ما بعد قرار "أوبك".. هيستريا في الولايات المتحدة تخفي فشلا سياسيا
منذ قرار أوبك بلس، توظف آلة السياسة والإعلام في الولايات المتحدة، الهجوم على السعودية، كأداة لتغطية فشل هيكلي وسياسي كبير.
وبموجب قرار أوبك بلس، الأربعاء الماضي، من المقرر أن ينخفض الإنتاج اليومي العالمي من النفط بحوالي 2%، بالرغم من أن ذلك يعد تخفيضا وهميا لأن أعضاء المجموعة كانوا بالفعل ينتجون أقل من الهدف المعلن.
لكن يمكن أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على الأسعار. وبالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن هذا يأتي في توقيت حرج للغاية، مع تبقي شهر واحد فقط على انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس.
ووفق فرانس برس، من المنتظر أن يحد قرار أوبك بلس، من إمدادات النفط في سوق يواجه شحا، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي تراجعت إلى 90 دولارا للبرميل، بعد أن كانت 120 دولارا قبل أشهر قليلة.
وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، واجه الحملة الغربية ضد قرار أوبك بلس، وقال: "أوبك بلس، لم تمارس سياسة عدائية تجاه أي طرف، ولم تعرّض أسواق الطاقة للخطر".
وتابع "أوبك بلس ملتزمة بمصالح المنتجين والمستهلكين، وستواصل الإيفاء بالتزاماتها تجاه الأسواق"، مضيفا أنها "ستبقى قوة أساسية لضمان استقرار الاقتصاد العالمي، وما تقوم به ضروري لكل الدول المصدرة للنفط بما في ذلك غير الأعضاء في التحالف".
بل إن الوزير السعودي استند إلى مسرحية شهيرة للتعليق على دفع البعض بأن قرار أوبك بلس، لن يكون له الأثر الحقيقي المأمول على أداء السوق، بينما سيكون له أثر طويل المدى على الاقتصادات العالمية.
وأوضح "فيه نسب، إذا كان ما له أثر فمعناه كيف يؤثر على التضخم، ما أدري إذا كان مناسبًا أن أذكر مسرحية عادل إمام أم لا، (عندما قال) يا تنتن يا تنتن، يا هذا يا هذا... يا فيه أثر نحاول قياسه، يا ما فيه أثر وصلى الله على محمد وهادينا".
ومرارا، أوضحت السعودية أنها تهدف إلى حماية أمن الطاقة العالمي قبل حماية مصالح أوبك أو المملكة نفسها، وأن قرارها ليس اصطفافا مع أحد.
ورغم هذه التوضيحات، إلا أن هناك هجوما كبيرا على السعودية في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، ووصف لقرار أوبك بلس بـ"العدائي".
الرئيس الأمريكي نفسه، هاجم السعوديون والروس بعد قرار "أوبك بلس" خفض الإنتاج، وقال في تصريح من ولاية ماريلاند الأمريكية: "كنت قادرا على خفض أسعار البنزين بأكثر من 1.60 دولارا".
وتابع "لكن بدأت أسعاره ترتفع تدريجيا بسبب ما فعله الروس والسعوديون؛ لكني لم أنته من ذلك بعد".
فيما أصدرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير بيانًا يوم الأربعاء، قالت فيه "من الواضح أن أوبك بلس، تتحالف مع روسيا".
ويوم الخميس، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة "تراجع عددًا من الردود" على تحرك السعودية، مضيفًا أن البيت الأبيض "يتشاور عن كثب مع الكونجرس".
كما أن سياسيين بارزين بالحزب الديمقراطي، لا يتوقفون عن مهاجمة السعودية، ووصف قرار أوبك بلس بـ"السياسي" أحيانا، و"العدائي" أحيانا أخرى، والمطالبة بإجراءات ضد الرياض.
إذ دعا المرشح الرئاسي السابق، بيرني ساندرز، عبر منصة "تويتر"، إلى وقف الدعم الأمريكي للسعودية، متهما الأخيرة بالوقوف مع موسكو لتدمير الاقتصاد الأمريكي، على حد قوله.
لكن يبدو أن هذا الهجوم المبالغ فيه، لا يعدو كونه محاولة للتغطية عن فشل سياسي وبنيوي كبير، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حظوظ الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي المقررة الشهر المقبل، وفق مراقبين.
هذا الفشل ظهر بوضوح في تغريدات سياسيين أمريكيين على "تويتر"، وكتب السياسي الأمريكي، ستيف لاسيس، "لنكن صادقين بشأن ما حدث: بايدن دمر صناعة النفط والغاز الأمريكية وجعلنا نعتمد مجددا على أوبك، ثم توسل لأوبك لإنتاج المزيد من النفط".
وتابع "قامت أوبك بالعكس: خفض الإنتاج بمعدل 2 مليون برميل يوميا.. أوبك تسخر من بايدن".
أما السياسي الجمهوري، روجر وليامز، فكتب على حسابه على "تويتر": "سياسات الطاقة الفاشلة للرئيس بايدن تجعلنا على حافة أزمة نقص الطاقة".
وتابع "لقد تركت بلادنا دون قدرة على إنتاج النفط لمواكبة الطلب، وسيدفع الأمريكيون الثمن"، وفق ما طالعته "العين الإخبارية".
السياسي الجمهوري، جيم جوردن، كتب على حسابه بـ"تويتر" أيضا، "لم نكن لنحتاج إلى أوبك إذا فتح بايدن المجال أمام النفط الأمريكي وإنتاجه محليا".
بدورها، قالت عضوة مجلس الشيوخ الأمريكي، مارشا بلاكبورن، "قتل جو بايدن إنتاج الطاقة الأمريكي، وأجبر الولايات المتحدة على الاعتماد على الآخرين".
أما المرشحة لانتخابات الكونجرس المقبلة، لوران بوبرت، فكتبت على "تويتر": "البيت الأبيض غاضب من أوبك، وليس غاضبا من نفسه"، مضيفة "كنا مصدرين للطاقة قبل 18 شهرا مضت".
وتابعت "الآن أصبحنا نعتمد على استجداء الآخرين، للحصول على الطاقة"، مضيفة "السبب الأساسي لارتفاع أسعار الطاقة هو بايدن، لكنه يلوم الجميع ولا يلوم نفسه".
صحيفة "نيويورك تايمز" رأت في تحليل نشر على موقعها الإلكتروني، أن قرار أوبك بلس، قوض جهود الرئيس الأمريكي، لتجنب الزيادة في أسعار الطاقة قبل انتخابات الكونجرس، كما ضربت مساعيه لتقييد عائدات النفط التي تستخدمها موسكو لتمويل مجهودها الحربي في أوكرانيا.
لكن تحليل الصحيفة وضع يده على نقطة شديدة الأهمية، حيث قالت إن قرار أوبك بلس، يظهر أن دول المجموعة تعمل لمصلحتها الخاصة.
هذا التحليل يتفق مع تحليلات مستقلة أخرى ترى خطوة أوبك بلس، في إطار اقتصادي بحت، وليس سياسيا، ما يوجه ضربة لمحاولة ساسة أمريكيين تسيس القرار، واستغلاله في مهاجمة السعودية.
ونقلت شبكة سي إن إن الأمريكية عن إيلين والد، الزميلة غير المقيمة في أتلانتيك كاونسل في واشنطن، قولها: "يبدو أن هذا الخفض (قرار أوبك خفض الإنتاج) إجراء استباقي على أمل تجنب انهيار الأسعار مع استمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة".
ووفق سي إن إن، فإن الاقتصاد السعودي يملك تاريخا من الوقوع ضحية لدورات الازدهار والركود في سوق النفط، حيث تؤدي الأسعار المرتفعة إلى تدفق نقدي يتبعه فترات ركود، لذلك يقول خبراء إن المملكة تحاول عبر قرار تخفيض الإنتاج، حماية نفسها من مثل هذا الاحتمال.
إيلين والد قالت في هذه النقطة على وجه التحديد "تتطلع المملكة العربية السعودية إلى تجنب تكرار ما حدث في عام 2008 عندما أدى انهيار السوق إلى دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود وانهيار أسعار النفط فجأة، الأمر الذي تطلب إجراءً طارئًا من جانب أوبك في ذلك الوقت".
ونقلت الشبكة الأمريكية عن محللين أيضا، إن السعودية "لا تستطيع تحمل ترك أسعار النفط تنخفض إلى ما دون مستوى معين، لأسباب تتعلق بالميزانية"، ما يصب في خانة سعي المملكة إلى تحقيق مصلحتها الاقتصادية الخاصة، دون النظر لأهداف سياسية.