رسالة «العين الإخبارية» من مهرجان لندن السينمائي.. رؤية مختلفة للحرب العالمية الثانية
افتتح مهرجان لندن السينمائي الدولي بعرض فيلم "Blitz" أو "الهجوم الخاطف" للمخرج ستيف ماكوين، الذي يقدم رؤية مختلفة للحرب العالمية الثانية بعيدة عن الصورة المألوفة للتماسك الوطني الذي طالما رُوِّج له في بريطانيا.
فيلم "Blitz" يستمد عنوانه من الكلمة الألمانية "بليتزكريج" (Blitzkrieg) التي تعني "الهجوم الخاطف"، وهي الاستراتيجية العسكرية التي استخدمها الألمان في غزواتهم السريعة والناجحة في أوروبا الغربية خلال الحرب العالمية الثانية.
يتناول الفيلم بشكل خاص حملة القصف الجوي المكثف التي شنها سلاح الطيران الألماني على المدن البريطانية، وخاصة لندن، في أواخر عام 1940.
رؤية مختلفة للحرب
تربى الأطفال البريطانيون على قصص تمجيد الشجاعة والوحدة في زمن الحرب، حيث انخرطت النساء في أعمال الرجال الذين ذهبوا إلى الجبهة، وزُرعت "حدائق النصر"، وتم إجلاء ملايين الأشخاص من المدن المهددة.
ولكن ماكوين يبتعد عن هذا التصور الوردي لتلك الحقبة في فيلمه الجديد، مسلطًا الضوء على الجوانب المعتمة التي لا تظهر عادة في الروايات التاريخية المتعارف عليها.
يركز الفيلم على الطفل جورج، الذي يعيش مع والدته ريتا في لندن خلال فترة القصف الألماني المكثف، والذي عُرف باسم "الغارة الجوية الخاطفة".
عند اشتداد القصف، تُرسل ريتا ابنها إلى الريف هربًا من الخطر، ولكنه سرعان ما يقرر العودة إلى لندن.
عبر عيون جورج البريئة، نشاهد كيف تتفكك فكرة الوحدة المجتمعية، حيث يظهر التمييز والعنصرية في مواقف مؤثرة ومؤلمة.
وعلى الرغم من ارتباط الفيلم بالحرب العالمية الثانية، فإن "بليتز" يركز على الجوانب الإنسانية والاجتماعية في زمن الحرب، مقدماً سرداً جديداً من خلال عيون طفل صغير يتعرض للكثير من التجارب القاسية.
الثيمات الرئيسية
يركز الفيلم على 3 ثيمات رئيسية: أولاً، تأثير الحرب على المجتمع البريطاني، وثانيًا، فقدان الأطفال لبراءتهم بسبب فصلهم عن أسرهم، وأخيرًا، العنصرية التي واجهها جورج وغيره من الملونين في المجتمع البريطاني.
ستيف ماكوين يعكس تجربته الخاصة كفنان سينمائي بريطاني ملون، مما يجعل الفيلم وثيقة شخصية مليئة بالتفاصيل الحميمية.
العمل البصري والدرامي
رغم غياب الحبكة التقليدية، يقدم "بليتز" تجربة سينمائية غنية بالبنية البصرية المدهشة والأداء التمثيلي المؤثر.
الفيلم يأخذ شكل رحلة درامية أفقية، حيث يرافق المشاهد جورج في رحلته الشاقة داخل لندن المدمرة، مما يعزز من تأثير الفيلم على المستوى العاطفي والإنساني.
تنجح مشاهد الحرب في تصوير الصدمة والرعب بواقعية، دون الاعتماد على الكثير من الحركة أو المؤثرات البصرية المفرطة.
مشهد واحد لا يُنسى، حيث نرى جورج يركض وسط ساحة معركة في لندن، بينما تتحطم الطائرات وتنهال القنابل حوله.
أداء الشخصيات
يلعب إليوت هيرفرنان دور جورج ببراعة، بينما تضيف الممثلة الأيرلندية سواريس رونان بعدًا مميزًا لشخصية ريتا، والدة جورج.
ومع ذلك، يبقى مدير التصوير يوريك لو ساو هو النجم الحقيقي للفيلم، إذ يقدم صورًا نابضة بالحياة تنقل بشكل مذهل رعب ودمار لندن خلال الحرب.
يبرز الفيلم بعض الشخصيات المدهشة، مثل الثنائي المتذمر من لصوص المجوهرات اللذين يلعب دورهما ستيفن غراهام وكاثي بورك، لكن هذه الشخصيات الجانبية تطغى أحيانًا على القصة الرئيسية التي تتناول نمو جورج الشخصي.
ورغم أداء إليوت هيفرنان الرائع، الذي يظهر لأول مرة على الشاشة، إلا أن القصة لا تمنحه الفرصة الكافية لتطور شخصيته بشكل كامل، فتبقى رحلته متذبذبة وغير مكتملة.
تقدم ساويرس رونان دور الأم بشكل رائع، حيث تعكس الصلابة التي تتحطم تحت وطأة الضغوط، لكنها تظل شخصية ثانوية تعكس للمشاهد الأحداث من حولها، دون أن تصبح جزءًا أساسيًا في تطور القصة.
أما هاريس ديكنسون، الذي عادة ما يضيف سحرًا خاصًا لأدواره، فقد تم تقليص دوره كرجل إطفاء في هذا الفيلم إلى حد كبير، مما أثر على تأثيره في السرد.
ماكوين يركز بشكل كبير على الجانب الإنساني للحرب، وهذا يظهر جليًا في التصوير السينمائي المذهل الذي أبدع فيه يوريك لو سو، حيث حافظ على الحميمية في الكادرات، متابعًا جورج عن كثب وسط الفوضى والحشود.
ومع ذلك، يبدو الفيلم أحيانًا وكأنه منتج مصمم خصيصًا لمنصة Apple TV+، مليء بالتفاصيل اللامعة ولكن يفتقد إلى العمق والجاذبية الحقيقية.
aXA6IDE4LjE4OC4xNDAuMjMyIA== جزيرة ام اند امز