساسية بعد بضع دقائق فقط من التمرين.
وإذا سمحت الظروف الخارجية المحيطة بتبديد حرارة سطح الجلد، فقد تصل درجة حرارة الجسم الأساسية إلى مرحلة الثبات، ولكن إذا لم يحدث ذلك وكانت هناك عوامل حرارة خارجية فقد يؤدي ذلك إلى إجهاد الجهاز القلبي الوعائي للرياضي.
وضع معايير أعلى للسلامة لحماية الرياضيين والمشجعين
وتشعر "أور" بالقلق من أن الفرق الرياضية المحترفة تتكيف بالفعل دون إخبار المشجعين بحقيقة ما يحدث خلف الكواليس، هم بذلك يعطون انطباعا بأن اللعب في هذه الظروف لا يمثل مشكلة لهم، والحقيقة أن الأمر عكس ذلك.
وقالت أور "كان لدى فريق كرة القدم الأمريكية "كانساس سيتي تشيفز" العام الماضي موسما سخيفا تماما من وجهة نظر المناخ ولكنه فاز بطريقة ما ببطولة السوبر بول رغم ذلك، ولكن فقط لأنهم يمتلكون جميع الموارد التي مكنتهم من ذلك"، وتابعت "لا يمتلك ابنك البالغ من العمر 16 عاما، الذي يلعب كرة القدم في المدرسة الثانوية هذه الموارد، ولهذا السبب رأينا ضحايا وفيات بين الأطفال من ضربة الشمس".
وأكد الخبراء أن الوفيات والأمراض المرتبطة بالحرارة لا يتم الإبلاغ عنها بشكل مناسب.
ووجد راندي إيتشنر، طبيب رياضي وأستاذ فخري في جامعة أوكلاهوما، في دراسة أجريت عام 2023، أن ثلاثة لاعبين في كرة القدم الجامعية ماتوا في غضون خمس سنوات في كانساس، وجميعهم لاعبو خط دفاع يبلغون من العمر 19 عاما.
كما أبلغ عن حالة تم فيها نقل 6 لاعبين في معسكر كرة قدم جامعية في جورجيا إلى المستشفى بعد تمرين واحد خلال موجة حر الصيف الماضي.
ووفقا للمركز الوطني لأبحاث الإصابات الرياضية الكارثية بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، تم الإبلاغ عن متوسط 2.2 حالة وفاة بسبب ضربة الشمس من عام 2014 إلى عام 2023 بين لاعبي كرة القدم من مراحل المدارس والكليات ومستوى المحترفين.
وقال المركز في تقريره السنوي لعام 2023 "هناك حاجة ماسة إلى جهود السلامة المستمرة المحيطة بالتدريب في الطقس الحار".
وقالت أور إن توفير الترتيبات للرياضيين، مثل مراوح الرذاذ وأحواض التبريد، هي خطوة مهمة لمعالجة المشاكل، لكنها لا توفر الحماية أو الراحة للمتفرجين والمسؤولين، مع تأكيدها على المساواة في الرعاية بين الفرق الرياضية بالطبقات المختلفة.
وأضافت أن معيار السلامة يجب أن يكون أعلى، مع الأخذ في الاعتبار ما إذا الرعاية الطبية مطلوبة لعدد من الرياضيين.
aXA6IDMuMTQ0LjQuNTQg جزيرة ام اند امز